على مدار الساعة

اللغات الوطنية "عندما قصرت المشاورات الوطنية حول إصلاح النظام التربوي"

18 أبريل, 2022 - 03:19
محمد الأمين ولد إدوم - مخطط بوزارة التهذيب الوطني

في اليوم ما قبل انطلاق جلسة تحضير أيام التشاور الوطني، طالعتنا بعض وسائل الإعلام بوقفات احتجاجية تنادي بترسيم اللغات الوطنية، ذلك المطلب الذي لا يعترض عليه أحد من حيث المبدأ، والذي أقرته المشاورات الوطنية حول إصلاح النظام التربوي، من خلال عدة نقاط من بينها على سبيل المثال:

1. أن يتلقى الأطفال الموريتانيون التعليم في جميع المستويات باللغات الوطنية: العربية، والبولارية، والسوننكية، والولفية؛

 

2. أن يتعلم كل طفل عربي موريتاني على الأقل إحدى اللغات الثلاث (البولارية، أو السوننكية، أو الولفية). ويعتمد اختيار تلك اللغة على الاعتبارات الديمغرافية والسوسيولوجية الجهوية؛

 

3. أن تُدرّس العربية لجميع الأطفال غير الناطقين بالعربية بوصفها لغة تواصل وبوصفها ناقلة لمضامين المواد الأخرى؛

 

4. أن تُدرّس العلوم في بداية المسار الدراسي باللغات الوطنية لترسيخ استيعاب المعارف وتفادي تشتّت ذهن الطفل في تعلم لغة التدريس وتعلم المضامين المدرّسة في الوقت ذاته؛

 

5. باختصار هناك 25 نقطة تضمنها تقرير الصياغة العامة حول لغات التدريس واللغات الوطنية.

 

وهكذا اتفق ما يزيد على 500 مشارك يمثلون الأحزاب السياسية ومنتخبي الشعب من برلمانيين ورؤساء مجالس جهوية وعمد وممثلين للمركزيات النقابية وكافة نقابات التعليم إضافة إلى عدد كبير من خبراء التعليم والمدرسين ومنظمات المجتمع المدني، مع حضور بارز لجمعيات ترقية اللغات الوطنية، بالإضافة إلى 900 مشاركة افتراضية.

 

إلا أن الإشكال القديم المتجدد أيها الجمع الكريم: بماذا سندرس تلك اللغات؟

 

ألا يوجد تعارض بين توصياتكم الداعمة لاستعمال اللغة العربية في السنوات الأولي للتعليم مع قرار اليونسكو 1966 في باماكو.

 

عموما وسعيا لإثراء الموضوع، نشارككم أيها الجمع الكريم، هذا الرأي للأكاديمي مختار ساغو (أستاذ لدى الجامعات الأمريكية) حول كتابة اللغات الوطنية:

 

هدفي من هذه المساهمة هو التفكير في الأسباب التربوية للفشل المدرسي، انطلاقا من الملاحظة التالية: يبدأ كل الأطفال الموريتانيين مسيرتهم التعليمية بالقرآن الكريم، وبالتالي بالأبجدية العربية!

 

وليس لديّ أي اهتمام بالاعتبارات الإيديولوجية، أو المعارك الخلفية أو الطلائعية... إنما أعتمد على خبرتي كممارس للغات وتدريسها، وعلى حاجتنا إلى أن نكون عمليّين من أجل الصالح العام لأبنائنا أو أحفادنا الأعزاء.

 

لماذا الأحرف العربية..؟

 لأنها مألوفة لدى أبنائنا أكثر من اللاتينية؛ ومن غير المعقول أن نظلّ مُتشبثين بقرار اتخذ (في إطار اليونسكو!) في باماكو سنة 1966، لكتابة اللغات الوطنية بالأحرف اللاتينية، حيث كان مجرد قرار سياسي ككتابة دستور، مثلا... فهذه الأشياء تتغير، أيها السادة! علينا ألّا ننغلق في التبجيل وهوس الهوية، كما فعل محررو بيان 1986 أو مدبّرو محاولة انقلاب 1987، ولنتذكر مقولة سنغور الشهيرة "...إن العاطفة سوداء، كما أن المنطق إغريقي".

 

من ناحية أخرى، إذا كان على الأطفال البيظان تعلم اللغات الوطنية، ألن يكون من الحكمة تدريسهم إياها بالأبجدية العربية؟ لأن في أفق فكرتي تكمن الرغبة الجامحة في إرساء المصالحة الوطنية على أساس القاعدتين الأخيرتين من شعارنا الوطني "...الإخاء والعدالة" وهما، علاوة على ذلك، بمثابة مفهومين أساسيين للفلسفة الأخلاقية والدينية للإسلام؛ وبالنسبة لمن قد يتفاجأ بالتطرق إلى القرآن الكريم في هذا النقاش (إلى جانب حقيقة لا مراء فيها أنه كتاب - لغة وطنية في حدّ ذاته، بالنسبة للعاكفين على قراءته سواء باللغة العربية أو مترجما!)، دعونا لا ننسى أن جمهوريتنا إسلامية في الأساس، وأن ثقافتنا اليومية هي، إلى حد كبير، عربية - إسلامية. إن مثل هذه المرتكزات الثقافية المشتركة هي التي جعلت الإيرانيين يتبنون الحرف العربي لكتابة الفارسية، كما فعل الناطقون باللغة الأردية (الباكستانيون وغيرهم!).

 

علاوة على ذلك، لم يقل أحد أن شبابنا لن يستعمل الحروف اللاتينية فور ولوجه للمستوى الإعدادي، عندما يبدأ تعلم اللغات الغربية، وفقًا لما يدور في ذهني.

 

لقد عانت موريتانيا كثيرا بسبب الأيديولوجيات الخبيثة… إن الأمر يتطلّب منا السمُوّ بأنفسنا عن مستنقع الاستياء والمرارة، والكراهية؛ يجب أن نحتذي بمثال مانديلا وتجربة جنوب إفريقيا، حتى ولو كنا ندرك جيدًا أن كل شيء ليس بالمثالي في هذا البلد.

 

إن الخيار "اللاتيني" المحبب للغاية لدى البعض ليس بالفعال، طالما أن هذه اللغات شفهية بشكل حصري، وأن كتابتها وتدريسها تتطلبان إرادة سياسية، لا زالت غائبة.

 

إننا جميعا نتطلّع إلى دولة قومية بولارية، سونينكية، وُلفية، بمبارية... فلنتجنب العيش في الأوهام.. ولنكن واقعيين.  انتهي الاستشهاد (عن موقع مراسلون).

 

بصفة عامة، أري أن المشاورات الوطنية حول إصلاح النظام التربوي، قد قصرت عندما لم تحسم موضوع كتابة اللغات الوطنية المطروح منذ البداية، وأتفق مع الأستاذ مختار ساغو في أنه ليس من الضروري سجن نظامنا التربوي في قرار سياسي اتخذته اليونسكو 1966 في باماكو، وأري أن كتابة اللغات الوطنية بالأبجدية العربية، يتيح لها التجذر والانتشار في المجتمع البيظاني بصورة أسرع وأكثر قبولا، حيث سيكون للتجار والمعلمين والإداريين والمتعاملين مع الناطقين بغير العربية، كتب ومراجع تساعدهم في الاعتماد على مجهودهم الخاص في دراسة تلك اللغات، ولكم القرار أيها الجمع الكريم في أيام التشاور الوطني.