على مدار الساعة

" السلف وهم القبول "

1 مايو, 2022 - 16:58
الشيخ محفوظ ابراهيم فال

كان السلف يجتهدون في العمل فإذا أتموه لزمهم هم الخوف من عدم القبول والإشفاق من أن يرد عليهم عملهم قال الله تعالى ؛

 

(( والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون

أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون ))

قالت عائشة رضي عنها ؛

(( أهم الذين يسرقون ويزنون ويشربون الخمر  ويخافون الله فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم ؛

 لا يابنت الصديق  ولكنهم الذين يصلون  ويصومون ويتصدقون ويخافون أن لا يقبل

منهم ؛ أولئك الذين يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون  )) رواه الترمذي وأحمد وغيرهما

 

وكان ابن عمر يقول ؛

(( لو علمت أن الله تقبل مني سجدة واحدة لما كان غائبا أحب إلي من الموت إن الله يقول ؛ إنما يتقبل الله من المتقين ))

فكيف يخاف ابن عمر رد جهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم وصلاته خلفه وصيامه معه وهو من ألزم الصحابة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وأتبعهم له

ولا يخاف غيره ممن هم دونه ودونه ودونه   

وهذه الحالة النفسية من أسبابها صدق الحرص فالحرص كلما اشتد على أمر عظم الإشفاق من فواته وفي المثل (( الشفيق مولع بسوء الظن ))

وتقوى كلما عظم جلال الله في القلب وزالت حجب عيوب العمل ودسائس النفوس عن الإنسان

فيستشعر صاحبها ما يستحق الله جل وعلا من الإحسان فيما يعمل له

والإجادة فيما يراد قربات بين يديه وأنه لا يصعد إليه إلا الكلم الطيب ولا يرفع إلا العمل الصالح  ثم ينظر في عمله فلا يراه كذالك وهذه الحال تنافي حال المعجبين بأعمالهم الذين يَمُنون على الله بطاعتهم  ويُدِلون بعبادتهم

 

ومن أعظم أسباب   القبول  :

_الدعاء

_الاستغفار

وقد حكى الله تعالى عن الخليل والذبيح عليهما الصلاة والسلام ضراعتهما إلى الله أن يتقبل منهما وهما يرفعان أس بيت التوحيد الذي ستحجه فئام المسلمين ويكون وجهة المتعبدين إلى قيام الساعة وبه قام أمر الناس دينا ودنيا كما قال تعالى ؛ ( جعل الله  الكعبة البيت الحرام قياما للناس )

فقالا رغم جلالة العمل ونقائه (( ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ))

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول _ بعد صلاة الصبح _ ؛

( اللهم إني أسألك علما نافعا ورزقا طيبا وعملا متقبلا ) وهذا الدعاء من أجل أذكار الصباح التي يستقبل بها المسلم يومه وهل يحتاج من رزق هذه الثلاث إلى شيء

 

وإذا تذكر الإنسان الآيات الواردة في حبوط الأعمال وإخبار الله تعالى عن أقوام لا يقبل منهم صرفا ولا عدلا وآخرين يجعل أعمالهم هباء منثورا وتأمل أمثلة القرآن في ذلك التي يضربها لأعمال الكافرين والمبتدعين والمرائين ( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ) 

 

حق التأمل عظم إشفاقه وسأل القبول بافتقار واضطرار وكان كبعض مسوقي البضائع الذين نراهم في الأسواق ونرى  مناشدتهم المشترين وتعلقهم بهم وإلحاقهم في التماس الرضا عن بضائعهم التي يخافون فوات فرصتها ويشفقون من الخسارة فيها

 

وأما الاستغفار فسبب ظاهر في القبول ويعبر عن شعور بنقص العمل وهو كذلك دعاء بإزالة موانع القبول ويكفينا من ذلك أن الله جعله خواتم الأعمال

 

فلنكثر من الاستغفار ولنختم بذالك شهرنا الكريم وموسمنا العظيم ولنتبعه به لنستغفر من نقص الإحسان من إخلاص لله ومتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم ولنستغفر مما عرانا من شوائب من لغو ورفث وضعف حضور في القيام ونقص تدبر في التلاوة و و و و و

لنتذكرجلال المعبود ووقاره وعظمته وما يستحق من له المثل الأعلى من الأدب ثم نتذكر نقائص أعمالنا وحظوظ نفوسنا وسخائم صدورنا فنستغفره عساه يقبل البضاعة المزجاة بحلمه وعفوه ويتسامح في الجزاء بفضله ومنه

 

ومن لطائف القرآن أنه يقع التعقيب فيه بالاسمين الجليلين _ الغفور الشكور _ بعد ذكر الحسنات والجزاء عليها

{ ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور

شكور } { الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور } وتارة يقع الحليم بدل الغفور { إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لكم ويغفر لكم والله شكور حليم }

فبالمغفرة تكون المسامحة وبالشكر تكون المكافأة

ولولا المغفرة لاستحق كثير منا العقاب بدل الثواب ولولا الشكر لما كان للبشر جزاء وعلى اي شيء يجازيهم وهل عبدوه إلا بنعمه وتوفيقه وتيسيره وهل تفي عبادتهم بالشكر على النعمة السابقة لها فضلا عن أن تؤهل للجزاء اللاحق عليها أي جزاء كان فكيف بجزاء  لا يدانيها جزاء الخلود في النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول إنه ليس ثمة إلا شكر الشكور ومنة المنان وعطاء من عطاؤه غير محظور

 

" الاستغفار خوايتم الأعمال "

 

وقد شرع الله الاستغفار في خواتيم الأعمال بعد السلام من الصلاة وفي دبرها كما ثبت من قول النبي صلى عليه وسلم وأمره  وفي الأسحار في ختام قيام اليل { والمستغفرين بالاسحار } وبعد عرفة قال الله تعالى للحجيج ؛ { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم }

وأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يختم عمره الحافل المبارك بالاستغفار والتوبة { فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا }

وكانت هذه السورة _ سورة النصر _ نعي رسول الله صلي الله عليه وسلم

كما قال ابن عباس رضي الله عنهما وأقره عمر رضي الله عنه ففهم ابن عباس أن الفتح والنصر ودخول الناس في الدين أفواجا مؤذن باكتمال مهمة معلم الخير وهادي البشر صلى الله عليه وسلم فليختم العمر المبارك بالتسبيح والتحميد والاستغفار  فلزم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في صلاته وترجمه بقوله ( سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي ) يتأول القرآن كما قالت أمنا عائشة رضي الله عنها

 

نسأل الله الغفور الشكور أن يغفر ويتقبل ويثبت ويستجيب

ونسأله كما وفق بمنه وكرمه أن يتقبل بعفوه وحلمه