على مدار الساعة

كيف نفهم الإسلام (5) (الصوفية: 1)

30 نوفمبر, 2021 - 21:32
الأستاذ محمدو بن البار

الإسلام الصوفي: هذا العنوان الداخلي أردت به أن أحرك من كل قارئ مسلم رواكد لا شك أنها في قلبه إما بتزكية الصوفية وضرورتها؛ وإما بالملاحظة عليها بالاستغناء عن شكلها داخل الإسلام.

 

وكلا الفريقين يبحث عن ما يرضي الله من سلوك الطريق المستقيم.

 

ويلاحظ القارئ هنا أنني في كتابة العنوان جعلت الإسلام مضافا إلى الصوفي. فمن جهة لارتباط المضاف والمضاف إليه كما يعتقد الصوفي؛ ومن جهة أخرى استقلال المضاف عن غيره  قبل الإضافة في نظر المسلم الآخر.

 

أما سبب الفصل مني أنا؛ فإن جبريل عليه السلام عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام لم يذكر في شرحه له إلا خمسة أركان ليست الصوفية منها إلا تفسيرا كما سيأتي وكأنهم قد أدخلوها في كلمة الاحسان؛ ولهذا الادخال مراجعته كما سيأتي إن شاء الله.

 

وهنا أظن أننا متفقون على أن هذا نوع من عبادة الله طرأ في القرن الثاني الهجري؛ فقد ظهر هذا الاسم تحت قيادة أسماء رجال من المسلمين؛ عرفوا بشكل من العبادة سمي فيما بعد بهذا الاسم؛ ووقع فيه توسع يختلف من صوفية إلى أخرى كل بأشخاص رجال ينعتون بنوع من العبادة بالقول أو الفعل خاص بهم؛ ولكن وصف الصوفية يشمله ذلك التصرف.

 

وبناء على ذلك فأظن أنه علينا أن نبين شيئا اتفق عليه الجميع وهو الحقائق التالية:

 

أولا: أننا لا نعرف عن ما وقع لأي إنسان بعد الموت المحقق وقوعه للجميع وكل من قال أنه يعرف مصير أي أحد بعد موته مهما كان اعتـقاده فبه أو معرفة شيء خاص به فإن هذا الشخص لا يظن إلا ظناــ الذي نص المولى عز وجل أنه لا يغني من الحق شيئا.

 

ثانيا: متفقون أن من مات منا مهما كانت عبادته لا يعود إلينا ليقول لنا ماذا يرضى الله من عمل أهل الدنيا المطلع هو وحده على سرائرهم كلها.

 

ثالثا: متفقون على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذهب إلى الرفيق الأعلى عند وفاته حتى بلغ كل ما أنزل إليه من كل ما يتعلق بالعبادة قولا وفعلا فرضا أو نفلا بما فيه من نوع الأذكار وعددها وجزائها في الآخرة.

 

رابعا: متفقون على أن الرحمة في الآخرة تشتمل على كثير من أنواع ما يطلبه الإنسان في حياته من متاع الدنيا، وأن من دخل الجنة فقد فاز وذلك هو الفوز المبين.

 

ونورد هنا آيات للتذكير به منها قوله تعالى: {يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتـلذ الأعين وأنتم فيها خالدون وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون}

 

ومن هذا الاتفاق أيضا أن عذاب جهنم في الآخرة لا يطاق وأذكر منه نموذجا للتذكير به: {وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب هذا بلاغ للناس}.

 

والظالم والمجرم والفاسق أوصاف يشترك في الوصف بها كل من يقدم إلى الله وهو غير راض عنه؛ وهي أخص من وصف الكفر الذي لا استــثــناء فيه ولا غفران ولا عفو وهو الذي يقول فيه الكافر يوم القيامة عندما تمسه النار يا ليتني كنت ترابا.

 

خامسا: متفقون على أن القرآن نزل بلسان عربي مبين وقد نزل بلغة النبي صلى الله عليه وسلم وهو أولى بتفسير مدلولها وكل مدلول لألفاظها بينه للمسلمين قبل وفاته امتـثالا لقوله تعالى {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم}.

 

ومن هذه المدلولات ما تدل عليه كلمة: كل نفس أو كل إنسان فإضافة هذا اللفظ للنفس أو للإنسان أو أي شيء لا يترك منه شيئا لأنها نكرة مضافة يتفق كل ناطق بالعربية أنها تعم الجميع كما رأينا عملها في الدنيا فهي تعمل في الآخرة.

 

رأينا {كل نفس ذائقة الموت} {كل من عليها فان} {كل إلينا راجعون} إلى آخر ما في القرآن والحديث منها ومن هذه الكلية قوله تعالى {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا}، ومنها أيضا {إن كل من في السماوات والأرض إلا آت الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا}.

 

وملخص هذه الآيات وما شابهها من خصائصه تعالى مـثـل تفرده بعلمه بما في الغيب وما توسوس به نفس الإنسان إلى آخره فكل ما جاءنا في القرآن خاص به  فهو مختص بالوصف به؛ فمن دافع القائل به فهو الظالم ولا سيما أن يكون عليه الصلاة والسلام قال إنه هو نفسه لا يشارك الله في خصائصه كما في قوله تعالى يأمر نبيه بأن يقول {قـل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير} إلى مثل هذا من الاختصاص.

 

ومن هنا أعود مرة أخرى إلى الإسلام والصوفية لنطرح هذا السؤال: هل العبادة التي في الصوفية عندها أصول في القرآن؟ وتلك الأصول هل فسرها النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل إذا كان فسرها يكون تفسيره فيه كفاية أو يمكن الزيادة عليه من جنسه؟

 

هذه الأسئلة نبدأ بالرد عليها لنصل بعده إلى افتصال الطرق بدل من قول ملتقى الطرق.

 

فمن المعلوم أن جميع العبادات وكلما يتعلق بالآخرة هو توقيفي على النبي صلى الله عليه وسلم إبلاغا وتفسيرا لهذا الابلاغ؛ فمثلا جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الاحسان ففسره النبي صلى الله عليه وسلم أن الاحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه، وهي تحصيل الحاصل وهي عدم رؤيتنا له في الدنيا لقوله تعالى {لا تدركه الأبصار} و"ألـ": هنا للاستغراق؛ وقد ذكرها عليه الصلاة والسلام ليرتب عليها قوله فإنه يراك، ونلاحظ هنا ما يلي:

 

أولا: المخاطب هنا هو معلم الدين بالجواب منه صلى الله عليه وسلم وهو كل إنسان على وجه الأرض لا يختص به إنسان عن إنسان لأن المرسل إليه وهو المعلم أرسل للناس كافة فمنهم من آمن ومنهم من كفر، ومرة أخرى فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة؛ ولذا فإن رؤية الله المذكورة هنا تشمل رؤيته لعمل من هدى الله ورؤيته لعمل وامتناع من حقت عليه الضلالة عن الايمان.

 

أما حكم الزيادة عليه من جنسه فقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم حكمها لأمته عن طريق تعليقه على عزم الثلاثة الذين تقالوا عمله صلى الله عليه وسلم عندما سألوا عنه وظنوا أنفسهم أنهم يستطيعون فعل أكثر منه فأخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم لتكون ملاحظته عليهم أمامهم تشريعا لأنها تعليما للجميع حيث قال لهم والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له إلى آخر الحديث المشهور.

 

يتبع إن شاء الله لعنوان:  كيف نفهم الإسلام الصوفية والإسلام 2 على 6.