على مدار الساعة

التعليم في موريتانيا.. انفصام بين الإجراءات والواقع

6 يناير, 2011 - 09:57

الأخبار (نواكشوط) - "إصلاح" في التعليم الأساسي والثانوي ، ونظام جديد في التعليم العالي ، ثانويات للطلبة المتميزين ، ومعاهد عالية بتخصصات حديثة ، إجراءات متعددة لتخريج طلبة قادرين على مواكبة العصر بل وتلبية حاجة سوق العمل..
أما على الواقع ، طلبة ثائرون ، وأساتذة متذمرون ، وجامعة منهكة ، ووزارة متمنعة..
إلى أين يتجه التعليم في موريتانيا؟

 

انعدام العناية والتنسيق

 

الدكتور أبوه ولد أعمر رئيس قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب والعلوم الإنسانية قال في حديث خاص لـ"وكالة أنباءالأخبار المستفلة" إن انعدام العناية والتنسيق الكافيين لصياغة مناهج تعليمية قادرة على أن تواكب متطلبات العصر، أدى إلى تعثرات كبيرة في سير العملية التربوية وهو ما انعكس بشكل مباشر على مخرجات التعليم بالبلد.

وأضاف الدكتور ولد أعمر وهو أستاذ تعليم عالي ومؤلف لكتاب "مناهج التعليم العالي بموريتانيا وإشكالية العصرنة" أن التعليم في موريتانيا في مرحلة ما قبل الاستقلال كان يعتمد على التعليم المحظري، وأنه في تلك القترة أحدث إشعاعا علميا فريدا طار - بموجبه وبفعل العلوم الغزيرة التي نشرها علماء البلد آنذاك في جميع أقطار العالم - صيت بلاد شنقيط ، حيث كان علماء البلاد آنذاك سفراء حقيقيين لبلاد المنارة والرباط.

أما في المرحلة النهضوية والتي بدأت مع الاستقلال،- يضيف ولد أعمر- فقد دخل التعليم معها منعطفا جديدا ساير الدخول الخجول للمدرسة العصرية الحديثة إلى البلاد نتيجة لأن النفوس الآمرة بالثقافة القديمة لم تستوعب آنذاك - بما فيه الكفاية - النظام التعليمي الجديد مما أدى إلى حالة من عدم الانسجام في العملية التربوية وبالتالي شابتها تعثرات متعددة.

 

تصنيف لمراحل التعليم

 

وصنف الدكتور أبوه ولد أعمر مراحل التعليم إلى مرحلتين أساسيتين أولهما مرحلة ما بعد الاستقلال إلى الثمانينات وهي المرحلة التي قادتها مجموعة خاصة من المتسلحين بالثقافة المعاصرة ، من الناطقين باللغة الفرنسية ، فانفصم فيها التعليم عن التوجه العام وسار على نهج من تعلموا تعليما معاصرا بلغة أجنبية هي اللغة الفرنسية.

وذكر ولد أعمر أنه في هذه الفترة حرمت مجموعة كبيرة من الاستفادة من التعليم المعاصر قبل أن تأسف لا حقا على هذا الحرمان وتعود لتقبل إقبالا لافتا على التعليم المعاصر محاولة الاستفادة منه ، وذلك بعد أن غيبت نفسها - بحكم نظرتها الخاصة إلى التعليم "المفرنس" - فغيبها التاريخ يقول ولد أعمر.
هذا قبل أن تتدارك الأمر في فترات لاحقة محاولة الاستفادة من التعليم المعاصر لكن بثقافة قديمة أيضا.

وأوضح الدكتور ولد أعمر أن الازدواجية التي قامت عليها خطة التعليم في فترة الثمانينات ، حالت دون استيعاب العملية التعليمية من طرف البعض وهو ما نتجت عنه استفادة محدودة ، حيث أن العنصر العربي استفاد بنسبة أكبر ، حيث بعد أن استطاع أن يستوعب اللغة العربية ويكمل النقص في اللغة الفرنسية ، أما العنصر الزنجي فكانت استفادته محدودة بفعل فشله في استيعاب اللغة العربية فتركزت استفادته على اللغة الفرنسية حيث تكون تكوينا "مفرنسا" بحتا دون أن يحصل على أدنى مستوى في اللغة العربية.

