على مدار الساعة

المرافعات خارج القاعة...حين يتحول المحامي إلى مُطلق شائعات

25 يناير, 2022 - 17:17
سيد محمد ابهادي كاتب و ناشط سياسي

يقال إن من  تعلم الهروب يوماً فسوف يصبح عادته، و يبدو أن الأستاذ محمدن الشدو تعود الهروب من محاصرة الأدلة القانونية إلى الفضاءات المفتوحة، التي تسمح له بإطلاق الكلام المرسل الخارج عن الموضوع، وًالمجرد من الأدلة و القرائن.
إن مرافعات الأستاذ السياسية الموجهة إلى الجمهور؛ و التي تسعى إلى تحويل ملف قضائي بحت، إلى موضوع للمناكفات السياسية و تسجيل النقاط، لهو أسلوب يتطابق مع منهج الأستاذ المعروف عنه، و الذي يستخدم كل شيء إلا القانون.

إن المرافعات السابقة لأوانها لن تغير الحقائق و لن تغني عن الشدو شيئا، ربما يوهم موكِله بسعيه الجاد في إطلاق سراحه و استعداده لكتابة مقال سياسي كل يوم دفاعا عنه؛ لكنه لا يستطيع كتابة مذكرة قانونية واحدة،  يمكنها تجاوز الكم الهائل من أدلة الإدانة التي تلاحق موكله.

يتحدث الأستاذ عن انقضاء سنتين و نصف من مأمورية رئيس الجمهورية انشغل فيها الجميع بملف العشرية -حسب زعمه- و يتباكى الأستاذ على هذه الفترة الضائعة من عمر الوطن، و لم يتذكر الشدو أنه أفنى هذين العامين في الدفاع عن رئيس متهم بالفساد، بل و يعترف به، و تقدر  ثروته بمليارات الدلارات، و يتناسى أنه في هذين العامين تحقق للوطن ما لم يتحقق له على مر عصوره.

فلأول مرة تكرس الدولة جل اهتمامها بالطبقات الهشة، و توفر لهم الغذاء و الدواء، و تصدر تأمينا صحيا لأزيد من نصف مليون شخص.

و توزع عليهم المساعدات الغذائة و تخصص لسبعين ألف شخص مساعدات شهرية ثابة؛ ...متى حدث ذلك قبل هذا النظام؟

و لأول مرة في تاريخ البلد تتوحد  النخب الوطنية و تنسجم، و تسعى مجتمعة إلى النهوض بالبلد و وضع الخطط  الناعجة لمستقبله؛ 

ومن يتذكر مستوى التصدع في اللحمة الوطنية، و مستوى الحدية و التشرذم الذي خلفته العشرية السوداء و نظر إلى مستوى الانسجام و غياب خطابات الكراهية المقيتة سيدرك تهافت حديث الأستاذ، الذي  يتحدث عن تشتت النخب الوطنية في هذا العهد...
في الشَّيبِ زَجْرٌ لهُ، لوْ كانَ يَنزَجِرُ
وَواعظ منهُ، لَوْلا أنّهُ حَجَرُ...
إذا مَحَاسِنيَ اللاّتي أُدِلُّ بِهَا
كانَتْ ذُنُوبي فقُلْ لي كَيفَ أعتَذرُ

 

يعترف الأستاذ بخطورة الأزمة الصحية التي داهمت العالم و حشرته في الزاوية و تداعت اقتصادات كبرى بسببها، و يتجاهل الجهود الكبيرة التي قامت بها الدولة في مواجهة الوباء على الصعيدين الصحي و الاقتصادي، ففي الجانب الصحي تتعتبر بلادنا -و لله الحمد-من أقل الدول تأثرا بالوباء و ذلك بفضل المنظومة الصحية التي أعدت على عجل و في الوقت المناسب، بعد اكتشافنا أن المستشفيات لا تتوفر على إلا على أسرة تعد على رؤوس الأصابع و اليوم نتوفر على مآت الأسرة الانعاشية الجاهزة؛ 
أما على المستوى الاقتصادي فقد واجهنا الوباء بمساعدة الضعفاء، و تخفيف الجائحة عليهم، و قامت الدولة بإعفاء المواد الأساسية من الجمركة، وزادت من رواتب عمال الصحة، وضاعفت مخصصات المتقاعدين، و تكفلت بكل المعوقين، فعن أي انشغال يتحدث الأستاذ...

