على مدار الساعة

ترجمة عزيزة لأبي عبد الله الفخار (أحد مشايخ السند القرآني الشنقيطي)

28 يوليو, 2021 - 17:08
د/ محمد المصطفى ولد زين - MSTZEIN@GMAIL.COM

إن دراسة الأسانيد ومعرفة الرجال تكتسي أهمية بالغة لما تمثله من وصل عُرى الأسانيد المعرفية التي هي شريان الحياة العلمية والحضارية الممتد بين طبقات الأمة وأجيالها المتطاولة.

 

وإن من حق هؤلاء الرجال العظماء علينا أن نهتم بمعرفة سيرهم وأن نكشف عن مختلف جوانب حياتهم ونكتشف مدى إسهامهم في إيصال هذه الرسالة الخالدة إلينا.

 

من هذا المدخل وفي إطار تصفحي لعدد كبير من الإجازات القرآنية المنتشرة في بلاد شنقيط والبلاد المغاربية عموما استرعى انتباهي واحد من رجال السند شكل لبسا معضلا للمترجمين وأوقعهم في اضطراب كبير نحاول في هذه النبذة أن نسهم في إلقاء الضوء عليه ونميط اللثام عما التبس من أخباره.

 

ذلك الرجل هو الخامس والعشرون في سندنا لقراءة نافع وهو أبو عبد الله محمد بن عبد الله الفخار شيخ أبي العباس أحمد بن عبد الله بن محمد الفلالي وتلميذ أبي العباس أحمد بن علي الزواوي.

 

لقد كان الشيخ الدنبجه بن معاوية التندغي رحمه الله (1336- 1418هـ) سبّاقا في هذا المضمار حينما ألف كتابه (واضح البرهان في ترجمة أشياخي في القرآن) فترجم فيه لمشايخ سنده وبذل جهودا معتبرة في ذلك، وعندما وصل لهذا الرجل لم يهتدِ في أمره إلى شيء فأتى بترجمة خلطت بين رجلين كلاهما يعرف بالفخار (وتارة بابن الفخار)، وليس أحدهما هو المعنيّ بالترجمة1.

 

ثم جاء من بعده الدكتور جمال ولد الحسن رحمه الله في تحقيقه المحكَم لكتاب "ضالة الأديب" وهو كتاب ألفه سيدي عبد الله بن سيدي محمد بن انبوجه التيشيتي في ترجمة والده المتوفى 1275هـ، وعند استعراضه للسند القرآني للمترجَم والتعريف بأصحابه انتبه إلى هذا الخلط، واعترف بغموض هذه الترجمة قائلا: لم نصل في ترجمة هذا الرجل بعد استفراغ الجهد بحثا إلى نبأ يقين إذ لم نجد في مراجعنا تعريفا به لا لبس فيه، وغالب الظن أنه شخص ثالث ما نزال في طلاب ترجمته الدقيقة2.

 

والواقع أن هذا الرجل على وروده في أغلب الأسانيد المغاربية وخصوصا سند الإمام ابن غازي أستاذ الجميع لا توجد له ترجمة منفردة في المراجع التي وقفنا عليها والتي هي مظِنة للاهتمام به مثل الإحاطة لابن الخطيب، وغاية النهاية لابن الجزري، وفهرسة ابن غازي، والديباج المذهب لابن فرحون، ونيل الابتهاج للتينبكتي، ونفح الطيب للمقري، وشجرة النور لمحمد مخلوف، وسلوة الانفاس للكتاني، وجذوة الاقتباس لابن القاضي، ودرة الحجال له، ونشر المثاني للقادري، وإنما ورد ذكره في هذه المصادر وفي غيرها متفرقا وبتحليات مختلفة وملتبسة أحيانا بالفخاريْن آنفيْ الذكر.

 

وسنتعرف على الإمامين المشار إليهما لنميز بينهما (في مبحث أول)، ثم نسرد ما تجمع لدينا من معلومات عن صاحبنا لنبرزه عنهما، ولنستشف منها ما يمكن من التعرف عليه (في مبحث ثان).

