على مدار الساعة

للإصلاح كلمة تحاول أن توضح الطريق الوسطي الإسلامي الذي لا شية فيه (1)

24 يونيو, 2021 - 01:34
الأستاذ محمدو بن البار

موضوع كلمة الإصلاح هذه المرة سوف يحمل فوق طاقته لأنه سيحاول أن يميز للإنسان المسلم الطريق الوسطية المستقيمة التي يسلكها، فأما غير المسلم فلا يتعب هذا الموضوع نفسه بإقناعه، لأن الله يقول: {وإن تدعوهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا}.

 

وبناء على ما هو أعلاه فإن من يريد الكلام على الوسطية الدينية، (وكل شيء عند المسلم الوسطي دين) فإن عليه أن يبدأ الكلام أولا عن الله ليذكر الإنسان بما قاله الله عن نفسه في القرآن أو ما قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما من يقول عن الله ولم يكن في هذين الوحيين فيتحول تلقائيا إلى وحي من الشيطان كما أذن الله له بأن يوحي إلى أوليائه يقول تعالى {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون}.

 

أما الكلام عن الله فلا يمكن لغيره استيعاب الكلام عليه ولكن نذكر من إرادة ذاته وصفاته وخصوصياته ومخالفته لغيره كما جاء في القرآن والسنة ما يجعلنا نبين لغيرنا أن أي قول يتصادم بما هو فحوى خطاب الله للبشرية باللغة العربية أو خطاب رسوله بها، فإن صاحبه لا يريد استماع المسلم الوسطي له.

 

وقبل أن نتكلم عن خصوصيات الله – فإني سوف أجعل القارئ الكريم على علم من موضوع كلمة الإصلاح وحمولتها اليوم التي تحاول أن تنقلها من القلب إلى الأوراق ليسمعها من ألقى إليها السمع وهو شهيد.

 

وعليه فبعد أن ننتهي من ما نرجو من الله أن يفتح علي فيه من تبيين خصوصيات الله كما جاء في الوحيين القرآني والسني، فسوف تكون الطريق بعد ذلك سالكة إلى مراد الله من عباده طبقا لما أنزله من فضله على من يشاء من عباده.

 

أما تفضيل موضوع الكتابة في تبيين الوسطية التي جعل الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم يتصفون بها ليكونوا شهداء على الناس كما في الآية، فإنه بعد التفصيل سيتضح أنه عند انتهاء الخلافة الراشدة خرج كثير من المسلمين عن سلوك هذه الطريق الوسطية الإسلامية، وإن كانوا لم يتنازلوا عن اسم الإسلام بل ظن كل من خرج إلى سلوك جانب الطريق بدلا من وسطها يعتقد أنه على الطريق الأقوم، وأنه هو الذي يسلك وسط الطريق وغيره ربما خارج عنها كلا – إلا أن النصوص القرآنية التي تفضل الله علينا بحفظها لنتحاكم عليها ولتكون (بوصلة) لكل من اتبع تعليماتها هو الذي سوف يصل إلى المكان الآمن الذي يقصده المسلم وهو جنة الفردوس بإذن الله حتى يمن الله جل جلاله عليه بقوله له مباشرة: {سلام قولا من رب رحيم}.

 

ولذا، فإن كلمة الإصلاح هذه المرة سوف تكتب على حلقات طلبا لعدم سآمة القارئ ولأهمية التفكر في الموضوع.

 

أما ما يظهر كما قلت من عدم السلوك الوسطي للإسلام بعد الخلافة الراشدة فيمكن أن نجعله في المسميات التالية:

أولا: أصحاب الملل والنحل الذين خاضوا في العقيدة خارج النصوص القرآنية وتبعهم في ذلك أصحاب الطرق الصوفية الذين أحدثوا مسميات طرقهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم ونسبوها لبعض من عباد الله بمعنى أن عبادتهم اكتسبت لها اسما يميزها عن غيرها من الطرق بحيث جعلوا تلقائيا أن كل طريق لا يمكنها عند الجميع أن تسمى الطريق المستقيم، مع أن الطريق المستقيم واحد.

 

ثانيا: جاء أخيرا طريق حوار الحضارات أو تعزيز السلم أو الطريق الابراهيمية إلى آخره، وهذه الطريق سلكت جانبا من الطريق المستقيم ولكنها تجنبت الطريق المستقيم ذات الشوكة ولم تذكر عنها شيئا تقريبا، واختارت غيرها لتقدم به الإسلام إلى غير المسلمين ولكن الله يقول: {ولا تخافوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}.

