على مدار الساعة

التغيير الآن، قبل فوات الأوان!

30 ديسمبر, 2021 - 10:01
محمد المنير ـ خبير دولي

على الرغم من قلة الموارد و كثرة السكان مقارنة ببلادنا، فقد أصبحت السنغال في السنوات الأخيرة دولة صاعدة، وذلك بفضل الاختيارات السليمة و الإدارة الرشيدة. الإقلاع الاقتصادي في السنغال حقيقة ملموسة، حيث سرّع من تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يعتبر مؤشرا ممتازا على مستوى الثقة في البلد وفي حكومته، من حيث الحرية الاقتصادية، وشفافية الإجراءات المعمول بها، واحترام سيادة القانون وأمن المعاملات. إنَّ وصول السنغال إلى مستويات قياسية من حيث الاستثمار الأجنبي كان له التأثير الإيجابي على نمو البلاد وتنميتها، ومن آخر هذه التجليات تدشين القطار السريع بين العاصمة داكار والمطار الدولي.

 

وفي الوقت الذي ينطلق فيه قطار سنغال السريع -الأول من نوعه في إفريقيا الغربية- تنطلق في موريتانيا سلسلة من المهرجانات الثقافية والفلكلورية ومهرجانات الحزب الحاكم لتفسير وشرح مضامين الخطابات الرئاسية. ومما يثير الحزن والغضب، بشأن بلادنا، هو أنه يكاد لا يتحقق شيء على أرض الواقع، على الرغم من الإمكانات والموارد الهائلة وقلة عدد السكان. ما يتحقق فقط هو مستويات قياسية من الفساد وسوء الإدارة، مما يفسر إلى حد كبير الفقر المستشري والتخلف في البلاد وعدم القدرة على جذب وإقناع المستثمر الأجنبي، بسبب الافتقار إلى الرؤية الاستراتيجية والحكم الرشيد والعدالة والبنية التحتية.

 

انطلقت قاطرة التنمية في السنغال و ما زالت موريتانيا تواجه مشاكل حقيقية في الولوج إلى الخدمات الأساسية، حيث أن أغلب سكان البلاد يعيشون تحت خط الفقر، بلا ماء وبلا كهرباء، بلا صحة وبلا تعليم، على مرأى و مسمع من السياسيين والنخب والأدباء الذين يتنافسون في المهرجانات، بلا استحياء، لتمجيد إنجازات لا ترقى إلى أدنى ما يصبو اليه الشعب.

 

من الطبيعي إذا أن يكون هناك تصاعد في الغضب الشعبي ونفاد للصبر، نظرا للهوة التي تتسع يوما بعد يوم، بين النخبة والشعب. كما أن الحكومات المتعاقبة فشلت في تلبية تطلعات المواطنين. فهناك الكثير من عدم المساواة، والكثير من الظلم، والكثير من الفساد...فقد وصلت خيبة أمل الموريتانيين ذروتها و التطلعات  ملحة بشكل ينذر بانفجار فالمجتمع وصل إلى نقطة الانهيار. 

 

هي إذا أزمة متعددة الأوجه قد تفتح الطريق أمام كل المغامرات المحتملة. كما أن جميع السيناريوهات تبقى مفتوحة، بما في ذلك عدم الاستقرار الناجم عن ثورة شعبية قد يفجرها أغلبية السكان الذين لم يعد لديهم ما يخسرونه و لم يعودوا يترددون في انتقاد النظام علانية وبصفة عنيفة. فلا أحد يتوقع كيف ستكون ردة فعل المجتمع.

 

اليوم، موريتانيا تحتاج إلى من يضع حداً لهذا الوضع المزري و ينزع فتيل المخاطر الناجمة عن تراكم الإحباطات. المسؤولية تقع على عاتق رئيس الجمهورية وحده. نظرا لسلطته وصلاحياته المطلقة، بحكم الدستور وطبيعة النظام الرئاسي. نظرا أيضا لهيمنة الوظيفة الرئاسية على مؤسسات الدولة ومركزية صناعة القرار وتبعية النخب، فالرئيس وحده يمكنه أن يجنب البلاد الانزلاق في الفوضى. فقد تكون هذه آخر فرصة له لكي يترك بصمته، خاصة أن الموريتانيين ما زالوا يتشبثون ببصيص أمل، رغم الإحباط السائد، أن يكون الرئيس الإصلاحي الذي تحتاجه البلاد.

