على مدار الساعة

جالياتنا و حوافز العودة

21 فبراير, 2022 - 09:07
  محمذن العيد احميدة، مترجم وموظف حكومي - أستراليا

ما زلنا نتابع سلسلة البحث الجاد والتحليل العلمي العميق لأهمية الجاليات المغتربة فى العالم بصورة عامة و الجاليات الموريتانية على وجه الخصوص.

 

لا يخفى على المتتبع لاقتصادات الدول المتقدمة أنها تعتمد على التنمية البشرية و التقدم العلمي أكثر من اعتمادهم على الموارد الطبيعية. والمعروف أنه لن تحدث نهضة فى هذه المجالات دون إصلاح المنظومة التعليمية التى بها يصلح الإنسان الذى هو المحور فى عملية التقدم التى من خلالها ينمو الإقتصاد ليرتفع دخل الفرد الذى يؤدى إلى الرفاه الإجتماعى.

 

قد لا يكون من الصعوبة بمكان أن يتطور أي بلد بعد أن يتّبع سياسات اقتصادية واجتماعية يعتمد فيها على التجارب التى سبقته وعلى الآليات المحقِّقة لتلك الأهداف وتطبيقها ليستفيد منها الفرد, ولكن الصعوبة تكمن فى المحافظة على تلك الإنجازات. فتأتى المعرفة العلمية والخبرة المهنية فى هذه المرحلة لتكون سياجا يحيط بالمكتسبات و يحافظ على سلامتها وقوتها وإمكانية استمراريتها وتطويرها. آخذا فى الإعتبار التغيرات الجيوسياسية والإقتصادية المصاحبة.

 

موريتانيا بلد زاخر بالموارد الطبيعية والنسبة العالية لمتوسطي العمر وعندها خبراء  من المهندسين والمهنيين والمتخصصين فى شتى المجالات من جراحة الاعصاب إلى سياقة الشاحنات. ولكن جل هؤلاء الخبراء والمتخصصين مهاجرون يقيمون فى بلدان اخرى تستفيد من خبراتهم, ومؤسسات دولية تقدرهم وتريدهم لها دون غيرها.

 

العقول المهاجرة وتنمية البلاد

تم فى دجمبر2020 توقيع مذكرة تفاهم بين اتحاد مكاتب الجاليات الموريتانية  فى العالم الذى هو منظمة مرخصة تضم وتمثل العديد من مكاتب الجاليات الموريتانية المتفرقة فى شتى بلدان العالم, ومشروع الكفاءات الموريتانية فى المهجر الذى هو إطار معرفي يجمع نخبة من الأكادميين والباحثين والخبراء الموريتانيين فى العالم. وذلك من أجل توحيد الجهود و تكامل الخبرات والسعي من أجل وطن أكثر تقدما فى جميع الصعد والمجالات.

 

و قد عقدت " الكفاءات الموريتانية فى المهجر" والتى تُعرف اختصارا ب "مد" مؤتمرها الأول فى يناير 2018 فى انواكشوط  تحت عنوان" موريتانيا وعقولها المهاجرة دعم للتنمية", وقد شارك فيه لفيف من المتخصصين الموريتانيين المهاجرين الذين قدموا من بلدان شتى. وكان هذا المؤتمر سانحة للفت انتباه السلطات فى البلد إلى أهمية الإستفادة من عقول موريتانيا المهاجرة ودور الدولة الضروري فى تفعيل الإستعانة بهذه الخبرات فى مسيرة التوعية والتطوير ووضع المشاريع العلمية فى شتى المجالات و تسييرها ومتابعة تنفيذها.

 

وقد عُرض فى هذا المؤتمر إحصاء هام للموريتانيين المهاجرين من ذوي الخبرات والتخصصات المتنوعة فى مجالات الطب والمعلوماتية وتسيير الموارد والإقتصاد والأعمال وغيرها. فتبين أن هنالك آلاف من الموريتانيين المتفرقين فى أصقاع العالم من الذين يتقلدون مناصب عليا فى الجامعات العلمية العريقة فى أوروبا وأمريكا وإفريقيا وغيرها, كل فى مجاله وتخصصه.

 

لا شك أن السلطات الموريتانية  المتعاقبة  منذ استقلال البلاد قد أهملت طاقات هائلة من الموريتانيين من أطباء و مهندسين ومهنيين و غيرهم من الخبراء فى جميع المجالات.فلم تكن هناك خطط  لبناء الأجيال المتعاقبة فما كان من البقية الباقية منهم إلا المغادرة لطلب حياة كريمة أفضل, فهاجروا هجرة أدمغة وعيونهم على بلادهم فى أمل للعودة يوما ما.

