على مدار الساعة

التنمية الحيوانية... كيف نضمن هذه المرة عدم تكرار نفس الأخطاء؟

31 يوليو, 2021 - 02:24
المهندس: الهببة سيد الخير

تملك موريتانيا ميزة نسبية في الإنتاج الحيواني، وقد ظلت لفترة ضمن الدول التي تملك أعلى نسب امتلاك للفرد من الماشية على مستوي العالم، وبعد عقود من جهود تطوير القطاع ما زالت البلاد تتربع على عرش استيراد منتجات الألبان، إلا أنها مع ذلك تعد من أكبر مستوردي الألبان نسبة إلى عدد سكانها، كما أنها عاجزة تماما عن تثمين بقية المشتقات الأخرى.

 

لا شك أن تنمية القطاع تدخل في أولويات صُناع القرار، نظرا لانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والسياسية، وتجلى ذلك في التحولات المؤسسية، والإعلان مؤخرا عن إنشاء مؤسسات هيكلية يراد لها أن تكون قاطرة القطاع صوب الاكتفاء الذاتي ودمجه في الدورة الاقتصادية عن طريق تثمين فعال لمنتجاته.

 

إن التنمية الاقتصادية في بلادنا، لا يمكن أن تتحقق دون الاهتمام والعناية بهذا القطاع، هذا ما يقوله التاريخ، وتنبئنا به الجغرافيا، وتؤكده السوسيولوجيا، وتنطق به الأرقام، ولا شك أن السلطات العمومية اليوم تعي كل هذه الحقائق، لكن هل ستستطيع تحيق ما عجزت عنه محاولات أخرى سابقة؟

 

خلال العقد الماضي تم إنشاء وزارة وصية مستقلة تعني بالقطاع في مستهل عهدة انتخابية، وفي ظل ازدهار مماثل للحوض المنجمي، وقد تم إطلاق مشاريع هيكلية، كمصنع ألبان النعمة، ومشروع التحسين الوراثي، وبرنامج التدخل السريع، وإنتاج الأعلاف في نبيكة لحواش، وتم رصد مئات ملايين الدولارات لتلك المشاريع، وأعتقد أن من يريد تطوير القطاع اليوم يحتاج لتقييم تلك التجربة لتعزيز المكتسبات وتجنب الوقوع في نفس الأخطاء.

 

لقد حذرت في مقالات سابق منشورة، وفي الوقت الحقيقي، مما بدا لي كأخطاء جسيمة ستقع لا محالة، وسينجم عنها هدر للموارد العمومية في مشاريع مرتجلة تفتقر لكل فرص النجاح، وتملك كل أسباب الفشل، واليوم وبعد سنوات من بدء تلك المشاريع، أعترف بفشلي الذريع في توقع مآلات الأمور، صحيح أنى كنت أعرف أن المشاريع ستفشل لكني لم أتوقع أنها ستصبح كالجرح النازف، وستبتلع ميزانيات قطاعية لسنوات، بل ستوجه مشاريع تنموية أخرى إليها لتلقى نفس المصير.

 

نجحت تلك المشاريع في أمر واحد وهو تحقيق أرقام قياسية عالمية حسب اعتقادي، فكلفة إنتاج لتر من الحلب في مصنع ألبان النعمة هي الأعلى عالميا، فبناء المصنع كلف ستة عشر مليون دولار بالإضافة للميزانية المرصودة وتكاليف تدخل المشاريع الأخرى، بينما لم يستطع المصنع إنتاج ثلث طاقته الإنتاجية في أفضل المواسم، كما أن تكلفة تلقيح بقرة واحدة اليوم تتجاوز عشرة أضعاف سعرها مع أن النتائج المتحصل هزيلة، وترقى للجهد العبثي، أما كلفة إنتاج كيلوغرام من العلف في انبيكة لحواش فستحطم كل أرقام المستقبل.

 

دروس وعبر لتجنب تكرار نفس الأخطاء:

- بالرغم من عدم وجود إحصاءات موثوقة إلا أنه يمكن الاستئناس بالأرقام التالية:

يقدر إنتاج مراعينا الطبيعية بـ3.9 مليار وحدة علفية يصلح منها للاستغلال 1.7 مليار فقط، وتقدر قيمتها الاقتصادية بـ30 مليار أوقية جديدة، بينما لا تقدر قيمتها البيئية بثمن، أما إنتاجنا من الأعلاف المزروعة بما في ذلك مخلفات المحاصيل غير العلفية فتقدر 3 بالمائة فقط من المراعي الطبيعية القابلة للاستغلال، وبالمقابل تقدر قطعاننا بأربعة ملايين وحدة حيوان مدارية، و تحتاج إلى 2.4 مليار وحدة علفية، مما يعني أن هنالك عجزا متوسطا فيي الميزان الرعوي يقدر بـ600 مليون وحدة علفية سنويا، يتضح من خلال الأرقام السابقة أن تقليص فجوة العجز يكون بتطوير زراعة الأعلاف وزيادة نسبة استغلال المراعي بحفظها وتسهيل الولوج إليها وذلك بحفر الآبار الرعوية.

 

- تشجيع إقامة حوض لزراعة الأعلاف خصوصا في فم لكليتة.

- تشجيع إقامة وحدات لكبس ونقل الأعلاف لتقليل كلفة نقلها.

- البدء بانتخاب سلالتنا المحلية بحيث نستخدم الحيوانات ذات الإنتاج الأعظمي للتهجين مع السلالات الأجنبية ومراجعة برنامج التحسين الوراثي

- تخلي الدولة الكامل عن إدارة العملية الإنتاجية أو على الأقل الاكتفاء بالشراكة مع القطاع الخاص الوطني أو الأجنبي

- تشجيع منتجي الألبان المحليين، وتحمل نسبة من تكلفة إنتاج أي لتبر لبن محلي مصنع.

- بيع مصنع ألبان النعمة للقطاع الخاص أو الدخول في شراكة.

- فرض ضريبة التدهور البيئي على قطعان الأبقار والأغنام لكبار المُلاك، مما سيسمح بتقليل الحمولة الرعوية، وتحسين جودة المراعي، وعودة الغطاء النباتي، الأمر الذي سينعكس إيجابا على بيئتنا، كما ستنتفي الحاجة إلى برامج التدخل وهدر المال العام؛

- توفير الحوافز لكبار الملاك للتحول لنظام التربية التكثيفي والمعتمد على زراعة الأعلاف، مما سيشجع إدخال السلالات الحديثة وزيادة فرصة تثمين الألبان، وغربلة القطاع وضبطه ليتحول من قطاع للتهرب الضريبي وغسيل الأموال إلى قطاع منتج ورافعة حقيقية للنمو.

- وضع المحفزات الضرورية وإجراء دراسات الجدوى الاقتصادية والإنتاجية، لأن العديد من المنميين الحقيقين مستعدون وجاهزون للاستثمار

- التوقف الفوري عن برامج التدخل السريع والبحث عن بدائل أكثر نجاعة

- إطلاق برنامج لتوفير الأملاح والفيتامينات وتعزيز نظافة الحيوان لتقليل اللجوء للأدوية

- تشجيع إقامة مصانع لتثمين كافة المنتجات

 

من الغريب حقا أن نعتقد أن القطاع سيتطور في حين نكرر نفس الأخطاء، ونتبع نفس الأساليب والمقاربات، ونعتمد على نفس المخططين الهواة.