على مدار الساعة

هل "روضت" "لوبيات الفساد" وزير الإسكان؟!

27 يناير, 2022 - 01:48
أحمد محمد المصطفى - ahmedou0086@gmail.com

يحصد وزير الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي سيدي أحمد ولد محمد أفضل تصنيف بين زملائه في الحكومة منذ دخوله لها في  العشر الأول من أغسطس 2019، حيث نال ثقة ولد الغزواني لدخول أول حكومة له، وحافظ على هذه الثقة إلى اليوم.

 

ورغم الثقة التي حظي بها ولد محمد، والثناء الذي ناله من مختلف المتابعين والمهتمين بالشأن العام، فقد تنقل خلال سنتين ونصف بين ثلاثة قطاعات حكومية، الرابط بينها هو حجم انتشار الفساد فيها، وقوة اللوبيات الناشطة فيها.

 

فقد دخل ولد محمد الحكومة من بوابة "التجارة والسياحة"، وكان أداؤه فيها متميزا، بل انعكس على الحكومة كلها، خصوصا مع بدايات ارتفاع الأسعار نتيجة جائحة كوفيد 19، فسمع الموريتانيون - لأول مرة – عن دور رسمي لحماية المستهلك، وتداولوا صورا لمتاجر ومجمعات أُغلقت وغُرمت لأنها زادت أواق على أسعار منتجات كمالية، كما أنضج مشروع قانون لحماية المستهلك تمت إجازته لاحقا.

 

غير أن مقام ولد محمد في وزارة التجارة لم يدم أكثر من سنة، حيث نقل من التجارة إلى المياه والصرف الصحي، فيما يرجح أن تكون لوبيات وزارة التجارة كانت وراء هذا "التحويل السريع" رغم النجاح في الملف.

 

 وفي قطاع المياه والصرف الصحي، كانت الإقامة أقل، والدرس أشد قسوة، فقد عاجلته "لوبياتها" بتوريطه في صفقة فساد وقع عليها بيمينه قبل أن يعرف حقيقتها، وعندما اكتشف حقيقة ما أقدم عليه حاول أخذ خطوات إلى الوراء، وأعلن إلغاء الصفقة لـ"عدم شفافيتها"، لكن أيادي اللوبيات كانت أقوى منه، فأمضت الصفقة، ونقلته مجددا عن القطاع بعد نحو 10 أشهر من الإمساك بالحقيبة التي لم تحط بها يده طيلة هذه الفترة، ولم يتبين محتوياتها، وكانت الوجهة الجديدة قطاع الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي.

 

تسلم ولد محمد الحقيبة الجديدة يوم الأربعاء 26 مايو 2021، ودخل في معارك جديدة مع لوبيات قطاع قد يكون هو أقوى اللوبيات ضمن القطاعات الحكومية، حاشا قطاعات التجهيز والنقل، والصحة، والتعليم.

 

20 شهرا، تنقل الوزير بين ثلاثة قطاعات حكومية، كان آخرها الإسكان الذي باشر العمل على ملفاته الكبيرة، قبل أن "يركز" جهده على أقلها تعقيدا، وأضعفها "لوبيات" ويدرك – ولو متأخرا – حجم "الورطة" التي يمكن أن يضع نفسه إن هو واصل في الاقتراب من "عش دبابير" الفساد والإفساد في الوزارة.

 

ومن أبرز الملفات التي تراجع ولد محمد عنها أو شاب تعاطيه معها الكثير من الغموض والتسويف:

 

1. استعادة الساحات العمومية والشوارع التي تم احتلالها:

وقد بدأت الوزارة التحضير لإطلاق حملة لتحريرها في الشهر الأول لاستلام الوزير للحقيبة، وحددت لانطلاقتها يوم 12 يوليو، قبل أن تؤجلها إلى يوم 04 أغسطس 2021، وذلك في بلاع نشرته يوم 08 يوليو 2021 رفعت فيه إلى علم مستغلي الساحات العمومية دون ترخيص من الجهات المختصة والقطع الأرضية غير المأهولة أن عملية الإخلاء تم تأجيلها نظرا لتزامن التاريخ السابق مع مواعيد المسابقات الوطنية، وكذلك من أجل الإعداد الجيد لهذه العملية، ودعتهم لأن ينتهزوا فرصة التأجيل هذه للقيام بالإخلاء الطوعي، وذلك قبل التنفيذ الصارم لهذه العملية.

 

وفي يوم 04 أغسطس أطلقت الوزارة عملية شاملة لاستعادة الساحات العمومية والشوارع التي تم احتلالها، وكانت تنشر كل يومين أو ثلاثة حصيلة هذه العمليات، وفي يوم 14 أكتوبر نشرت صفحة الوزارة آخر حصيلة لهذه العمليات، وفي يوم 26 أكتوبر نشرت إشعارا  لـ"أصحاب المنازل والمحلات في مقاطعة لكصر، الذين تم إشعارهم بمخالفة المخطط العمراني ولم يوافوا الوزارة بوثائق رسمية".

