على مدار الساعة

تساؤلات مواطنة مفجوعة

19 يونيو, 2021 - 16:55
شيخن البان

السيد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، تحية طيبة وبعد. أنا مواطنة موريتانية مفجوعة، عرضي منتهك ومالي مستباح، أود منك أن تسمح لي بأن أكتب إليك هذه الحروف بحبر الفجيعة والدموع ودواة اليأس والألم، فقد جفّ حبر التصفيق وانتهت صلاحية دواة الصبر على المآسي والآلام التي عايشتها وأنا طفلة، وظلت تتزايد حتى خُتِمتْ بهذه الفاجعة وأنا في العقد الثالث من عمري، ولعلّك تعلم أنني لست المواطنة الموريتانية الوحيدة التي ظلت تُبحر -مُجبَرة- في بحر المآسي المتجددة في هذا الوطن المنكوب المنهوب منذ نشأته.

 

أيها الرئيس، هذه صرختي أظن أنها واضحة مسموعة لا تحتاج شرحاً، أرجو أن تعيها أذن واعية وقلب رحيم بالمواطنين، وأن تُحيي فيك حروفي هذه النخوة والعزة والشهامة؛ فتدفعك إلى تحمّل المسؤولية التي تقدّمتَ لها مختاراً لا مُجبَراً ودفعتَ من أجلها الغالي والنفيس، كما أرجو أن تعتبر كلامي صرخة موجهة لك (واااااغزواني)، وأن تكون كالمعتصم الذي حرّك جيشه الجرّار من أجل امرأة صرخت (واااامعتصماه)، فتحرّك أنت أجهزتك الأمنية فقط لا جيشك، وتقوم بالواجب عليك شرعاً وقانوناً وعرفاً وعادة ورجولة ونخوة وشهامة.

 

السيد الرئيس العسكري، قل لي بربك ما دام المواطن غير آمنٍ في بيته في العاصمة نواكشوط فما الفائدة المرجوّة من جلوسك على كرسي الرئاسة؟ كيف سيكون حال المواطن خارج العاصمة؟ أين العملاء الذين يأكلون من مال الشعب وينامون الساعة السابعة مساء ويستيقظون الساعة العاشرة صباحاً؟ أين المخبرون السُّخفاء الذين لا ينقلون لك إلا خبراً يتعلق بإغلاق مسجدٍ أو معهدٍ أو محظرة أو جامعة تبثّ العلم في صدور الرجال والنساء من سكان هذا المنكب البرزخي؟

 

السيد الرئيس غزواني، صارحني رجاء كي أطمئن؛ أين أنت من الجرائم الوحشية المتكررة التي يتم من خلالها: زهق الأرواح، وانتهاك الأعراض، وسرقة الأموال، وترويع الآمين في بيوتهم ليلاً ونهاراً على بعد أمتار من قصرك؟ أين حسّك الأمني؟ أن تاريخك العسكري؟ أين مشاعرك الإنسانية؟ أين مسؤوليتك الأخلاقية والقانونية؟ أليس في حكومتك وأجهزتك الأمنية رجل رشيد أو حتى سفيه يوقف هذه الجرائم الوحشية بحق المواطنين بشكل حازم ونهائي؟ 

 

أيها الرئيس العسكري، هل يمكن أن تقول لي أين المقاربات الأمنية التي صدّعتم بها رؤوسنا وتظاهرتم وتفاخرتم أنكم هزمتم من خلالها "القاعدة" في الساحل والمغرب الإسلامي؟ من باب الصراحة، أليس من المضحك -لدى الأغبياء قبل العقلاء- أن نقول إننا هزمنا "القاعدة"، في حين أننا عاجزون عن هزيمة مجموعة من اللصوص "الراجلين" داخل العاصمة نواكشوط وليس على الحدود؟

 

السيد رئيس الجمهورية، قل لي بربك أين الأجهزة الأمنية والمؤسسات العسكرية التي خبرتها سنوات طويلة وعلمت على تطوير بعضها قبل أن تكون رئيساً للجمهورية؟ أين هي من هذا الانفلات الأمني المخيف المتجدّد؟ أليس من المطلوب -منطقياً- أن نخجل من الاستعراضات الأمنية والعسكرية التي نقوم بها في عيد الاستقلال كل عام أمام المواطنين الذين لا ينام بعضهم ليلة الاستقلال من شدة الخوف والفزع؟ رجاء قل لي هل الهدف من الأجهزة الأمنية والمؤسسات العسكرية هو الاستعراض أمام الناس مرة كل سنة؟ أم الهدف حماية الوطن والمواطن من كل الأخطار الداخلية والخارجية والتأكيد في كل مناسبة على أن الدولة بمؤسساتها العسكرية وأجهزتها الأمنية بُنيّت وطُوّرت من أجل المواطن وسلامته وسعادته؟؟

 

أيها الرئيس، هذه ليست أول صرخة استغاثة نُطلقها، فقد صرخنا مرات عديدة خلال أيام قليلة جداً، وكنْ على علم أنك إذا لم تنهض وتشمّر عن ساعد الجد والمسؤولية الآن، فستكون هذه آخر صرخة استغاثة أوجّهها إليك، وسأكفر بالدولة وخطاباتها كفري بمسيلمة الكذاب وقرآنه، وسأعتبر أنني في غابة البقاء فيها للأقوى، وبالتالي سأدافع عن نفسي بوسائلي الخاصة مهما كان الثمن، فإن نجوتُ من طبش اللصوص فهذا ما أرجوه وأسعى إليه، وإن متُّ فعزائي قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ، أَوْ دُونَ دَمِهِ، أَوْ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ".

 

السيد الرئيس، لَعَلِّي أطَلْتُ عليكم ولكن الأمل جلل، في جعبتي الكثير من الحروف التي أودّ البوح بها بيد أن المقام لا يتسع لها كاملة، وهذه صرختي أظن أنها واضحة مسموعة (وااااغزواني)، وأتمنى أن تصلك فتدفعك نحو مقاربة أمنية حقيقة واقعية تحمي الوطن وتُؤمّن المواطن فعلاً، لا مقاربة أمنية على الورق، تَلُوكُها ألسن الوزراء والمُخبرين والمصفّقين، وتستعرضها المؤسسات الإعلامية الحكومية دون جدوى.

 

أيها الرئيس، اسمح لي في الختام أن أقول لكم وبكل وضوح: لقد مللْنا من الخطابات الفارغة، والوعود الكاذبة، والسياسات الفاشلة، وتوريث حكوماتنا للفشل على مختلف المستويات، لا يمكن أن نعيش تحت كابوس الخوف والجوع والفقر والبطالة، لقد آن لنا أن نكون دولة مثل الدول المجاورة على الأقل، هذه فرصة وعليك أن تبذل أقصى جهد لتغيير مسار الدولة الموريتانية، كي يُكتَب لك الخلود وتنجو من مزبلة التاريخ التي رمي فيها عدة رؤساء سبقوه إلى كرسي الرئاسة.

 

والسلام عليكم

مواطنة مفجوعة