 

المبحث الأول: التعريف بالإمامين:

التبس اسم هذا العلم بعلمين آخرين يشتركان معه في صفة الفخار بالإضافة إلى التقارب الزمني بين الثلاثة، وهما:

 

1. أبو بكر محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن الفخّار الجذامي المالقي، ترجم له محمد مخلوف في فرع الاندلس، وقال عنه لسان الدين ابن الخطيب: أركشي المولد والمنشأ، مالقي الاستيطان، شريشي التدرّب والقراءة، أخذ عن عدد كبير من الأئمة، استوطن مدينة شريش، وقرأ بها، وروى بها عن علمائها، وأقرأ بها، ولمّا استولى العدوّ عليها لحق بالجزيرة الخضراء، فدرّس بها، ثم عبر البحر إلى سبتة، فقرأ بها وروّى، ثم كرّ إلى الأندلس، فقصد غرناطة، وأخذ عن أهلها. ثم استوطن مالقة، وتصدّر للإقراء بها، كان، رحمه الله، مغرى بالتأليف، فألّف نحو الثلاثين تأليفا في فنون مختلفة، ولد 630 هـ وتوفي سنة 723 هـ3.

 

2. أبو عبد الله محمد بن علي بن أحمد الخولاني ويعرف بابن الفخّار وبالْبَيْري (نسبة إلى بَيْرة مدينة بشرق الأندلس)، أخذ عنه لسان الدين ابن الخطيب والإمام الشاطبي وأبو البركات ابن الحاج ومن لا يعد كثرة، قال عنه لسان الدين: وهو أستاذي، قرأت عليه القرآن، وكتابي الجمل والإيضاح، وحضرت عليه دولا من الكتاب، ولازمته مدة، وعاشرته، وتوجّه صحبتي في الرسالة إلى المغرب، وأكثر من وصفه بشيخ الجماعة وبإمام العربية، وأثنى عليه كثيراً المقري في نفح الطيب.، قال ابن الجزري: أخذ عنه القراءات شيخنا أبو جعفر أحمد بن يوسف بن مالك الغرناطي، توفي سنة 754 هـ على الأرجح وقيل في التي قبلها4.

 

وهذا التقارب الواقع بين هذين العلمين هو نفسه الذي جعل الدكتور إحسان عباس في تحقيقه لكتاب نفح الطيب يخلط بينهما فيعلق على ترجمة الثاني بمعلومات الأول بقوله: (ترجمة ابن الفخار في الإحاطة (الورقة: 27) إلا أن كنيته فيها "أبو بكر"؛ وبغية الوعاة وغاية النهاية وكانت وفاته سنة 723 هـ)5.

 

المبحث الثاني: المعلومات المتوفرة عن المترجَم

سنتعرض في هذا المبحث لما تجمع لدينا من معلومات عن المترجم حسب النقاط التالية:

 

1. التسمية والنسبة:

يحسن بنا أن نستعرض بعض الاختلافات الواردة في الأسانيد والمراجع في اسم هذا الرجل وكنيته واسم أبيه ونسبته فقد ورد تارة مطولا وحينا مختصرا كما يلي:

- أبو عبد الله محمد الإمام السماني المدعو بالفخار الفاسي

- أبو عبد الله محمد بن عبد الله السماني الشهير بالفخار

- أبو عبد الله الفخاري

- أبو عبد الله محمد بن الفخار السماني6

- أبو عبد الله الفخار السماتي

- أبو عبد الله محمد بن عبد الله السماتي الشهير بالفخار7

- أبو عبد الله محمد السماتي شهر الفخار

- أبو عبد الله الفخار السماتي 8

- أبو عبد الله محمد الفخار (في سنديْ الشيخ ماء العينين والمقرئ صداف بن محمد البشير المسومي)

- أبو عبد الله الفخاري (في سند شيخنا زيدان بن الدمين)

- أبو عبد الله محمد بن الفخار السماني (في سند شيخنا الشيخ بن الشيخ أحمد)

- السماتي فقط (في سند ابن انبوجه المتقدم).

