على مدار الساعة

كيف نفهم الإسلام (2)

7 نوفمبر, 2021 - 16:02
الأستاذ محمدو بن البار

أود أن أقول أولا قبل الدخول في الموضوع: إن كتابة هذا المقال تحت هذا العنوان ليست موجهة ضد أي شخص ولا أشخاص ولا طريق بل غير موجهة لأي فكر آخر، وإنما هو مجرد امتثال قول النبي صلي الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه)، ولخطورة ونهاية ما سيلقي هذا الإنسان بعد موته وهو إما إلى رحمة أبدية من غفور رحيم، وإما عذاب أليم أبدي لا يمكن الصبر عليه ومع ذلك {وما هم منها بمخرجين}.

 

هذا المصير المحتوم والذي لا ثالث له، وليس بينك معه إلا الموت المحتملة في كل دقيقة يستحيل أن يتأكد الشخص عن مصيره إلى أين؟ {ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيلا} باستثناء الأنبياء بعد خوفهم في الدنيا من هذا المصير الأخير مع طلبهم من الله النجاة منه وباستثناء كذلك الأشخاص المعدودين على الأصابع الذين أخبرهم من لا ينطق عن الهوى أنهم من أهل الجنة.

 

أما جميع بني آدم الآخرون فمحاولة استقراء القرآن وتتبع فحوى كلماته فلا يوجد أي نص ولا دلالته ولا مفهومه بأن أي أحد يستطيع أن يتجرأ ويتيقن مصيره قبل موته وبعدها لا رجوع ولا لقاء لها إلا لقاء الله لتسمع قوله تعالى: {فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون}.

 

فالقرآن سجل لنا في كتابه المحكم كيفية خلقنا وأنها بعد خلق أبينا آدم أصبحنا نخلق من ماء مهين ثم علقة فمدغة وعظاما ثم خلقا آخر ثم نموت ثم نبعث، أما في الدنيا فنولد طفلا ضعيفا ثم شبابا قويا ثم كهلا ضعيفا يخرج فيه الشيب ثم شيخا ذاهبا إلى أرذل العمر ثم الموت، ومع هذا التفصيل يقول تعالي: {ومنكم من يتوفى من قبل}.

 

هذا الإنسان بين له ربه كيفية حياته ثم بين له ما سيلقاه في موته، فأي فكر هذا الذي يقول لا نستطيع تغيير هذه الحياة التي أمامنا، ولكن الحياة الأخروية نقول لكم أن الله سيفعل فيها كذا وكذا.. فيقال له: {اطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا} إلى آخر الجواب من الله.

 

هذا الإنسان أخبره ربه أنه خلقه للعبادة لكن عليه أن يعترف له بخصوصياته فهو المحي المميت الرزاق الغفور الرحيم من غير أي واسطة وأخبره أن عذابه هو العذاب الأليم، فهذه العقيدة الوحيدة لا يجوز تأويلها بغير فحواها فهو مأمور باعتقادها كما هي سواء كانت عقيدة إيمان بما أمرنا الله بالإيمان به مثل الملائكة والرسل وبالقدر خيره وشره، وكذلك فصل لنا الواجبات: الصلاة والصوم والزكاة والحج بشروطها، وهذه الواجبات وضحها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم امتثالا لقوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم}، فوضح لنا نوافل هذه العبادات وجميع ما علينا أن نفعله من الأذكار بالعدد والوقت والأجر بما في ذلك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، بمعنى أن لا توجد أي عبادة تنفع المؤمن إلا وبينها له رسول الله صلي الله عليه وسلم، وقال لنا المولى عز وجل بعد ذلك: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}.

 

ولكن مقابل ذلك يبقى المولى عز وجل هو وحده الذي يعلم ما في الصدور ويقبل ذلك من الإنسان أي إنسان أو لا يقبله (إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا  يلومن إلا نفسه) والأمثلة في القرآن كثيرة يقول علام الغيوب للنبي صلي الله عليه وسلم: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم}.

 

هذه العلاقات التعبدية المشتركة في الدنيا لا تدل بأي من الدلالات على أن أهلها سيلتقي بعضهم ببعض بعد الموت، فالله يقول إن ملائكتنه القابضين للأرواح يذهبون بها إليه جل جلاله: {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون} ويقول دائما: {إلي المصير}، {ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون}.

 

فلا شك أن كل من رضي الله عن عقيدته وعمله كائنا من كان سواء كان يتعبد وحده أو في جماعة أو غير ذلك سيحشره ربه مع الصديقين والشهداء والصالحين الموجودين من كل من آمن بالرسل حق الإيمان وامتثل ما جاءوا به.

 

فهناك آيات تدل على اجتماع القرابة كلها الآباء والأبناء والأزواج بشرط أن يكونوا كلهم صالحون كما قال تعالى بعد ذكر أصحاب الأعمال الصالحة قال: {ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذريتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب} إلى آخر الآيات.

 

فالمعارف الدنيوية والميراث الحاصل من تلك المعارف ليست ميزانا للنجاة يوم القيامة، فكل الأعمال التعبدية المشتركة المأخوذة من غير نص الوحيين إنما هي مودة بين أصحابهم ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض كما في الآية.

 

فكل قول يصدر عن أهل الأعمال غير المأخوذة من الوحيين سواء كانت نظما أو نثرا فاعتقاد أهلها فيها يقول فيه المولى عز وجل {إن هم إلا يظنون}، كما قال تعالى لأهل الكتاب عندما قالوا: {لن تمسنا النار إلا أياما معدودات} قال ردا عليهم {وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون}.

 

فالدين الإسلامي كما أنه لا يستطيع أي أحد الزيادة في فرائضه فذلك لا يستطيع الزيادة في نوافله لا من الأذكار ولا في الصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم ولا في وقت العبادة ولا في شكلها، فما بيننا والنبي صلى الله عليه وسلم من الزمن إلى يوم القيامة لا يحتاج فيه إلى تجديد الدين وعدم الاحتياج هذا مستمر إلى يوم موت كل إنسان في هذه الدنيا.

 

فالمعلوم في التاريخ الإسلامي أنه أثناء وبعد القرون الفاضلة حاول كثير من المتكلمين أن يخلقوا عقائد ليست في الإسلام، وتدخلوا في تفسير كلام الله في ذاته وصفاته وقدرته وإرادته مع أن الله أجمل كل ذلك في قوله تعالى: {ليس كمثله شيء} وتركها ميزانا لهذا النوع من التفكير ولكن أبى الشيطان إلا أن يأتيهم من اليمين أي من جهة الدين حتى اجتهدوا خارج الدين الإسلامي فسماهم المسلمون: الفرق الضالة، ومعلوم أن ضلالهم ليس بترك الفرائض ولا بالكفر البواح ولكن بمحاولة إدخال فكرهم لنوع من الدين ليس مطلوبا في الدين نفسه فاصطدموا بقوله تعالى: {فاستقم كما أمرت ومن تاب ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير}.

 

يتبع بإذن الله