على مدار الساعة

نحو تسيير شفاف للموارد العمومية..!

9 أكتوبر, 2021 - 00:31
د.محمد ولد عابدين - أستاذ جامعي وكاتب صحفي

طالعت بارتياح - مثل غيرى من المواطنين والمتابعين للشأن العام  - توصية رئيس الجمهورية خلال مجلس الوزراء الأخير، وما تضمنته من تجديد إلزام أعضاء الحكومة بالمتابعة الدقيقة لحيثيات تسيير ميزانيات قطاعاتهم، وميزانيات المؤسسات التابعة لوصايتهم، ولا يساورنى أدنى شك بأن محاربة الفساد خيار استراتيجي فى برنامج الرئيس ومشروعه السياسي والمجتمعي؛ وهو قرار حازم وحاسم ونابع من إرادة صادقة وصارمة.

 

غير أنى فى المقابل على يقين بأنه فى ظل غياب قيم الحكامة الجيدة وحسن التسيير، فلامعنى للحديث عن البناء والتنمية والتعمير؛ لأن معاول الهدم أمضى وأسرع من أدوات البناء، ولاتنمية بدون تسيير مسؤول وشفاف يضمن مصداقية وفعالية ونجاعة أداء المرفق العمومي، ويكفل ترجمة السياسات والاستراتيجيات الحكومية إلى مشاريع وبرامج ميدانية ملموسة؛ تستجيب لأفق انتظار المواطن المتشوف والمتعطش لتلبية حاجاته الخدمية الآنية وتطلعاته التنموية المستقبلية.

 

وفى هذا السياق يتعين فى رأيى انتهاج استراتيجية وقائية استباقية؛ من خلال تفعيل أجهزة الرقابة وتكثيف بعثات التفتيش، فضلا عن ضرورة اتباع مقاربة جديدة فى التعيينات؛ عمادها تكليف الأطر الأكفاء الذين هم "مظنة للإصلاح" وإقصاء أو إعفاء "أصحاب السوابق" فى سوء التسيير ونهب المال العام.

 

إن محاربة الفساد إشكالية بنيوية مركبة ومعقدة؛ لأنها تستدعى مواجهة ظاهرة خطيرة مستحكمة فى عقول وممارسات بعض النخب طيلة عقود وعهود؛ تدرجت مع مرور الزمن فتحولت من طور الاستثناء لتتكرس قاعدة لعمل ممنهج، يستنزف ثروات البلاد وينهب خيرات العباد فى سياق ما بات يعرف باختلاس المال العام، ولعل الأدهى والأغرب فى الأمر أن هذه الممارسة انتقلت من صفة العيب والقدح، لترتدى لبوس المدح، فى بعض الموازين المختلة، فاضطربت المفاهيم والتبست المصطلحات التى ينعت بها أصحابها فى قاموس وأدبيات الخطاب السياسي المحلي، وكأنما غاب عن الأذهان والأفهام أن اختلاس المال العام جريمة قانونية واقتصادية بشعة، ومعضلة اجتماعية وأخلاقية سيئة، مدانة فى كل الشرائع والقوانين والأعراف البشرية، وهي من أخطر الظواهر المعيقة للتنمية.

 

إننا بحاجة ماسة إلى التأسيس لنهج جديد فى الحكامة ، قائم على المساءلة والمحاسبة، والبحث عن الخبرة والكفاءة، والقطيعة مع ممارسات الفساد والزبونية والمحسوبية، والحث الدائم على التسيير العقلاني الراشد للثروات والموارد العمومية؛ الموجهة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية وتحقيق الرفاهية للمواطنين؛ بوصفهم الثروة الحقيقية ووسيلة التنمية وغايتها.

 

ولا بد للوصول إلى ذلك من منطلقات سليمة، تؤسس لقيم أخلاقية جديدة فى الحكم، قوامها سيادة القانون والإنصاف والعدالة والمساواة، وغايتها احترام الحقوق وحماية الحريات، ومنهجها تعزيز وتفعيل آليات الرقابة والمساءلة والمحاسبة لإشاعة قيم النزاهة والشفافية والكفاءة المهنية فى إدارة المصادر البشرية وتسيير الموارد المالية.

 

وحين يتم تفعيل الأجهزة الرقابية وفق الآلية الاستباقية؛ وفى كل القطاعات الحكومية، وتحط مفتشية الدولة رحالها، وتباشر أعمالها؛ فيومئذ ستخرج دوائر الفساد أثقالها وتحدث الناس أخبارها...