 

نخرج من هذه التسميات والنسب كلها بأن المراجع مما وقفنا عليه تتفق حين تورد اسمه مطولا على أربعة عناصر: كنيته واسمه واسم أبيه ونسبته (أبو عبد الله محمد بن عبد الله الفخار)، ولم تختلف إلا في الجمع بين شهرتي الفخار والسماتي أو الاكتفاء بإحداهما أو إضافة "ابن" قبل الفخار أو ياء نسب بعده نادرا، علاوة على ورود نسبة الفاسي وهي إشارة مهمة كما سنرى.

 

أما زيادة "ابن" قبل الفخار أو ياء للنسب بعده فهي واردة ولا تطرح كبير إشكال لما هو مألوف من اختلاف النساخ في مثل هذه الأحرف نتيجة لعدم وضوح خط الأصل او تشابه حروفه أو تقاربها، ومن الوارد كذلك كون الفخار اسما للعائلة مما يرفع هذا الإشكال.

 

يبقى أن نرجح ما إذا كانت نسبة "السماىي" بالنون أم بالتاء، ونحن نعتقد أنها بالتاء استنادا إلى أمرين:

- أننا لم نعثر في الحقبة الزمنية وفي المنطقة اللتين عاش فيهما المترجَم على من يُحلى بسمة السماني من مشايخ القراء.

- ورود نسبته بالتاء في فهارس المحققين من أهل الفن كما في ثبت الوادي آشي، وفهرسة ابن غازي في موضعين، وابن غازي يتميز إضافة إلى علو منزلته في التحقيق بأن الرجل شيخه بواسطة واحدة وبواسطتين كما سياتي. 

 

والسُّمَاتي – على هذا - نسبة إلى سماتة وهي بطن من نفزة وهي قبيلة من البربر 9.

 

وهي إحدى قبائل الشمال المغربي، "تنحصر أراضيها الجبلية بين مجرى وادي المخازن شمالا، حيث تمتد أراضي بني عروس، وتنتهي غربا عند جبل بني كرفط، وجنوبا بقبيلتي آل سريف وبني يسف"10.

 

إن سمة السماتي هذه كانت من الفوارق التي أنقذت صاحبنا من الالتباس بالرجلين المذكورين قبل فمن بين التحليات التي تتردد لهما في المراجع (الجذامي – المالقي - الأركشي للأول، والخولاني - البيري للثاني) لم تطلق على أحدهما نسبة السماتي.

 

كما أن تميزه عنهما في الاسم الثلاثي سمة أخرى ظاهرة للعيان فقد فارق الأول منهما في الكنية واسم الأب (أبو بكر محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن علي)، وفارق الثاني في اسم الأب (أبو عبد الله محمد بن علي بن أحمد).

 

نضيف إلى ذلك أن مترجمي الرجلين الاندلسييْن استفاضوا كثيرا في تعداد مشايخهما سماعا ودراسة وإجازة فقد عد ابن الخطيب للفخار الجذامي 27 شيخا ومع ذلك لم يذكر أحد منهم تلمذة لهما على أبي العباس الزواوي مع توفر دواعي ذلك لما يتمتع به المشايخ الثلاثة من شهرة واتساع وطول باع، فقد أخذ الشيخ الدنبجه رحمه الله اسم الفخار وصاغ له ترجمة أغلبها راجع إلى الفخار الأخير ثم قال: "أخذ عن أبي العباس الزواوي كما في الأوراق الإجازية لأهل موريتانيا"، أقول: نعم الفخار الفاسي أخذ عن الزواوي بخلاف الفخارين الاندلسيين.

