على مدار الساعة

وزير الاقتصاد يكتب: الذكرى الثانية لتنصيب رئيس الجمهورية حصيلة سنتين: النمو الاقتصادي، التحديات والآفاق

2 أغسطس, 2021 - 13:34
أوسمان مامودو كان ـ وزير الشؤون الاقتصادية وترقية القطاعات الإنتاجية

قبل عامين عرف بلدنا تغييراً سياسياً هاماً: رئيس جديد منتخب وبرنامج سياسي واقتصادي واجتماعي جديد أيضا ، مع أسلوب جديد للحكم ،  و بالتالي آمال جديدة، فلا شك أن الوضع الاقتصادي في ذلك الوقت كان يستدعي نظرة جديدة و إعادة ترتيب للأولويات.

 

كذلك كانت هناك أيضا حاجة ماسة لحزمة إصلاحات - في إطار استراتيجية النمو المتسارع  و الرفاه المشترك - أملا في بناء "اقتصاد صاعد  و ذي قدرة على بالصمود".

 

 لقد فتح تنصيب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني آفاقا جديدة للاقتصاد الوطني فتم التركيز على خلق اقتصاد منتج ومتنوع  مع تطوير البنية التحتية الداعمة لنمو وتعزيز المدن المنتجة.

 

و رغم  أن العامين المنصرمين قد تميزا بالأزمة الصحية الحادة التي نجمت عن  جائحة كوفيد 19 والتي لا زالت متواصلة منذ 17 شهرًا  ، بتأثيرها  السلبي على النمو وعلى حياة مواطنينا - كما هو الحال في جميع دول العالم- فانه و بعد بضعة أشهر من ظهور الوباء، كان يقدر أن تراجع أداء النمو سيكون بنسبة 3.2%.

 

و في نهاية العام، كانت التقديرات الأولى تشير إلى تراجع  بنسبة 2.2% فقط ،  وبعد الأشهر الأخيرة ، يبدو أن معدل نمو الاقتصاد الوطني لعام 2020 كان -1.76%. و هذا يعني أن  الإجراءات التي اتخذتها الحكومة اعتبارًا من أبريل 2020، والتي تم تمديدها في سبتمبر الماضي، كان لها تأثير إيجابي كبير على النشاط الاقتصادي. لقد قامت السلطات، على وجه السرعة في إطار برنامج رئيس الجمهورية، بوضع برنامج استثماري طموح بلغ حوالي 10% من الناتج المحلي الخام ، ينفذ على مدى 30 شهرًا بهدف تقديم الدعم للموريتانيين الأكثر تضررا من الوباء، وخلق فرص العمل وتعزيز النمو من خلال تعبئة القطاع الخاص الوطني.

 

و على المديين المتوسط ​​والطويل، اعتمدت موريتانيا بالفعل استراتيجية للنمو المتسارع والرفاه المشترك والتي يتم تنفيذها في انسجام تام مع محاور التنمية الجديدة التي حددها برنامج أولياتي الموسع . و تهدف تلك الإستراتيجية إلى تعزيز النمو والتشغيل وتقليص الفوارق والقضاء على الفقر المدقع وخفض نسبة الفقر العام إلى النصف،  من خلال تسريع التحول الهيكلي للاقتصاد وإصلاح السياسات الاجتماعية. و لهذا الغرض  من الضروري العمل على (1) تنشيط القطاعات التي تتمتع بإمكانيات قوية للتشغيل والنمو مع دمج أفضل للسلاسل القيمية في الزراعة والأنشطة الرعوية وصيد الأسماك؛ (2) مواصلة عصرنة البنية التحتية العمومية؛ (3) تعزيز دور القطاع الخاص من خلال تحسين مناخ الأعمال وتطوير الشراكات بين القطاعين العام والخاص وتحسين نفاذ المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إلى التمويل وتشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

 

و من أجل نمو مستدام يوفر فرص العمل، حدد رئيس الجمهورية في 31 مارس في مدينة تمبدغة سياسة جديدة لتطوير وتثمين التنمية الحيوانية: فبينما سيسهرالمكتب الوطني للبحوث و التنمية الحيوانية إلى الحفاظ على  الثروة الحيوانية كما وكيفا،  ستعمل الموريتانية للمنتجات الحيوانية على إشراك القطاع الخاص في تثمين منتجات التنمية الحيوانية. هذه الرؤية الجديدة ستجعل المنمين أقرب إلى السوق وأدواتها لخلق السلاسل القيمية.

 

وينطبق الشيء نفسه على القطاع الزراعي الذي ظل جامدا لفترة طويلة بسبب غياب رؤية موحدة  تولد الإجماع الضروري لتطوير مساحات واسعة من الأراضي الصالحة للزراعة و المتاحة في البلد. لقد بقي القطاع  لفترة طويلة الحلقة الضعيفة في الاقتصاد الوطني.

 

لقد فتحت الحكومة، بقرارها الصادر في 23 يونيو 2021، آفاقًا جديدة وفريدة لهذا القطاع ،فتعزيز الشراكات المربحة للجميع ، خاصة بين الدولة والسكان المحليين والمستثمرين الخواص هو ما سيسمح للبلد بالخروج من اعتماده الشديد على المنتجات الغذائية وإنهاء الإهمال المفروض على الأراضي التي يحتاجها الاقتصاد للنمو ولخلق فرص العمل. إن الدولة تمتلك، بهذه السياسة الجديدة، إذا ما تم تنفيذها في جو التوافق ، أداة فريدة لتحقيق نمو قوي ومستدام.