 

ودعت الوزارة هؤلاء للتوجه إلى خلية الرقابة الحضرية، مصحوبين بتلك الوثائق، في أجل محدد أقصاه نهاية الدوام الرسمي يوم الخميس الموافق 28 أكتوبر 2021، مؤكدة أن عدم إحضار الوثائق في المهلة المحددة؛ سيعرض أصحاب تلك المباني للعقوبات المنصوص عليها في مدونة العمران.

 

وقالت الوزارة إن هذا الإشعار يحل محل إنذار نهائي.

 

وفعلا كان هذا الإشعار علامة نهاية لكن لحملة الوزارة، وليس لعمليات احتلال الساحات والشوارع، إذ يبدو أنها تعرضت "لهجوم معاكس" أوقف كل العمليات و"بتعليمات عليا"، وعاد النافذون لاحتلال الساحات والشوارع التي أخليت سابقا، وبقيت بعض تحذيرات الوزارة وآجالها على المباني شاهدة على "شرف" محاولة لم يكتب لها النجاح.

 

وكان الأدهى أن المحاولة الفاشلة شكلت "ضوءا أخضر" للوبيات الاستحواذ على الساحات والشوارع لاستعادة ما حاولت الوزارة أخذه خلال الحملة، واحتلال المزيد من الساحات والشوارع

 

وربما يحسب للوزير أن بدأ العملية من ولاية نواكشوط الغربية حيث تركز النفوذ والثروة، ليكتشف مبكرا أن العملية "شبه مستحيلة"، ويتم توقيفها قبل أن يتضرر منها بقية "المحتلين" من الدرجات الأدنى في النفوذ والثورة والاحتيال في المقاطعات الأخرى.

 

توقفت الحملة رغم أن الوزير قدر في مؤتمر صحفي عدد الساحات العمومية التي تم احتلالها في مقاطعات نواكشوط بـ1866 ساحة عمومية.

 

 2. إنهاء "معضلة" الأحياء العشوائية:

وهي أزمة مستحكمة في العاصمة نواكشوط منذ عقود، وبدأت في بعض عواصم الولايات الداخلية، ولا تزيدها أي محاولة لحلها إلا استفحالا.

 

وقد أطلق الوزير عدة وعود في هذا المجال، ومرر مخططات عبر مجلس الوزراء، منها مصادقة مجلس الوزراء يوم 27 أكتوبر على مرسومين أحدهما يقضي بالمصادقة على مخطط تقطيع توسعة القطاع 20 في توجنين وإعلانه ذا نفع عام، والثاني يقضي بالمصادقة على مخطط تقطيع القطاع 22 في توجنين وإعلانه ذا نفع عام.

 

وقال الوزير في حديث عقب اجتماع الحكومة إن المصادقة على المرسومين "ستسمح بتسكين الأسر المرحلة في إطار عملية إخلاء الطرق والساحات العمومية، وكذلك تصفية النزاعات الناجمة عن عملية هيكلة الأحياء العشوائية التي وصلت مراحل متقدمة، كما ستقام فيه منشآت عمومية عديدة.

 

وأكد الوزير أن المخطط الثاني يهدف إلى تسوية أوضاع الجيوب المستغلة، بشكل غير قانوني، على مستوى مدينة نواكشوط، كما يسمح بإعادة توطين بعض الأسر في منطقة الإيواء مساهما بذلك في إنهاء عملية إعادة هيكلة الأحياء العشوائية على مستوى المدينة.

 

كما واكب الوزير بعض العمليات في مقاطعات نواكشوط، واستمرت الأحياء العشوائية كما هي في جيوب مقاطعات نواكشوط.

 

أثناء متابعتي وقراءتي في موضوع الأحياء العشوائية و"جهود القضاء عليها، صادفت تصريحا للوزير الأول السابق إسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديا، يوم 05 ديسمبر 2010 – إبان توليه وزارة الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي – قال فيه إن الحكومة ستقضي على الأحياء العشوائية منتصف السنة المقبلة؛ يقصد 2011، كما أطلق من تولوا الحقيبة بعده وعودا مشابهة، وظلت الأحياء العشوائية أقوى وأبقى من الجميع. فتأمل؟!

 

3. مخطط العاصمة نواكشوط:

"ثالثة الأثافي" هي "مخطط نواكشوط"، وهو قديم ضمن اهتمامات القطاع، تماما كاستعادة الساحات العمومية المحتلة، والقضاء على الأحياء العشوائية، لكن دون أن يتجسد هذا الاهتمام في عمل خارجي ذي تأثير على الواقع.