 

2. موطنه ومشايخه

لا توفر المصادر المتاحة كثيرا من التفصيل عن مشايخ الإمام الفخار، ولا شك أن ذلك غير عائد إلى عدم احتكاكه بالعلماء وسعيه في الطلب، ومع ذلك وبعد البحث عثرنا على تراجم ثلاثة من مشايخه متناثرة أثناء الحديث عن تلامذتهم أو في فهارس وأثبات الأسانيد، ونحن لا نشك أنهم أكثر من ذلك بكثير، فالرجل "له رواية للقراءات عن جملة من الشيوخ 11"، وهذه نُبَذ عن هؤلاء المشايخ:

 

الأول: أبو العباس أحمد بن علي الزواوي

قال عنه ابن خلدون في تاريخه: إمام المقرئين بالمغرب، قرأت عليه القرآن العظيم بالجمع الكبير بين القراءات السبع، من طريق أبي عمرو الداني وابن شريح لم أكملها، وسمعت عليه عدّة كتب، وأجازني بالإجازة العامّة.

 

له تصانيف في علم القراءات نظما ونثرا وله نوادر حسنة فاق بها أقرانه توفي في غرق أسطول أبي الحسن المريني سنة 749 هـ12.

 

ويصفه المترجمون بأنه أستاذ مَدِينَة فاس كما في ثبت أبي جعفرالبلوي (ص: 466) وفهرسة ابن غازي (ص 37).

 

الثاني: أبو عبد الله محمد بن عمر اللخمي (703-794هـ)

 

هو الشيخ المقرئ المحدث المعمر ملحق الأحفاد بالأجداد أبو عبد الله محمد بن عمر اللخمي الفاسي شيخ الجماعة بها، صهر الفقيه أبي الحسن الصغير.

 

انفرد بعلوم الرواية في المغرب وجلس للإقراء بفاس مواظبا عليه، أخذ عن أبي الحسن بن سليمان القرطبي وابن عبد الرزاق، وعنه خلق كثير منهم أبو زيد الجادري وأبو الحسن الوهري وأبو وكيل مولى الفخار الآتي ومولاه أبو عبد الله الفخار.

 

يصفه ابن الجزري بأنه شيخ فاس ومقرئها13.

 

الثالث: الفقيه المتفنن أبو عبد الله محمد بن عبد الكريم بن عبد الصادق بن يعقوب الأنصاري 14، لم نجد عنه أكثر من هذا.

 

ونستطيع أن نستخلص بسهولة من تراجم شيوخ الرجل على قلة ما وصلنا منها نتيجة حاسمة في تمييز هوية الرجل أولا وانتمائه الجغرافي ثانيا لنتأكد أنه كان من أئمة العدوة الدنيا من المغرب وتحديدا من مدرسة فاس وأحوازها – على خلاف الفخارين الآخرين الذين ينتميان لمدرسة الأندلس كما مر بنا – وذك اعتمادا على أن شيخيه الزواوي واللخمي هما شيخان متأصلان في هذه المدينة أخذا وعطاء بل أطلق على كليهما "شيخ الجماعة بها" وهو لقب لا يستحقه إلا من اشترك في الأخذ عنه آباء البلدة وأبناؤها.

 

ولعل هذا ما جعل الدكتور عبد الهادي حميتو يطمئن في أثناء حديثه عنه إلى أن يصفه بأنه "من مشيخة فاس الآخذين عن أبي عبد الله اللخمي"، وبأنه "فاسي الدار والقرار15".

 

3. تلامذته

يذكر المترجمون وأصحاب الفهارس – عرضا - جملة من الآخذين عن أبي عبد الله الفخار نذكر منهم هؤلاء الأربعة:

 

الأول: أبو وكيل ميمون بن مساعد المصمودي، فقيه أستاذ محقق ذائع الصيت في علم القراءات والرسم له تآليف قيمة منها "تحفة المنافع في مقرأ نافع"، أخذ عن أبي العباس بن حدادة وأبي عبد الله بن عمر اللخمي وعن مولاه أبي عبد الله الفخار واختص به واشتهر بالنسبة إليه فيقال له ميمون الفخار وغلام الفخار، توفي بمجاعة وقعت بفاس مع جماعة من العلماء ماتوا كلهم جوعًا سنة 816 هـ 16.