ضمن هذه الديناميكية، ينتظر أن يلعب القطاع الخاص دورًا مهمًا كمحرك للنمو وكعامل لتثمين إمكاناتنا و مواردنا الطبيعية ، خاصة في قطاعات الزراعة والتنمية الحيوانية والصيد البحري كما يشكل تطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة واللجوء للشراكة بين القطاعين العام والخاص أحد أسس المقاربة الجديدة لتطوير نسيجنا الاقتصادي.

 

لهذا الغرض، اعتمدت الحكومة في 14 يوليو 2021 آلية وطنية لتنمية ريادة الأعمال تستجيب للمشاكل التي يطرحها رواد الأعمال الموريتانيون الناشئون و ذلك من خلال دعم وكالة ترقية الاستثمار في موريتانيا، و من بين تلك المشاكل : الافتقار إلى رأس المال الذاتي (ومن هنا جاء مشروع إنشاء صندوق الاستثمار)  وغياب الموارد الطويلة (ومن هنا برزت الحاجة للسماح لـ CDD باتباع سياسة ائتمانية جديدة) وغياب الضمانات الملائمة للتمويل المطلوب (ومن هنا جاء قرار تسريع تفعيل صندوق الضمان الوطني والنفاذ إلى أدوات الضمان الدولية للمشغلين الاقتصاديين الموريتانيين).

 

يفتح تفعيل هذه الآلية الوطنيةمزيدا من الآمال في قطاع خاص أكثر ديناميكية، مع مجموعة من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة مندمجة في الاقتصاد الوطني تعمل على تعزيز النمو وخلق فرص العمل.و رغم ما سبق فإن احتياجات الدولة للاستثمار العام أو الخاص تتجاوز المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، و في هذا الإطار تعد الشراكة بين القطاعين العام والخاص مقاربة هامة عليها أن تثبت جدارتها في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.  وهنا تتنزل مراجعة قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص لجعله عمليا أكثر، و كذلك إنشاء مديرية عامة مكرسة لترقية مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص و إثراء مشاريع الشراكة بين القطاعين التي  يجري تحضير الكثير منها  في ظروف جيدة. ومن المقرر أن تشهد سنة 2022 بلوغ العديد من المشاريع المهمة مرحلة النضج فتشييد بنية تحتية جديدة يعتبر أيضًا مصدرا جديدا للنمو.

 

قبل ذلك، ومباشرة بعد تنصيب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، تم تحديد سياسة جديدة لترقية وتسيير إمكانات التعدين الوطنية: إن الهدف من إنشاء معادن و ANARPAM هو  تثمين تلك المقدرات، فالترقية  المنشودة لإمكانياتنا التعدينية الكبيرة هي في صميم هذا الإصلاح،  كما أن حل النزاع الذي وضع  مساهمي تازيازت (TMLSA) في مواجهة الدولة الموريتانية لفترة طويلة ، يساعد على تحرير الاستثمار الخاص في هذا القطاع الحيوي بانسبة للنمو،فهو يتيح على الفور توسيع منجم تازيازت، مع التأثير المتوقع لذلك على النمو والتشغيل.

 

إن الآفاق (الضخمة) التي يوفرها الهيدروجين الأخضر لم يتم تقييمها بالكامل من قبل الرأي العام الوطني. ويجب أن تدمج  من الآن في الآفاق الاقتصادية لبلادنا على المديين المتوسط ​​والطويل. وتتخذ الحكومة تدريجياً الإجراءات اللازمة لتحضير بلادنا لهذه التحولات ، وتعمل الحكومة على أن تأخذ هذه الشعبة مكانتها اللائقة في النقاش الاقتصادي الوطني.

 

في انتظار ذلك ، يجب العمل على إنجاح  مشروع الغاز الكبير الذي تبدو التوقعات الاقتصادية بشأنه واعدة مع استغلال الحقل البحري السلحفاة الكبيرة آحميم عام 2023. فبالإضافة إلى التأثير المتوقع على ميزانية الدولة واحتياطياتنا من العملات الأجنبية، فإن تطوير هذا المشروع الكبير سيساعد في خلق فرص العمل والنفاذ إلى التعليم والصحة،  كما سيسمح قبل كل شيء بإنتاج طاقة نظيفة وغير مكلفة، وذلك عامل هام  في بناء اقتصاد قوي وتنافسي.

 

هكذا يتضح أن السياسة الجريئة والمستنيرة المتبعة  للإصلاح الاقتصادي خلال العامين الماضيين تسعى أيضا إلى وضع إطار جذاب للاستثمار الخاص من أجل الدفع بالنمو وخلق فرص التشغيل. وفضلا عن ذلك ستواصل الدولة، بصفتها وكيلًا اقتصاديًا، لعب دورها من خلال تنفيذ برنامج أولوياتي الموسع ، و تطوير وتمويل الخطة الخمسية 2021-2025 لتنفيذ استراتيجية النمو المتسارع والرفاه المشترك، من خلال تخفيف عبء الديون وإطلاق مشاريع البنية التحتية اللازمة للنمو (الطاقة والمياه والطرق والتقنيات الرقمية).

 

ويعني ذلك أنه خلال العامين المنقضيين، تم تحرير الطاقات وطمأنة المستثمرين كما تمت ترقية وتثمين الإمكانات الاقتصادية الوطنية بما يتيح النمو المستدام والشامل.