 

وبخصوص المخطط الجديد، فقد بدأ الإعداد لإنجازه في العام قبل الماضي، ففي يوم 02 أكتوبر 2020 ترأس الوزير الأول محمد ولد بلال اجتماعا للجنة وزارية مكلفة بمشروع إعداد مخطط عام لمدينة نواكشوط.

 

وكان مفترضا أن يكتمل المخطط الذي يتولى إعداده الجيش بالتعاون مع وزارة الإسكان مارس 2021، غير أن الإعلان عنه تأخر حتى النصف الثاني من أغسطس 2021.

 

يوم 30 يونيو 2021، أي بعد شهر وأيام من تسلم الوزير ولد محمد حقيبة الإسكان خرج في مؤتمر صحفي عقب اجتماع مجلس الوزراء ليقول إنه قدم للحكومة بيانا حول "الإشكالات العمرانية في مدينة نواكشوط"، مردفا أن المدينة تعد اليوم من أكبر المدن في المنطقة من حيث المساحة، ومن أقلها سكانا.

 

وشدد الوزير على أن العاصمة نواكشوط في وضع غير طبيعي، حيث إن نسبة 53% من مساحتها رمال وسباخ غير صالحة للبناء أصلا، مذكرا بأن الافتقار للأدوات القانونية المنظمة للعمران، إضافة للاستغلال غير المقنن للأراضي، من أبرز المعوقات الكبيرة في سبيل تنظيم المجال العمراني.

 

الوزير توقف مع ارتفاع مساحة العاصمة من 100 كلم مربع 1960 إلى 1200 كيلومتر مربع اليوم، أي أن مساحتها تضاعفت 12 مرة.

 

يوم 18 أغسطس 2021 أعلن وزير الإسكان عن مخطط للعاصمة نواكشوط، تمت المصادقة عليه خلال اجتماع الحكومة في اليوم ذاته، ووصفه خلال مؤتمر صحفي بأنه "الأول في تاريخ البلاد"، مردفا أنه "يعتبر لبنة صغيرة مما ننوي عمله في مختلف المجالات المرتبطة بالعمران".

 

وذكر الوزير بأن إنجاز المخطط استغرق حوالي 18 شهرا، وتم بأحدث التقنيات المستعملة في هذا المجال، وذلك بالتعاون بين مصلحة الخرائط في وزارة الدفاع، ووزارة الإسكان.

 

وأكد الوزير أن المخطط الجديد "مكن من دمج جميع المخططات المحلية المأرشفة لدى مصالح وزارة الإسكان"، مضيفا أن ذلك "سيمكن إدارة عقارات الدولة بوزارة المالية من دمج البيانات الخاصة بملاك القطع الأرضية وسيمنع لاحقا تعدد وازدواج الملكية"، كما سيمكن من تفادي جميع الأخطاء المتعلقة بمخطط التقطيع، مثل التداخل والتكرار وأغلاط الرسم، والتموقع الخاطئ وعدم الترقيم، فضلا عن منع جميع الممارسات الخاطئة فيما يتعلق بالعمران.

 

يوم 03 سبتمبر 2021، زار الوزير مصلحة "خدماتي" التابعة لقطاعه، وأعطى إشارة انطلاق  العمل بالمخطط العام لمدينة نواكشوط، وجدد التأكيد على أن ذلك سيمكن المواطنين من سحب مخططات قطعهم الأرضية الموجودة بمختلف مقاطعات العاصمة.

 

وأعلن الوزير بالمناسبة – بعيد مطالعة ورقة فنية عن المخطط في الطابق السادس بالوزارة – أن هذا المخطط "سيمكن من صون الحقوق ويمنع التلاعب أو التزوير"، كما سيمكن من توحيد المخططات الموجودة لدى المصالح الحكومية، واعدا بتوفيره عبر "وضعه ضمن دائرة التصفح في موقع الوزارة لكي يتمكن المواطن من الاطلاع على وضعية قطعته الأرضية"، مشيرا إلى أن "الشرط الوحيد للحصول على المخطط هو إحضار نسخة ورقية من وثيقة الملكية، ونسخة من بطاقة التعريف".

 

ورغم تأكيد الوزير سبتمبر الماضي أن مصالح قطاعه ستتيح المخطط عبر موقعها الإلكتروني إلا أن ذلك لم يتم إلى الآن، كما برز خلاف حوله بين وزارة الإسكان ووزارة المالية بسبب تدافع المسؤولية عن عشرات الآلاف من القطع الأرضية غير المرقمة.

 

ولعل ما يلفت الانتباه أن المخطط الذي لم تتمكن الوزارة إلى الآن من توفيره إلكترونيا، أتيح إلكترونيا بطريقة غير رسمية، وهو ما يطرح سؤالا حول طريقة الحصول عليه؟ ومبررات تأخير توفيره إلى الآن وكذا تطبيق القوانين بخصوص القطع الأرضية غير المستغلة ووضع حد لعملية "تبييض الأموال" عبر هذا المجال الغامض.