 

الثاني: أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن المديوني الجادري، بها عرف، الفاسي، علامة محدث ميقاتي ولد سنة 777 أو 776هـ بفاس، وكان بها عدلاً مبرزاً، وولي توقيت جامع القرويين بها، يروي عن الترجالي والبرهان ابن صديق والرئيس ابن الأحمر والمكودي وأبي الحسن ابن الإمام وأبي عبد الله بن الفخار أخذ عنه القراءات السبع، وغيرهم.

 

توفي سنة 818 هـ وقيل سنة نيف وأربعين وثمانمائة، ودفن داخل باب الفتوح بفاس 17.

 

الثالث: أبو الحسن على بن محمَّد بن على، المدعو منون الحسنى المكناسى، محدث مفسر، فقيه علامة، فرضى موثق مقرئ مجود، ذو فكاهة ودعابة ولطف، كان ببلده مكناسة صدرا متصدرا للإقراء والتدريس، وبث العلوم على اختلاف فنونها في صدور الرجال.

 

أدرك أبا الحسن على بن عمر، وأبا حفص الرجراجى، وأبا مهدى بن علال، وأبا يعقوب يوسف بن منحوت، وأبا زيد الجادرى، وأبا وكيل ميمون، وأبا عبد الله الفخار السماتى.

 

أخذ عنه إمام مكناسة أبو عبد الله بن غازى العثمانى، وجماعة، قال تلميذه ابن غازى في فهرسته وغيرها: استفدت منه كثيرا وحدثني بقراءة نافع عن أبي عبد الله الفخار وهذا سند عال ساويت فيه شيخ شيخنا أبي عبد الله الصغير ولله الحمد.

 

ولد سنة 790 وتوفي بمكناس سنة 854 كما يقول ابن زيدان السجلماسي أو بعد السبعين والثمانمائة كما يرى ابن غازي وضريحه مزارة شهيرة18.

 

الرابع: أبو العباس أحمد بن عبد اللَّه بن أبي موسى بن محمد الفيلالي.

الأستاذ النحوي، أخذ عنه الأستاذ أبو عبد اللَّه الصغير وغيره، أكثر ابن غازي من النقل عنه في تعليقه على ألفيته، وسماه شيخ شيوخنا، قال الشيخ أحمد بابا لم أقف على ترجمته.

 

قال الشيخ أبو الحسن الصغير في إجازته: قرأت عليه القرآن العزيز بالقراءات السبع من فاتحته إلى قوله تعالى {ولقد آتينا إبراهيم رشده}، حدثني بذلك عن الشيخ الفقيه أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن السماتي الشهير بالفخار19.

 

أقول: وهذا الإسناد هو الموجود في أوراق الإجازات عندنا، وترجمته عزيزة مثل شيخه لم نعثر له على تاريخ مولد ولا وفاة.

 

4. مكانته بين الشيوخ:

 رغم صمت المصادر المتخصصة عن تفصيل حياة الرجل وعدم إعطائه ترجمة مستقلة تليق به فلا جدال في أنه كان عظيم الأثر متقبل الأسانيد في الحياة العلمية في عصره وبعده، ومن تتبع جملة الأسانيد القرآنية المغاربية يجد معظمها يدور حوله عن طريق تلامذته أبي العباس الفلالي وأبي زيد الجادري وأبي وكيل ميمون بن مساعد.

 

فطريق الفلالي هي طريق سند ابن غازي عن أبي عبد الله محمد بن الحسن الشهير بالصغير الفاسي عن أبي العباس أحمد بن عبد الله بن محمد الشهير بالفلالي عن أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الفخار عن أبي العباس أحمد بن علي الزواوي.. إلخ 20، ومنها أسند صاحب شجرة النور قراءة نافع 21، وهو سندنا.

 

أما طرق تلامذته الباقين فهي التي أسند منها عامة من أسندوا القراءات من المتأخرين كالمنجرة وابنه وابن القاضي وأبي عبد الله الرحماني ومن تقدمهم من شيوخ القراءة في المائتين التاسعة والعاشرة إلى أصحاب أبي وكيل كأبي زيد الجادري وأبي الحسن الوهري كلهم من طريق أبي عبد الله الفخار عن ابن عمر عن مشايخه 22.