 

مستويات ضعيفة

 

أما المرحلة الثانية والجديدة – يقول ولد أعمر - فهي مرحلة التسعينيات (إصلاح 99) والذي يشهد هذا العام أول تطبيق له على مستوى الباكلوريا ، قائلا إن هذا الإصلاح لم يكن متفاعلا مع الجميع وذلك لأنه يراد له أن يكون فرنسيا بحتا أو - على الأقل - أن يكون التلاميذ يتكونون تكوينا موحدا باللغتين العربية والفرنسية أي يدرسون المواد العلمية باللغة الفرنسية والمواد الأخرى المتبقية باللغة العربية ، الشيء الذي أفقد هذا الإصلاح مردوديته.

فالتعليم - يقول الدكتور ولد أعمر - يجب أن يقوم على لغة واحدة ، ولتكن هي لغة التكوين ، أما اللغات الأخرى فينبغي أن تفرض بمستويات أقل ، أو حسب الاختيار.

وعن انعكاسات الإصلاح الجديد على مستويات التلاميذ قال الدكتور أبوه ولد أعمر إن مستويات التلاميذ بدأت تضعف مع الإصلاح الجديد وأن الأمر يرجع أساسا إلى محاولة تكوين التلاميذ بلغتين مختلفتين هما الفرنسية والعربية ، كلغتان أساسيتان في تكوين التلميذ.

أما على مستوى التعليم العالي فقال الدكتور ولد أبوه إن التلاميذ الذين يصلون الجامعة ، يصلون إليها وقد مروا بمراحل ضعف قوية وبمستويات متدنية للغاية في مرحلة الثانوية، ثم بعد ذلك يصطدمون بالواقع المزري الذي تعيش على وقعه الجامعة العتيقة ، حيث انعدام الوسائل والبنى التحتية وهو ما يزيد الطين بلا ، ويصعب معه تخريج طلاب جامعيين قادرين على تلبية متطلبات سوق العمل.

 

انعدام البنى التحية

 

ينضاف إلى ذلك - يقول ولد أعمر - جملة المشاكل البنيوية الأخرى التي يعاني منها التعليم العالي بموريتانيا ،والتي من أبرزها - يقول الدكتور - مشكل الاكتظاظ الذي تعاني منه الجامعة الوحيدة بالبلد ، حيث أنه في النظام التعليمي القديم كانت المدرجات الجامعية يحشر فيها من 1000 إلى 1500 طالب ، وهو ما يحد من استفادة هؤلاء الطلاب من المحاضرات المقدمة لهم ، وهي نفس الظروف التي لا تزال ماثلة حتى بعد تطبيق النظام التعليمي الجديد (نظام L.M.D)، فبالرغم من الضغوط التي مورست على التلاميذ لإلزامهم بالحضور ومتابعة فترة التكوين أولا بأول ، إلا أن جانب الاكتظاظ لا يزال يلقي بظلاله على العملية التربوية حيث أنه بالرغم من أن استراتيجية النظام الجديد بنيت على أساس أن لا يزيد عدد الدارسين في القاعة الدراسية الواحدة عن 25 إلى 30 طالبا ، وهو العدد الذي تلزم به الجامعات المتعاقدة مع جامعتنا ، إلا أن شيئا من ذلك لم يحصل حتى الآن ، حيث أن القاعة الدراسية بالجامعة تستقبل الآن من 100 إلى 110 من طلاب.

وقال ولد أعمر إن الدولة من جانبها ساهمت في حل معضلة الاكتظاظ حيث وفرت عدة ملاحق للكليات الأربع ، لكن الأمر يتطلب أكثر من ذلك حيث أن موريتانيا لم تعد تكفيها جامعة واحدة لاستقبال أفواج التلاميذ الراغبين في الاستفادة من التعليم العالي في بلدهم.