 

ثالثا: الطريق التي سلكها السلفيون الذين يسمون أنفسهم بالمجاهدين وهي عكس الطريق أعلاه، فهذه الطريق سلكت ذات الشوكة ولكنها سلكتها بدون معالمها، فاختارت هي معالم لهذه الطريق أخرجتها عن سلوك الطريق المستقيم، فلو رجعت إلى القرآن في الجهاد لغيرت سلوكها إلى الجهاد المقبول عند الله، والذي لا يكون قطعا ضد المسلمين ولا المعاهدين.

 

رابعا: الطريق المدنية وهي طريق أحدثها بعض الأحزاب الإسلامية لاعتقادهم أن باستطاعتهم أن يحدثوا باجتهادهم طريقا جعلوا عنوانها المقاصد الشرعية، فأحلوا لأنفسهم تعديل عمل كل النصوص في القرآن ولو غير قابلة للتعديل لقبول الغير لهم وقبولهم للغير، ظنا منهم أن الإسلام أي طريق توصل إليه فهي طريق صالحة لتذلل لذلك، والله يقول: {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا}.

 

هذه مجرد عناوين لموضوع مقالات كلمة الإصلاح المستقبلية وسوف أعود بإذن الله إلى هذه الفقرات أعلاه لنبين فيها ما أراني الله في الموضوع طبعا لا أقول لاستقراء القرآن لأن استقراء آية واحدة منه لا طاقة لأي إنسان بها، ولكن أقول أن الله أعطانا نحن أفراد المسلمين استقلال المسؤولية عن كل ما أعطاه الله من الفهم القرآني أو السني إذا بذل الوسع في فهم مراد الله من وحيه المنزل على عباده ليبين للناس ما نزل إليهم، وليبين المتلقي فهمه كذلك للنصوص لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.

 

فآخر تبليغ من الرسول للبشرية ما نزل إليهم أتبعها بقوله: (ألا فليلغ الشاهد الغائب)، ومن هنا انفتح باب التكليف بالتبليغ لكل من خوله الله القدر المستطاع من ذلك.

 

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإني أعرف أن إثارة هذه العناوين سوف تكون إثارة للكثير من المشاعر ولا سيما إذا اطلعوا أن كاتبها لا يحسده عليها الأمي الذي لا يكاد يفقه قولا، ومع ذلك فإن العناوين بعضها وراءه من وراءه من العلماء الأجلاء الذين لا يرى منتهى رسوخ قدمهم في العلم على كل اتجاه، فكل واحد هو البحر الغطمطم فيما يعتقد بحجته وتأويله ودلالته إلى آخره، ولكن أقول للجميع إن حروفا مكتوبة تحت كلمة الإصلاح لا تغير من الواقع المقطوع به عندهم شيئا، فنحن تعلمنا من القرآن أن خطابه لا يميز بين العالم والجاهل في التكليف بتبليغ المفهوم للخطاب حسب فهمه، فالله مدح إسماعيل بأنه كان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا، أي بذلك مرضيا عند ربه، فنحن نرجو أن يرضى ربنا بتبليغ ما أعطانا الله من الفهم للنصوص التي سوف لا نزيد كلمة واحدة غير ما قاله الله ورسوله، ولكن بالمقابل أعطانا الله فهم ألا نقدم على الله ولا على رسوله كلام أي كان ولا استنتاجاته لعلمنا أن هذه الدنيا جعلها الله مساحة للحرية المطلقة في التفكير والفعل ولكن لا ضرر ولا أجر يظهر فيها على حسن الاعتقاد ولا علي سوئه، فالجزاء والعقاب ليسا هنا بخلاف يوم القيامة فإن العلماء الأجلاء عند أهل الدنيا بل كل ما هو معظم عندهم سيكون في صف واحد أمام الله كما قال تعالى: {وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة}، وفي نفس الوقت  العلماء والجهال وكل من كان يكبر في صدر أي أحد سيكون حاملا في عنقه كتابه ليقرأه أمام الناس ولم تبق صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، {ووجدوا ما عملوا حاضر ولا يظلم ربك أحدا}.

 

ومن هنا وبدءا بالحلقة الثانية القادمة إن شاء الله سوف نكتب عن ما طويته في شبه المقدمة هذه بدءا بذكر خصوصيات الله التي لا يختلف فيها مسلمان مهما كانت الطريقة المسلوكة عندهم وآمل من الله كما أحسن المقصد في قلبي أن يحسن التعبير عنه إنه هو الرؤوف الرحيم.