كنت أتمنى أن لا يتحدث الأستاذ عن مسار التحقيق و ملف موكله، لأنه يعرف أن تناوله كان سليما و أن توقيفه لم يكن مطروحا لولا تهوره  و تعمده تحدي السلطات و القيام بمظاهرات يومية تمس الأمن العام، و تحويله لقضية قضائة لا شيٓة فيها إلى قضية سياسية، يدرك الشدو و موكله أنها مجرد تعلق بسراب و تعمية على موبقات فساد لم يشهد التاريخ مثلها.

و تجدر الإشارة إلى ملاحظات مهمة تعمد الأستاذ إغفالها، و كان الأولى به و بأترابه من سدنة القانون و حماته الاحتفاء بها و تثمينها:
-لا يختلف اثنان على ابتعاد السلطات التنفيذية عن ملف التحقيق و تركه بيد القضاء، باعتباره ملفا قضائيا صرفا، و كان من المناسب لرجال القانون الاعتراف بهذه الخصلة، و تثمينها، ولكن المفارقة العصية على الفهم هي حرص السلطات التنفيذية على الابتعاد عن التدخل في   هذا الملف توجيها أو تسريعا، و إبقاء تناوله في دوائر القضاء حصرا؛ و حرص المحامي  بالمقابل على تناوله في الفضاء العام، و العمل بكل جد على تحويله لملف سياسي يخضع لمهاترات و تجاذبات السياسيين، و كان الأولى التحفظ في تناوله و إبقائقه داخل أروقة العدالة.

 

- يتناسى الأستاذ أن النيابة العامة المشكلة في العهد الذي يتحنث على بابه، هي نفسها التي أحيل إليها ملف العشرية، و حرصت السلطات على عدم تغييرها درء للشبهات، و ثقة في رجال القضاء المستقلين عن كل نظام، و هذه ميزة أخرى تعزز استقلالية القضاء و عزم السلطات على إبقائه بعيدا عن الشبهات، بيد أنكم للأسف الشديد تسعون إلى تشويه سمعة القضاء و تتهمون السلطات بتوجيهه، و هي لعمري طعنة في الخلف لا تستياغ من رجل قانون بمكانتكم.

لقد تحولتم -بقدرة قادر- من محام  فذ إلى ناشط في مواقع التواصل الاجتماعي يطلق الشائعات و يهتم بحجم اللايكات و المشاركات، مما تسبب في حرج للرئيس السابق و عائلته، فخرجوا في كل مرة ينسفون ادعاءاته و اكاذيبه، ففي الوقت الذي كان الرئيس السابق يتلقى العلاج على أيدي أخصائيين مبرزين كان المحامي السابق و المدون الجديد يطلق الشائعات المغرضة عن خطورة صحة الرئيس و عن إهماله، ليتضح للرأي العام زيف ادعاءات المحامي و ركوبه لموجة التضليل و التشويه.

لم يتفاجأ أحد من العارفين بولد الشدو بأسلوبه التضليلي البعيد من القانون و التحفظ المهمني، فهي "شنشنة عهدناها من أخزم" و لكن عليه أن يدرك أن فساد موكله لا يحتاج إلى تحقيق، فقد اعترف به على رؤوس الأشهاد، و ثراؤه الفاحش بارز للعيان، كالشمس رأد الضحى، لا يمكن إنكاره، و عليه أن يفتش في مجامع القانون و ينشغل في عويصات المشاكل؛ حتى يجد لموكله ما يخفف جرمه أو يقلل محكوميته، و يتخلى عن أسلوب الهروب الذي يلازمه، فقد تداهمه المحاكمة  العلنية  في أي وقت، و لم يعد لها عدة ولا زادا؛ و حينها سينكشف الآفكا و تنكشف ادعاءاته...ولات ساعة مندم.

لقد أضاع المحامي سنتين من عمر التحقيق في تضليل الرأي العام، و خذل موكله في البحث عن أدلة قانونية تبرؤه أو على الأقل تخفف من محكوميته، و اعتمد أسلوب المرافعات السياسية خارج السياق و خارج القاعة، وخسر بذلك لقب المحامي القدير، ولكنه ربح أخيرا لقب المدون البارع في التضليل، و تشويه الحقائق.