على مدار الساعة

برلماني يكتب: مفاتيح التغيير

18 فبراير, 2022 - 16:52
محمد الأمين سيدي مولود - نائب برلماني

الأغلبية الساحقة من الموريتانيين ليست راضية عن واقع البلد، عن واقع التعليم فيه، واقع الصحة، واقع الطرق، واقع الزراعة، واقع المعادن والتنقيب، واقع التنمية الريفية، واقع الصيد البحري، واقع القضاء، واقع العقار، واقع التوظيف والترقيات والتعيينات، واقع التأمين، واقع الفساد ثم الفساد ثم الفساد…

 

لكن المشكل الكبير أن الأغلبية الساحقة من المجتمع لا تترجم عدم رضاها عن هذا الواقع في عمل ملموس في حدود المتاح لكل فرد بصفة قانونية سلمية مسؤولة، لتساهم في تغيير هذا الواقع السلبي إلى الأفضل.

 

ولئن كانت في المجتمع طبقات أو فئات أو مستويات معذورة أو يمكن تفهم سلبية مواقفها لسبب أو لآخر، فإن هنالك جهات كبيرة وفئات عريضة يمكن أن تلعب أدوارًا أكبر من الواقع، ويمكن التعويل عليها إن حصلت الإرادة والحد الأدنى من التنظيم، لتكون مفاتيح التغيير في البلد، ومن هذه الجهات:

 

  - العمال وخاصة الموظفين ذوي الدخل الضعيف، فعشرات الالاف من المعلمين والأساتذة رسميين وعقدويين، وموظفي قطاع الصحة من ممرضين وأطباء - أغلب الأطباء - وفنيين وصغار موظفي الإدارة، والقطاعات المختلفة، كل هؤلاء يجمعون بين المستوى التعليمي المقبول إلى الجيد، ولديهم من الوعي ما يؤهلهم لريادة االتغيير في البلد، لأنهم - أو لأن الأغلبية الساحقة منهم - يجمعون بين الوعي والمعاناة، عكس طرفي الصورة الآخرين أي من يعاني دون وعي، أو من يعي دون معاناة، فالأول لا يدرك التشخيص أحرى الحل، والثاني لا يعاني معاناة تحتم عليه التحرك للتغيير بل منه المستفيد من الواقع المدافع عنه.

 

- الجاليات في الخارج، ربما يناهزون ربع المليون ممن يحملون الوثائق المؤمنة، حسب بعض التقديرات، وتمتاز الجاليات بميزات منها أنهم مستقلون في معاشهم لا يمكن الضغط عليهم بخنق مصادر رزقهم عكس ما قد يحصل مع بعض من يعيشون داخل الوطن، ومن هذه الميزات أن مستوياتهم التعليمية - غالبا - وتجاربهم في السفر وما شاهدوه في عوالم الهجرة من تجارب الدول والشعوب تجعلهم غير راضين عن واقع بلدهم، كما أنهم يمتازون بالتاثير في مجتمعاتهم وعوائلهم، وليس من الوارد أن تبقى هذه الجاليات بعيدة أو مبعدة عن معركة التغيير في البلد، إذ يجب أن تتحرك ونتحرك جميعا معها لتحصل على حقها في الترشح والترشيح لنواب الخارج بدل تمثيلها بطريقة تناقض صريح الدستور، كما يجب توفير مكاتب أو آليات تصويت لهذه الجاليات ولو كان ذلك بالتصويت الإلكتروني عن بعد.

 

- الشباب وخاصة الطلاب، فلطالما كان طلاب الجامعات والمعاهد والمراكز والثانويات الخ مصدرا للوعي والرفض، فطموح الشباب القوي وحماسه العفوي وثوريته المفترضة كلها أمور تجعل هذه القوة المعطلة أو العاطلة من أهم مفاتيح التغيير في البلد، وليس من الطبيعي ولا من الوارد أن يتفرج شبابنا على واقع بلده ينهار، بينما ينشغل أو يُشغل هذا الشباب بأمور تافهة تدجنه وتعطل طاقاته بشكل سلبي، بدل انخراطه في منظمات شبابية حزبية وهيئات مجتمع مدني جدية ونقابات طلابية نشطة، ومشاركته في العملية الانتخابية بشكل فعال وكبير، لتغيير واقع الشباب نفسه وواقع ذويه وواقع مؤسساته التعلمية بل وواقع البلد عموما.

 

- أصحاب المظالم والمطالب المشروعة الذين عجزت الأنظمة عن تسوية مظالمهم أو تلبية مطالبهم المبررة، وهؤلاء ناس كثر يذوقون مرارة الظلم ويدركون تقصير السلطات المتعاقبة أو عجزها تجاههم وليس من الصعب أن يسعوا لتغيير واقع هم ضحاياه. من هؤلاء أصحاب مظالم العقار "اتراب" بجميع أنواعهم، ومنهم الحمالة "دوكيرات"، ومنهم آلاف المنقبين الذين يدفعون حياتهم ويبذلون جهودهم من أجل عيش كريم، ومنهم العمال المسرحون الكثر، ومنهم المتقاعدون في ظروف مزرية الخ

 

- سكان المدن الكبيرة وخاصة العاصمة نواكشوط وعواصم الولايات وربما بعض المقاطعات، فنواكشوط مثلا يضم ربع سكان البلد على الأقل، ويرتفع فيه الوعي نسبيا مقارنة مع الداخل خاصة الريف حيث تهيمن العشائر والقوى التقليدية، وتزداد خشونة الإدارة والسلطة عموما. كما أن المدن عموما تتراجع فيها "الرقابة السلطوية" على التجمعات والكتل الاجتماعية بخصوص خياراتهم الانتخابية، كما يزداد إحساس المواطن أكثر بالحاجة إلى خدمات المرافق العمومية خاصة التعليم والصحة والكهرباء والماء والطرق والأمن والتشغيل الخ وهذا محفز وعي ودافع للتحرك من أجل التغيير، وليس من المقبول أن تظل مشاركة أغلب هذه التجمعات المدنية في عملية التغيير موسمية في الانتخابات وبنسبة مشاركة قليلة وضعيفة ودون العتبة الضامنة للتغيير.

 

هذه الأمثلة وغيرها مفاتيح التغيير الهامة في البلد، فإن تحركت وحُركت في مؤسسات قانونية ولوائح انتخابية سيحصل التغيير الجاد الحقيقي وبطريقة سلمية مسؤولة، وإن استمر تهميشها وهامشيتها سيبقى التغيير معاقا، وقد يأتي مكانه التغير إلى الأسوأ أو لى الانفجار لا قدر الله.

 

لقد آن الأوان لهذه القوى الحية أن تتحد وتتحرك لتزيح الطبقة الحاكمة منذ سنوات طويلة، والتي فشلت في حل المعضلات الكبرى للوطن رغم تضاعف الإمكانات وضخامة الميزانيات المتصاعدة.

 

إنه من العبث أن تظل أغلبيتنا الساحقة بين من يصوت لنفس الحزب (حزب الحاكم بجميع نسخه) ومن يتفرج على المعركة وكأنها لا تعنيه، بينما هو وذووه وأطفاله ضحية فشل خطط التعليم والتشغيل والتنمية الخ ولن يتغير الواقع ما لم يشارك في تغييره.

 

{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.