 

"إن الوطن غفور رحيم"

تلك عبارة أطلقها ملك المغرب الراحل الحسن الثانى, وهى عبارة أريد بها استمالة الكثير من أعضاء جبهة "البوليزاريو" الصحراوية وإقناعهم  بالتخلى عن أفكارهم الثورية ومناصبهم للعودة إلى المغرب. و لنجاح هذه الدعوة كان لا بد للمغرب من إعطاء ضمانات كافية بإسقاط كل التهم التى قد توجه إليهم من قبيل التآمر على الوطن والمروق على الحاكم والإنضمام لجماعات انفصالية خارجة عن القانون.

 

ورغم أن العبارة كانت لهذا الغرض إلا أن الحكومات المغربية المتعاقبة بعد رحيل الملك الحسن الثانى تبنّوا الفكرة ووسعوا نطاقها لتشمل كل مغترب ولو لم يكن انفصاليا او صاحب جريمة أو جنحة حتى. فالوطن غفور رحيم لكل من يريد العودة إليه عودة دائمة  للإستثمار أو إنهاء تقاعده فيه أو العمل فى أي مجال من أجل دفع عجلة التنمية وتطوير البلاد, أو عودة مؤقتة بغية قضاء العطل الصيفية للسياحة والإستجمام.

 

 هنالك حقيقة جلية حري بالحكومة الموريتانية الساعية إلى خلق شراكة بينها ومواطنيها المغتربين ان تكون على وعي بها, ألا وهي أن جل هؤلاء المغتربين يعيشون فى بلدان متقدمة علميا وناجحة اقتصاديا. فهي دول نامية قد بلغت اهدافها وحققت لمواطنيها ذلك الرفاه الإجتماعي و الإقصادي المنشود. إذن فهم يعيشون فى رفاه ويتمتعون بكل الحقوق والضمانات الإقتصادية والصحية والإجتماعية.

 

- فلماذا لا تتبنى موريتانيا فكرة المغرب وهي أحوج  وأحق إلى تلك العقول المهاجرة ممن سواها ؟

 

 يبدو أن السلطات الموريتانية الحالية قد وعت أهمية الجاليات وقيمتها  ومحوريتها فى اقتصاد البلد فبادرت بالإهتمام والاعتراف بها من خلال إضافة شؤونها إلى وزارة الخارجية التى أصبحت تسمى "وزارة الخارجية والتعاون والموريتانيين فى الخارج". وهذه خطوة أولى و هامة فى طريق التشارك والتعاون بين الطرفين, الجاليات الموريتانية فى العالم التى يمثل اتحاد مكاتب الجاليات الموريتانية فى العالم أغلبها, والحكومة الموريتانية ممثلة فى وزارة الخارجية وقد تكون هذه بادرة حسنة نرجو ان تترجم إلى ما أعمق وأنفع.

 

ومن خلال هذا التفاهم  الضمني والمعلن غالبا فإننا نقترح على الحكومة فى حال سعيها  لبناء تلك العلاقة المحمودة, والتبادل الإيجابي بينها والجاليات ومدّ جسور التعاون المشترك مع مواطنيها المغتربين, نقترح ان يكون المؤتمرالقادم  بين المغتربين والمهاجرين الموريتانيين المزمع انعقادة -بداية السنة المقبلة 2022- أن يتمحورجزء كبير منه على وضع آلية تمهد الطريق لعودة من أراد من المغتربين  عودة نهائية من أجل الإستثمار, أو مؤقتة من أجل قضاء العطل والإستمتاع مع أسرهم ليتعود أبناؤهم على العادات والتقاليد الموريتاية الأصيلة وينْهلوا من ثقافة بلدهم. ومن أجل تحقيق ذلك اقترحنا نقاطا قد تكون حافزا لعودة جالياتنا إلى بلدهم وإفادته.

 

حوافز العودة:

1)- توفير أراضٍ وبناء منازل وفيلاهات تقرض للعائدين بالتقسيط على آجال طويلة المدى.

2)- إعفاء من الجمارك على كل المتاع الذى يعودون به من تلك البلدان عودة دائمة, وخاصة كل الأدوات المتعلقة بتخصصاتهم فى أعمالهم من أجهزة وأدوات وحتى سيارات.

3)-  مجانية الدراسة لأبنائهم والإعتراف بشهاداتهم الدراسة من الدول التى جاؤوا منها, وإدماجهم فى المنح الدراسية والبعثات الخارجية.

4)- ضمان عقود عمل طويلة المدى للمتخصصين الذين يحتاج إليهم البلد.

5)- تأمينات اجتماعية وصحية لهم و لجميع أفراد أسرهم.