 

وعن مكانته في علوم القرءان يقول الدكتور حميتو: هو من أساطين رواية ورش قرأ بها على صناجة عصره أبي العباس الزواوي 23.

 

ووصفه الكتاني في ترجمة تلميذه أبي وكيل بقوله: الشيخ الفقيه الأستاذ الأعرف أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم السماتي الشهير بالفخار24.

 

5. مولده ووفاته:

لسنا بحاجة إلى أن نقول إن المراجع المتوفرة لا تمدنا بتحديد لميلاد المترجم ولا وفاته لذلك فليس أمامنا إلا استغلال المعطيات القليلة المتاحة لنقرر تقريبيا أن الرجل عاش الثلثين الأخيرين من القرن الثامن الهجري وجزءا من القرن التاسع انطلاقا مما يلي:

- كانت وفاة شيخه أبي العباس الزواوي سنة 749هـ أو في التي بعدها، فلا محالة أن المترجَم ولد في العقد الثالث من ذلك القرن على أقرب تقدير ليكون أخذه عن أستاذه في عمر العشرين ونحوه.

- كانت ولادة تلميذه الجادري المذكور سنة 777 أو 776هـ وتلميذه الآخر أبي الحسن منون سنة 790هـ ، وهذا يعطينا نتيجتين قاطعتين: أولاهما أنه كان على قيد الحياة إلى ما بعد هذا التاريخ، وثانيتهما: أن "الفخار" موضوع البحث هو السماتي الذي هو حي يرزق لهذا العهد، وليس "الفخار المالقي" المتوفي 723هـ ولا "الفخار البيري" المتوفى 754هـ.

- أورد الأستاذ محمد المنوني في كتابه: المصادر العربية لتاريخ المغرب إجازة كتبها محمد بن عبد الله الفخار الصماتي لتلميذه أبي سالم إبراهيم بن أبي الفرج بن علي الشريف العباسي مؤرخة عام 803هـ، وذكر أنها أول إجازة باقية وأن أصلها معروض في قسم المستندات بالخزانة العامة كإحدى ذخائر التراث 25، ما يعني أن صاحبنا كان حيا إلى هذا العهد.

 

ولسنا نرى كبير إشكال في كتابة الصماتي هنا بالصاد بدل السين استنادا إلى أمرين:

- أولهما تعاقب الحرفين في هذه النسبة في كتب التراجم عندما تطلق على من يحملونها مثل محمد بن أبي جمعه الصماتي الهبطي صاحب الوقف الشهير المتوفى 930هـ.

- وثانيهما: تأكيد الدكتور محمد المختار ولد اباه في هوامش كتابه تاريخ القراءات في المشرق والمغرب أن هذه الإجازة صادرة عن الشيخ الفخار المقصود، وذلك أثناء استعراضه لأسانيد القراءات المغاربية، حيث قال: لم نقف على تاريخ وفاته والظاهر أنه كان حيا سنة 804 هـ 26.

 

ختاما، نعتقد أن هذه المعطيات الشحيحة عند جمعها واستنطاقها قد مكنتنا من التعرف على هوية صاحبنا واستخراج حدود زمنية ومكانية ولو تقريبا لمدة حياته ومجاله الجغرافي وموقعه المعرفي وامتداده العلمي وهو ما نأمل أن يكون باعثا للمختصين لتجلية الصورة بشكل أشمل وأوضح.

