على مدار الساعة

تقريبُ "تقريبِ الإدارة من المواطن"

23 أبريل, 2022 - 13:48
أحمد يعقوب أحمد بزيد - أستاذ جامعي

لا يكاد ينتهي خطاب أو لقاء أو اجتماع للسيد رئيس الجمهورية إلا وسمعنا فيه أو قبله أو بعده عن أولوية تقريب الإدارة من المواطن، ليبدأ الوزراء المسؤولون بعدها بوعظ إداري يرغب في هذا التقريب ويبين فضائله ومكانته عند الله وعند الناس. وبعد الخطاب نظن أن الإدارة اقتربت فعلا من المواطن، ثم لا نلبث حتى نجد أن الإدارة لا تزال في مكانها القديم إن لم تكن أبعد منه، وأن المواطن ما زال يحن لوصلها ويمني النفس بقربها وهي تعده بالوصال ثم تبتعد عنه يوما بعد يوم.

 

ولو كانت الإدارة تقترب من المواطن بالأقوال لكانت اقتربت منه وتجاوزته منذ زمن، ولكن هذا التقريب يحتاج إلى خطوات عملية بسيطة أكثر مما يحتاج إلى كثير من الأقوال والنوايا الحسنة؛ فلم نسمع حتى الآن عن إعادة هيكلة إدارية أو مراجعة لتخطيط وتقطيع أي مؤسسة تخدم المواطنين لتكون قريبة منهم بالفعل، فكيف نحاول جعل البعيد - الذي هو بعيد بالفعل - قريبا دون أن نحرك ساكنا من مكانه!

 

اسأل أي مواطن من أبناء الضواحي أو القرى أو الأرياف عن أقرب مركز يمكن أن يرى فيه الإدارة أو يسمعها أو يستخرج وثيقة أو يحصل على خدمة!

 

ولعل السبب في هذا البعد أننا تاريخيا قمنا بنسخ القطع الكبرى فقط من النظام الإداري الفرنسي دون الأجزاء الفرعية، ولم نرث - كما ورث غيرنا من الدول - أي نظام إداري سابق للاستعمار، مثل نظام المخاتير (جمع مختار) الموروث في المشرق العربي عن الدولة العثمانية، ومثل أنظمة رؤساء الأحياء الموروثة عن الأندلسيين ومن تأثر بهم في دول المغرب العربي، التي استطاع بعضها بالجمع بين النظامين أن يصل عقد الإدارة من الوحدة الأصغر إلى الوحدة الأكبر.

 

ورغم كل ما قيل عن تقريب الإدارة من المواطن لا يزال لدينا شعور بأن تقريب الإدارة من المواطن يحتاج إلى تقريب عملي، ولا أرى هذا التقريب ممكنا إلا بتطوير الهيكلة الإدارية لكل القطاعات التي تخدم المواطنين وعلى رأسها الولايات والمقاطعات لتتفرع عنها وحدات إدارية صغيرة وعن تلك الوحدات وحدات أصغر. وأول لبنة يجب وضعها في هذا البناء هي مسؤول الحي الذي يجب اختياره من بين أهل الدراية الإدارية من أهل الحي الذين يعرفونه ويعرفهم كما يعرف أبناءه، على أن توفر الدولة له ظروفا ملائمة تسهل عليه العمل وحل مشاكل الناس، وتعطيه الصلاحيات البسيطة التي يطلبها مجتمعه بشكل يومي ولا تحتاج لقرار إداري أعلى، وتفتح أمامه أبواب الإدارات كلها ليكون عونا لبني حيه وسندا لهم من أجل الحصول على حقوقهم التي باعدت بينهم وبينها الأحوال دون الحاجة إلى شفيع أو وسيط.