تناول بعض رواد هذا الفضاء بالكثير من السلبية مشروع قانون حماية الرموز الوطنية وتجريم المساس بهيبة الدولة وشرف المواطن، وبودي هنا أن أشير إلى مجموعة نقاط:
أولا: تحويل النقاش وحصره في شخص رئيس الجمهورية واعتبار أن القانون جاء لتقدسيه مجانب للصواب جملة وتفصيلا.
فالدستور الموريتاني بوصفه أهم وثيقة تحكم الدولة أعطى الرئيس مكانته فهو القائد العام للقوات المسلحة ورئيس المجلس الأعلى للقضاء وهو الضامن لاحترام الدستور وسير مؤسسات الدولة وليس بحاجة لقدسية ولا مكانة أكثر من ذلك.
ثانيا: النص على رئيس الجمهورية ضمن الرموز الوطنية ليس جرما ولا منقصة ولا تراجعا في الحريات، إنما تكريس لأهمية مؤسسة الرئاسة في نظام الحكم لبلدنا لا يعني ذلك سمو الرئيس عن النقد في سياساته العمومية وبرامجه الاقتصادية وخططه ومواقفه.
وللتذكير غالبية الدول الإفريقية تملك تشريعات تحمي مقام رئيس الجمهورية من مصر إلى جنوب إفريقيا.
ومعلوم أن التشريع الفرنسي يجرم الإساءة لرئيس الجمهورية، وقد صدر قانون بذلك سنة 1881 واستمر العمل به حتى 2013. ولم يتم الاستغناء عنه إلا بعد أن وُجِدَ أن قانون العدالة الفرنسي يحمي رئيس الجمهورية من التعريض به.
وفي السنغال سنة 2017 تم سجن أربعة مدونين من سنة إلى ثلاث سنوات بتهمة رسم كاركاتير يحمل ازدراء بالرئيس.
ثالثا: يريد بعض مرتادي هذا الفضاء أن يكرسوا القدح والذم في أعراض الناس وحياتهم واتهامهم زورا وبهتانا أسلوبا للنقاش ونمطا للحوار وثقافة للتكسب.
وهو أمر لا بد من مواجهته بكل السبل القانونية وكبح جماح مريديه وهواته . فأعراض الناس وحياتهم الخاصة ملك لهم.
لذلك جاء القانون لمعالجة هذا الأمر وإنزال العقوبات اللازمة بحق مرتكبيه.
رابعا: لا يختلف اثنان أن هناك ثوابت وطنية بمنزلة المقدسات لأهميتها ومكانتها يتعلق الأمر باحترام الوحدة الوطنية لهذا الشعب وتماسكه الاجتماعي وتنوعه الثقافي والعرقي، وأي مساس بهذه الثوابت هو في حد ذاته تعريض لأمن البلد وتمزيق لكيانه لا يمكن تصور ما سيترتب عليه من تداعيات لا قدر الله، وبالتالي فإن مواجهته يجب أن تنطلق من وضع الأطر القانونية الرادعة ليس لمرتكبي الجريمة فحسب بل لمن تسول له نفسه المشاركة فيها. لذلك جاء مشروع القانون ليضع حدا لذلك.
خامسا: تناول مشروع القانون تجريم الزج بالمؤسسة العسكرية وقواة الأمن في السجالات القائمة والتعريض بأهم مؤسسة في البلد بهدف المس بالروح المعنوية للجيش وقوات الأمن وزرع الكراهية في صفوفهم من خلال نشر صور ملفقة ومركبة بهدف الإساءة إليهم و دورهم الجامع لكل الموريتاتيين مهما كان اختلافهم.
ولا شك أن الجميع يدرك حساسية تناول دور المؤسسات الأمنية ليس في بلادنا فقط بل في البلدان ذات التاريخ العريق في الديمقراطية.
أذكر هنا أنه في فرنسا تم في شهر أبريل الماضي 2021 الموافقة على قانون الأمن الشامل الذي يجرم تصوير افراد الشرطة أثناء أداء مهامهم بسوء نية.
سادسا: تناول مشروع القانون الشخصيات العامة و تجريم التعرض لها فيما هو خارج عن تسييرها.
ولم يعد سرا ماباتت تزخر به وسائل التواصل الاجتماعي من حملات التشويه التي تمس الحياة الشخصية للفراد وذواتهم دون حسيب ولا رقيب.
بالمحصلة، يشكل هذا القانون لبنة أساسية في إطار تكريس الديمقراطية و دولة المؤسسات، ونشر ثقافة احترام الرأي الآخر، وهي فرصة لكل القوى الحية لدعمه وتمريره، وقطع الطريق على دعاة الفتنة بائعي الأوطان تجار الحروب.