 

والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان

 

المراجع:

1- واضح البرهان في ترجمة أشياخي في القرآن، محقق برسالة تخرج من المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية للطالب زين العابدين ولد المصطفى 2002-2003 - ص 27

2- ضالة الأديب، ترجمة وديوان سيدي محمد بن انبوجه، منشورات الإيسيسكو 1996 – ص 100

3- لسان الدين ابن الخطيب، الإحاطة في أخبار غرناطة، نشر دار الكتب العلمية، بيروت الطبعة: الأولى، 1424هـ 3/64، ومحمد مخلوف، شجرة النور الزكية في طبقات المالكية الناشر: دار الكتب العلمية، لبنان، الطبعة: الأولى، 1424 هـ - 2003 م - 1/305، السيوطي، بغية الوعاةنشر المكتبة العصرية - لبنان / صيدا د ت 1/187

4- الإحاطة 3/22، شجرة النور الزكية 1/329، المقري، نفح الطيب- نشر دار صادر- بيروتلبنان، الطبعة الاولى 1997- 5/355، ابن الجزري، غاية النهاية في طبقات القراء- نشر مكتبة ابن تيمية- د ت 2/200، بغية الوعاة 2/174.

5- نفح الطيب م س 5/ 355

6- عرض هذه البطاقات الأربع الدكتور سيدي محمد ولد عبد الله في كتابه السند القرآنيدراسة وتأصيل، السند الشنقيطي نموذجا، ص 162- ط دار الكتب العلمية، منشور بعض صفحاته على الرابط:

https://books.google.com/books?id=S8BKDwAAQBAJ&pg=PA3&hl=fr&source=gbs_toc_r&cad=4#v=onepage&q&f=false

7- هرس ابن غازي، نشر دار بوسلامة للطباعة والنشر والتوزيعتونس ص 31-33

8- ثبت أبي جعفر أحمد بن علي البلوي الوادي آشي، نشر دار الغرب الاسلامي - بيروت/ لبنان - الطبعة الأولى، 1403هـ ص 311-463

9- تبصير المنتبه لابن حجر العسقلاني، المكتبة العلمية، بيروت - لبنان 2/747

10- معلمة المغرب، تأليف الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر 5/ 5106

11- د. عبد الهادي حميتو، قراءة نافع عند المغاربة من رواية أبي سعيد ورش- منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب- ج3 ص 489

12- تاريخ ابن خلدون( 7/513) و درة الحجال لابن القاضي 1/94

13- غاية النهاية (1/ 544)

14- د عبد الهادي حميتو، م س 3/544

15- د. حميتو ، م س، ج3 ص 543

16- التنبكتي، نيل الابتهاج، طبع دار الكاتب، طرابلسليبيا- الطبعة: الثانية، 2000 م (ص: 614) والكتاني ، سلوة الانفاس، نشر الموسوعة الكتانية لتاريخ فاس، د ت (2/2-3) وسعيد أعراب، القراء والقراءات في المغرب، نشر دار الغرب الإسلاميط 1 سنة 1990 (ص 32).

17- لكتاني، فهرس الفهارس، ط دار الغرب الإسلاميبيروت، الطبعة: 2 سنة 1982 (1/295) وابن القاضي، درة الحجال، نشر المكتبة العتيقةتونس د ت (3/87 ) وسعيد أعراب م س (ص 54)

18- ابن غازي م س (ص 80-81) وابن زيدان، إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس، ط مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة - الطبعة: الأولى، 1429 هـ (5/ 528).

19- التنبكتي، نيل الابتهاج، ص: 116 ود.حميتو، المرجع السابق 4/22

20- ابن غازي م س ص 37)،

21- مخلوف، شجرة النور الزكية- ط دار الكتب العلمية، لبنان الطبعةالأولى، 1424 هـ - 2003 م - ص 461.

22- د.عبد الهادي حميتو 3/490.

23- نفس المصدر ص 543

24- الكتاني، سلوة الانفاس 2/2-3 ، وفي سند آخر للشيخ صداف المتقدم (أبو عبد الله محمد بن إبراهيم السماني الشهير بالفخار) وواضح أن هذا اختصار لسلسلة أجداده.

25- محمد المنوني - المصادر العربية لتاريخ المغرب من الفتح الإسلامي إلى نهاية العصر الحديث، نشر مؤسسة بنشرة للطباعة والنشر، الدار البيضاء- 1983، ج 1 ص 124.

26- محمد المختار ولد اباه، تاريخ القراءات في المشرق والمغرب ، طبع الإيسيسكو 2001، ص 527.