 

حلول مقترحة

 

وقال الدكتور أبوه ولد أعمر إن عصرنة وتطوير التعليم في موريتانيا يجب أن ينطلق من اعتماد منهج دراسي شامل يراعي مجالات التخصص وفقا لاحتياجات التنمية الوطنية ، والعمل على دراسة وتحليل برامج بعض البلدان الأكثر نجاحا وشهرة في العالم لغرض مجالات خدمة المناهج التعليمة ، مضيفا أن التعليم العالي يجب أن يركز بشكل أساسي كباقي الجامعات في الدول على تأهيل التعليم العالي لاستيعاب كافة الطلاب الذين يمتلكون القدرة على تحمل أعباء الدراسات الجامعية ، وفقا لما يتماشى وميولهم العليمة من الاختيارات المتعددة ، وأن يتعرف نظام التعليم على احتياجات التنمية ، حتى يتمكن البلد من الحصول على كوادر بشرية مؤهلة ، وتشجيع ورعاية الطلاب المتفوقين ، كما يجب توفير مصادر المعلومات الموثقة علميا وتقنيا ، وأن تسمو العلاقة بين الطالب والمدرس في إطار السلوكيات الحميدة على أساس الإخلاص والاحترام وفقا للأعراف الجامعية المتميزة.
كما طالب ولد أعمر بضرورة وضع استراتيجية شاملة تمكن من المساهمة بشكل فعلي في إخراج التعليم من الوضعية الصعبة التي يعيشها حاليا ، مضيفا أنه لكي يصل التعليم في موريتانيا إلى أهدافه يجب أن ينطلق من المسلمات التالية:
- أن يكون التعليم وطنيا يسعى القائمون عليه إلى استمراره مدى الحياة
- أن تراعى فيه ضرورة التسلسل والترابط بين مراحله المختلفة ، بحيث يتم الإعداد الجيد لكل مرحلة.
- التمسك بالهوية الوطنية والتوازن مع أخذ ما تمليه العولمة في عصرنة التعليم بعين الاعتبار.
- فتح آفاق التعاون الدولي لما له من أهمية في مجالات التطوير وتبادل الخبرات .
- تكوين الطالب وبناء شخصيته المتكاملة.
- التكوين الجيد للطلاب في المرحلتين الأساسية والثانوية
- إتاحة فرص التعليم للجميع مع إلزامية استمرارها .
- مسايرة حركة التنيمة العالمية.
وقال ولد أعمر إنه يجب استغلال التعليم العالي على وجه الخصوص كقطاع فعال في التنمية ، مما يحتم على المشرفين على العملية التربوية في البلد العمل على تأهيل الطلاب وتنمية قدراتهم العلمية حتى "نتمكن من الوصول إلى تنمية اقتصادية شاملة" ، كما طالب بمنح عناية خاصة للأجهزة الإدارية بمؤسسات التعليم العالي والعمل على تفعيلها وتطويرها.
 

من جهة أخرى قال الأمين العام للاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا محمد سالم ولد عابدين إن التعليم يعش حاليا أصبع فتراته ، مطالبا بتحرك وطني شامل لإخراج "التعليم من عنق الزجاجة" مضيفا أن المناهج المعتمدة حتى الساعة في مؤسسات التعليم العالي بموريتانيا مناهج قديمة تم تجاوزها في مختلف جامعات العالم منذ عشرات السنين ، وتحدث ولد عابدين في لقاء مع وكالة أنباء "الأخبار" عن غياب شبه تام للكتاب الجامعي وانتشار الفوضى داخل الجامعة وعدم الشفافية في اكتتاب الأساتذة المناسبين ، وغياب مراكز البحث العملي وضعف شديد في البنية التحية رغم وجود مؤسستين فقط للتعليم العالي هما جامعة نواكشوط والمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية ، يضيف ولد عابدين .
وطالب ولد عابدين بضرورة وضع إشكال مناهج التعليم في البلد بشكل واضح وملح على طاولة النقاش خلال الأيام التشاورية للتعليم التي تنوى الحكومة تنظيمها الأشهر المقبلة.