 

إذا، اليوم قبل الغد، لا بد من إطلاق نهضة شاملة تغير وجه البلد وتخرج هذا الشعب من دائرة الفقر إلى رحاب النمو والازدهار، بدءًا بصياغة وتبني رؤية مستقبلية، شاملة لمواجهة التحديات. على رئيس الجمهورية الآن أن يشكل فريق كفاءات متعدد الخبرات ويكلفه بإعداد خطة طوارئ للسنوات الثلاث القادمة، مع حزمة إجراءات يتم تفعيلها فوراً، ليست بالضرورة إجراءات شعبوية أو شعبية، وهي ضرورية باعتراف الجميع، ولكن يجب أن نذهب إلى أبعد من ذلك : أن نبدأ في التفكير في الإصلاحات البنيوية على المدى الطويل.

 

لا بد من الشروع في إصلاحات جوهرية، ذات تأثير حقيقي وملموس على تنمية البلاد وعلى حياة الموريتانيين، من خلال الوثوق بكادر إشرافي كفء وصادق و مسؤول ومعروف بنزاهته. كما يجب أن يقوم هذا النهج الثوري على عاملين أساسيين : تبني مجموعة من التدابير التشريعية التي تنشئ جهازا لمكافحة الفساد يتمتع بتفويض مطلق و تحديد مؤشرات من أجل متابعة وقياس النتائج و الأثر الاجتماعي و الاقتصادي للمشاريع وللسياسات التنموية. 

 

إنَّ أي إصلاح طموح يبدأ بتحديد الأولويات و بترشيد الموارد العامة، من خلال التخلص من كل المؤسسات التي لا تقدم خدمات وليست لها قيمة مضافة و تثقل كاهل ميزانية الدولة، وبما أننا لا نملك الموارد الكافية للاستثمار في القطاعات ذات الأولوية (التعليم، الصحة، إلخ) ، يجب أن نركز على المؤسسات التي تقدم خدمات للمواطنين، مما سيسمح لنا بتخفيض الميزانية التشغيلية للدولة، لتخصيص المزيد من الموارد لتوفير الخدمات الأساسية (الماء والكهرباء وغيرها) والقطاعات الحيوية. وتبقى أولوية الأولويات هي مكافحة الفقر. نحن بحاجة إلى سياسة توظيف استباقية تفضي الى إنشاء عشرات الآلاف من الوظائف الدائمة عن طريق القطاع الخاص. 

 

إذا لم تتم الاستجابة بسرعة للتوقعات والتطلعات الشعبية والإحباطات التي تنجم عن ذلك، فإن الرئيس يعرض نظامه للانحراف والدفع  بالبلد نحو المجهول. الوقت ينفد ويجب أن نستغله قبل فوات الأوان ....لأن هذه الوضعية لن تستمر إلى الأبد ولن تكون الظروف أكثر ملاءمة للإصلاح مما هي عليه الآن. هذه الفرصة لا ينبغي أن تضيع، خاصة أن الرأي العام وصل إلى مستوى خطير من اليأس.

 

الآن لدينا الفرصة لاتخاذ الإجراءات الضرورية. هذه هي اللحظة المناسبة لتوضيح النوايا والعمل واتخاذ التدابير الفورية، بدءا بالتخلص من المفسدين، وبدء الإصلاحات الكبرى لتلبية التوقعات الملحة للسكان،الذين يرون الجارة القريبة السنغال تحقق المعجزات مع شح الموارد، ويشعرون بالاستياء الذي غالبا ما ينذر بالانفجار في الشارع. حينها سيضطر الرئيس إلى الرد على الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية بالقول : "الآن فهمتكم".

فات الأوان!