على مدار الساعة

للإصلاح كلمة تهنئ وتبارك لطالبان انتصارها (الحلقة الثانية والأخيرة)

13 سبتمبر, 2021 - 15:17
الأستاذ محمدو بن البار

في الحلقة الأولي كنا قد قدمنا لطالبان ما نملك من عبارات التهنئة لأننا نرى أن أعظم فريضة باقية إلى يوم الدين هي الجهاد في سبيل الله، وفي نفس الوقت نرى أن آخر دولة أو منظمة أو حركة تقوم بهذه الفريضة هي حركة طالبان ولو كان ما قامت به هو الجهاد عن النفس والمال والعرض لأن الدفاع عن ذلك من صلب الجهاد الذي أمر الله به والذي تركته مع الأسف كل أمة إسلامية من عالم اليوم، ولكننا أيضا في تلك الحلقة الأولى تمنينا على الله أن لا يفسد الشيطان على طالبان جهادها الفريد من نوعه في الإسلام.

 

أما نوع فساده الذي نخاف على طالبان منه هو أن يغريهم الشيطان على تشدد في الحكم يكون فساده في الإسلام أكثر من إصلاحه.

 

وأكثر مظاهر ذلك كما يرى الجميع هو قضية نوع سلطتهم وتسلطهم على حياة المرأة التي جعلها الله حرة فيها طبقا للشريعة مثل الرجل، فنقول لهم إن الإسلام قرآن منزل وأحكامه في الرجال والنساء لا تؤخذ إلا منه ولا يعبد إلا بها والله قد أنزله آيات مبينات وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبينه للناس ففعل بأمانة ووضوح.

 

وعليه فإن الله هو رب الرجال ورب النساء على حد سواء ولم يجعل سلطة عامة للرجال على النساء، فإذا قام الرجال بتصور هذه السلطة خوفا من أي انحراف باجتهاد فقط فهم لصوص لم يراعوا حدود الله في كل ما أنزل.

 

فالله عند إرادته لخلق هذا الكون جعل فيه ثنائيات كل واحد منها يكمل المراد بوجود نظيره بدون خلق سلطة لأحد الثنائي على الآخر.

 

فخلق الشمس والقمر فجعل الشمس ضياء والقمر نورا وخلق اليل والنهار فجعل النهار ضياء لتحصيل المعيشة وجعل الليل مظلما للسكني فيه والراحة، وخلق السماء سقفا على الإنسان محفوظا وخلق الأرض فراشا للسكنى عليها.

 

وفي نفس الوقت خلق الذكر والأنثى من جميع ما خلق من الأشياء في هذا الكون ومنه ذكر وأنثى بني آدم يقول تعالى: {ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون}.

 

والمعلوم أن جميع هذه الثنائيات لا يملك بعضها على بعض سلطة من تلقاء نفسه فذلك تماما ينطبق على الرجل والمرأة الآدميين.

 

فمن عاد إلى القرآن المرجع الوحيد للأمة الإسلامية فسيجد فيه أن الرجل والمرأة خلقهما الله لعبادته بالتساوي في العبادة بدون أن يكون لأحدهما عبادة والآخر عبادة أخرى ووعدهم على هذه العبادة بالرحمة لأي منهما عبد الله حق عبادته يقول تعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أونثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}، كما أنه وعد كل واحد منهما بمفرده حتى دون جنسه بالعذاب الأليم عند مخالفة أمره يقول تعالى: {إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحي}.

 

وهذه القاعدة والاستقلال الذاتي المتساوي لكل فرد من الأجناس مجتمعا مع جنسه أو منفردا عنه بينها الله تعالى أحسن تبيين في آياته المحكمة يقول تعالى: {إن المسلمين والمسلمات..} إلى آخر جميع أنواع العبادة وفي الأخير جمع الجميع في الأجر بالتساوي فقال في آخر هذه الآيات {والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة عظيما}، وعندما أفرد كل واحد منهما بالعبادة جاء بها على نوع واحد مشترك بينهما ففي الرجال يقول تعالى: {التائبون العابدون الحامدون السائحون} إلى آخر الآيات ويقول في النساء: {تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا} هنا زاد خصائص النساء ليشمل جميعهم ثيبات وأبكارا، ويلاحظ هنا أن الله عندما أراد للعاقل وهو ابن آدم أن يجعل العلاقات بينهما منظمة غير فوضوية جعلها بعقد موثق بين الرجال والنساء يقول تعالى للرجال ناهيا عن الاعتداء على مهر المرأة: {وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض بعض وأخذنا منكم ميثاقا غليظا}.

