على مدار الساعة

فى السياسة و الإعلام وصناعة الرأي العام!..

2 أكتوبر, 2021 - 11:23
د.محمد ولد عابدين: أستاذ جامعي وكاتب صحفي

أروم فى هذه المعالجة تغيير استراتيجيتي فى الكتابة ؛ من خلال العدول - ما أمكننى ذلك - عن المسحة الأكاديمية والشحنة النظرية التى تعود عليها القراء الكرام في بعض إطلالاتى المتواضعة ، وسأحاول هذه المرة أن أتحدث بروح المكاشفة النقدية والملامسة الصريحة للواقع.

 

لامراء فى أن البلد يعيش لحظة فارقة فى تاريخه الوطني المعاصر ؛ تتجسد في بعض تجلياتها عبر مناخ سياسي يطبعه الانسجام والتناغم الرصين، ويميزه الانفتاح والتعاطي الرزين بأسلوب حضاري ومنهج ديمقراطي مع النخب والمواطنين ومختلف الفرقاء والفاعلين فى المشهد الوطني ؛ على تنوع مشاربهم وخلفياتهم السياسية والمجتمعية ، وتعدد تياراتهم ومرجعياتهم الإديولوجية. 

 

وتحتاج هذه المرحلة التى جمعت بين شرعية الإجماع والانتخاب ، وواقعية الإنجاز وقوة الاستقطاب إلى جهاز حكومي تنفيذي ؛ يتمتع بكفاءة عالية يترجم جميع " التعهدات " إلى منجز تنموي ملموس وواقع خدمي محسوس ، كماتحتاج إلى خطاب سياسي مستنير وإعلام مهني قوي ؛ يجسدان وضوح الرؤية وعمق التصور ودقة الاستشراف ، ورصانة المقاربات وحصافة المعالجات ؛ خصوصا أن البلد - قاب قوسين أو أدنى- من تنظيم تشاور وطني شامل ؛ لايغيب أحدا ولايستثنى موضوعا.

 

وثمة علاقة جدلية بين السياسة و الإعلام فى عصرنا الراهن ، فلايمكن تصور عملية سياسية بدون قناة إعلامية موازية لها ؛ فهي الوسيط الاستراتيجي لإيصال الخطاب السياسي إلى الجماهير للتأثير فيها وتشكيل وصناعة الرأي العام المستقبل للآراء والأفكار والبرامج ؛ ممايقتضى فهما عميقا للرهانات المرتبطة بنجاعة استغلال وسائل التواصل والإعلام فى هذه اللحظة المفصلية.

 

فالحزب مطالب باستلهام خطاب المرحلة والتحول إلى مدرسة فكرية للأخلاق والتربية ، وإشاعة قيم الثقافة السياسية وتبنى أجندة واضحة ترقى إلى مستوى التأثير في المواطنين ، وتأطير تفكيرهم وتصوراتهم تجاه القضايا الوطنية المطروحة والمستجدة ؛ بغية تحقيق الأهداف السياسية المرسومة وتشكيل أرضية صلبة لمواكبة السياسات التنموية ومؤازرة العمل الحكومي؛ طبقا لرؤية استشرافية عميقة ومتجددة. 

 

ولابد لتحقيق ذلك من استراتيجية إعلامية واعية ورؤية اتصالية مدروسة ؛ تكرس قيم الديمقراطية والتعددية والمهنية ، وتجسد ثقافة الخدمة العمومية ، وتشكل رافعة حقيقية للتنمية ، ولا يعنى ذلك نزوع وسائل الاعلام العمومية نحو النخبوية ، وفتح منابرها أمام الساسة وقادة الرأي والمسؤولين ، وإغلاقها أمام المواطنين الذين سدت أمامهم نوافذ البرامج التفاعلية التى كانت تشكل متنفسا لطرح همومهم ومشاغلهم ؛ فى الصحة والتعليم والماء والكهرباء...وغيرها من الحاجات التنموية والخدمية. 

 

لقد تحولت بعض وسائل الإعلام العمومي من منبر جماهيري مفتوح إلى مرسل وباث ؛ لايقيم وزنا لأصداء رسالته أو آراء جمهوره ، وترتب على ذلك احتقان شعبي وفقدان للثقة فى الإعلام العمومي ، والاتجاه نحو وسائط  التواصل الاجتماعي ؛ بحثا عن معلومة مغلوطة تارة أوخبر زائف فى كثير من الأحيان. 

 

نحتاج إلى مضامين ومحتويات إعلامية مهنية سليمة من " التخمة الإنتاجية " والموسوعية الوهمية ؛ قادرة على التعبير عن نبض المجتمع  ؛ مساهمة فى صناعة الرأي وتشكيل الوعي؛ منسجمة مع أهداف وأولويات التنمية ؛ مستجيبة لصرح الثوابت والمشتركات الوطنية.

 

ونحتاج إلى مشهد إعلامي وطني بحجم المرحلة ومقاسها ، يعكس قيمها وخطابها ويسوده التناغم والانسجام وعلاقات التكامل والتفاعل ، لاعلاقات الإقصاء والإلغاء!..نحتاج إلى إعلام لا يختلط حابله بنابله ، ولايلتحم عموميه بخصوصيه ، ولايتحول مسموعه إلى " مرئي وورقي " أو يصبح مرئيه " مسموعا ومطبوعا"...انتهى عصر الدعاية السمجة و "لبروبوغاندا " الفجة!..وإنفاق الميزانيات الضخمة فى بنود وهمية وعقود سخية ، لقد أصبح الإعلام صناعة وفنا له قواعده وأصوله وأدواته. 

 

ولعل ممايبعث على الأمل فى المستقبل وجود قامة ثقافية ذات خبرة عميقة وتجربة عالية على رأس هذا القطاع ؛ معالى الوزير المختار ولد داهى الذى أكد فى أكثر من مناسبة عزمه على تمهين الحقل وتصحيح الخلل ، انطلاقا من المدونة التشريعية والرؤية الإصلاحية الجديدة. 

 

إن صناعة الإعلام المؤثر في الرأي العام عملية أكبر وأعمق مما يتصورها البعض ، ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى محتوى إعلامي عميق وقوي ؛ يدعم قضايانا السياسية الكبرى ، ويعضد مسيرتنا التنموية ويعزز لحمتنا الاجتماعية ، بغض النظر عن الوعاء الذى يقدم فيه هذا المحتوى ، فالمصداقية والمهنية والمؤسسية هي العوامل الأساسية في تحقيق فاعلية وقوة تأثير الرسالة الإعلامية.