 

هذه العلاقة المنظمة جعل الله عليها سورا من النهي والاحتياط والعقوبة الدنيوية والوعيد بالعقوبة الأخروية ساوى فيها بين الرجال والنساء على حد سواء.

 

يقول في الاحتراز والاحتياط: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم} إلى آخر الآية، ويقول {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهم ويحفظن فروجهن} إلى آخر الآية، ويقول في العقوبة: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة}، هنا التساوي تماما وحديث الرجم فيه التساوي كاملا.

 

وعندما نعود إلى اللباس نجد القرآن يقول: {يابني آدم قد انزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوي}، ولكن الحديث بين أن سوأة الرجل إلى ركبته والمرأة جسدها كله ما عدى الوجه والكفين وذلك احتياطا للمرأة في ستر المذكور لئلا يطمع الذي في قلبه مرض في الاعتداء، ولا يجوز لأي كائن من كان أن يأمر بستر ما أذن الله في كشفه أو كشف ما أمر الله بستره، ولكنه أمر من يخاف بغض البصر.

 

أما اكتساب الرزق والعلم فلم يفرق الله بينهما بين الذكر والأنثى فأوجب على الأب لأنه أقل تعرضا لمرض الحمل والنفاس أن ينفق على زوجه وولده وبنته فقط على حد السواء، الولد قبل أن يبلغ والأنثى قبل أن يدخل الزوج بها بشرط فقرهما، وكذلك أوجب على الإبن والبنت إذا كانا أغنياء أن ينفقا على والديهما الفقيرين.

 

وبقي كثير من النساء لم يوجب على أحد نفقتهن مثل الأخت والبنت بعد الطلاق والعمة والخالة إلى آخر من لم تجب نفقته على أي رجل، أيظن جاهل أن الله أمرهن أن يتركن العمل حتى يمتن جوعا، ولم يحدد لهن العمل لا عضليا ولا فكريا أو أي حركة تدر الدخل للمحتاج له.

 

أما طلب العلم ففيه المساواة كاملة {إنما يخشى الله من عباده العلماء}، ومن المعروف أن ذكر اسم الجمع الذكوري المشترك يعم الذكر والأنثى كقوله تعالى: {يا أيها الذين ءامنوا اركعوا واسجدوا} إلى آخر الآية.

 

وبناء على هذه المعلومات أعلاه، فإن هناك سؤالا دائما يطرح على طالبان في شأن المرأة لا سبيل لهم على جوابه إلا بما أمرهم الله في شأنها وإلا فإن جهادهم اختطف الشيطان منهم نتيجته دون أن ينتفع بها، فجميع الأحكام بغير ما أنزل الله فهو حكم بالطاغوب بتزيين الشيطان يقول تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا}.

 

فعلى طالبان إذا كانوا يريدون أن يكون جهادهم لله أن يسووا بين رجالهم ونسائهم في جميع أنواع الحرية طبقا للإسلام وأوامر الله فيه من غير اجتهاد ويتذكروا هنا قوله صلى الله عليه وسلم: (وإني لأتقاكم لله وأخوفكم منه ولكني أفطر وأصوم..) إلى آخر الحديث.

 

فأعظم جرم يفعله المؤمن في حياته قتل أي آدمي من غير أن يكون أمر الله بقتله فقد شاع عن حركة طالبان وكل من يسمون أنفسهم بالجهاديين سرعة قتل النفس بدون أن يتذكروا ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد عندما قتل قرينه بعد أن شهد أن لا إله إلا الله ولم يقبل منه أي عذر، فمن جاء بقتل نفس غير ما أمر الله بقتلها فقد جاء إلى الله بإثم مبين، وفي االحديث أن امرأة دخلت النار في هرة ربطتها لم تطعمها ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض.

 

يقول تعالي لرسوله صلي الله عليه وسلم: {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير}.