على مدار الساعة

نهاية ليغيت... بداية تكشٌف خطوط الجاسوسية والتنصير

22 ديسمبر, 2011 - 09:57

الأخبار (انواكشوط) - أصدرت محكمة الجنايات بنواكشوط يوم الثالث عشر أكتوبر 2010 حكما بالسجن سنتين نافذتين في حق المتهم عبد القادر الجزائري "أبو حمزة" بتهمة التخابر مع جهات أمنية خارجية على رأسها المخابرات الإيطالية ، حيث كان يتابع نشاط المسلمين الغربيين الذين يصلون المحاظر الموريتانية لدراسة العلوم الشرعية ، وقد اعتقل المتهم بعيد مقتل الأمريكي اكريتستوف ليغيت حيث كان يعمل معه سكرتيرا عاما في منظمته "نور للمعلوماتية".

كانت هذه حلقة واحدة من عدة حلقات تداخلت فيها الجاسوسية والتنصير في موريتانيا، وتعقدت خيوطها، وقد تكشف أول خيوطها بعيد مصرع الأمريكي اكريستوف ليغيت يوم التاسع عشر يونيو 2009 في مقاطعة لكصر وسط العاصمة نواكشوط، مما كشف عقدا، وأوضح خيوطا تتناولها هذه الحلقة الرابعة من ملف "المسيحية والتنصير في موريتانيا" بعد توقف بسبب ضغط إعداد ملفات أخرى (الاستقلال) وتعميق البحث في بعض جوانب الملف.
 

بعيد اغتيال الأمريكي اعتقل الأمن الموريتاني الجزائري عبد القادر والذي كان يعمل مع ليغيت في منظمته "نور للمعلوماتية"، وهي علاقة كان لكلا الطرفين تفسير لها، فالجزائري يبررها بالاستعانة بالأمريكي في مؤلف كان يسعى لإنتاجه عن الخلافات المذهبية بين البروستانت والكاثوليك ، يرى أنه كان سيكشف الكثير من الأمور التي تكشف لأول مرة ، بينما على الجانب الآخر يوفر له العمل مع الأمريكي مصدرا ماليا يغطي "المصادر المالية" غير المباشرة لعبد القادر ، أما الأمريكي فقد استفاد من العلاقات مع الشاب الجزائري وخبرته "الخارقة" في المجتمع الموريتاني ، حيث إن له "أنظاما" في عادات المجتمع الموريتاني ، كما له محاولات أدبية متقدمة في إنتاج الأدب الشعبي الموريتاني ، كما استفاد من قدرته على "نسج" العلاقات مع الشباب الموريتاني ، وإن كانت علاقاته أوسع انتشارا وسط الشباب الأكثر تدينا "نوعا ما" إذ كانت علاقاته تتجه أكثر إلى الأوساط المحظرية وطلابها.

ظلت العلاقات بين الطرفين تسير بشكل اعتيادي ، فكل طرف يجد في الآخر ما يريد ، غير أن الأيام كانت تخبئ لهما ما لا ينتظرانه ، حيث تعرض الأمريكي لمحاولة اختطاف من قبل عناصر من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ، وقد أبدى مقاومة عنيفة لهما ، مما دفعهما لقتله برصاصات ، أودت بحياته ، وأوقعت عدة رؤوس كبيرة في مجالي التجسس والتنصير في موريتانيا ، كان من أولها الجزائري عبد القادر أبو حمزة ، الذي اعتقلته أجهزة الأمن الموريتاني لأسبوع ، وأطلقت سراحه قبل أن تعيد اعتقاله ويبدأ رحلة المحاكمة التي انتهت بالحكم عليه سنتين نافذتين.
 

جونسون أبرز الجواسيس 

 

وجد الأمن الموريتاني بحوزة الأمريكي ليغيت لوائح لعدة أشخاص منهم موريتانيون وأجانب ، وقادتهم هذه اللوائح لاكتشاف شبكات تنصير وتجسس كانت تنشط في العاصمة ، وتتعدد اهتماماتها وأهدافها الاستخباراتية والتبشيرية ، بين السياسية والدينية وحتى "التنافسية" على تمثيل المنظمات العالمية المتهمة بالتبشير بالمسيحية.

من أبرز الجواسيس "المنصرين" كان الأمريكي تيم جونسون ، والذي قدم معلومات "مهمة" للأمن الموريتاني عن عدد من الأشخاص المتهمين في ملف "التنصير" وقد قام "بخدمات" مهمة في هذا المجال ، وقد تمكن "جونسون" من خلال إدارته "لمكتبة" قرب كنيسة نواكشوط ، إضافة لعمله في وكالة سفريات كان يملكها في نواكشوط ، من جمع العديد من المعلومات ، ولم يكن "يضن" على الأمن الموريتاني بما يريده من معلومات عن "زملائه" في المهنة التنصيرية والاستخبارية ، دون أن يكون هناك دليل على أن الأمن الموريتاني كان الطرف الوحيد الذي يستفيد من معلومات جونسون ، والذي قادت معلوماته إلى توقيف عدد من الموريتانيين المتعاونين مع المنظمات التنصيرية.

فقد أبلغ جونسون الشرطة بأن مجموعة من الشبان الموريتانيين تنشط في مجال التبشير من خلال التعاون مع منظمات تبشيرية أجنبية. وكشف جونسون عن تقدم الشباب الموريتانيين أمامه (في 11-6-2009) بشكوى من اكريستوف ليغيت لكنه لم يتحمس لطلب الشرطة استدعاء الشبان الموريتانيين لاجتماع في بيته من أجل اعتقالهم في حالة تلبس.
 

وضمن المعلومات التي زود بها الأمريكي الأمن الموريتاني نشاطات المواطن الفرنسي دومينيك العامل في منظمة "الأبواب المفتوحة" (التي وزعت 12 ألف نسخة من الإنجيل في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء سنة 2008 حسبما أعلنت رسميا) الذي يزور موريتانيا زيارات متعددة يقيم خلالها مع الأمريكي "تود" ويلتقي بشبان أوقفهم الأمن الموريتاني لاحقا بتهمة التنصير. كما يمول دومينيك ، طبقا لأقوال جونسون ، مشاريع صغيرة ويشرف شخصيا على ملتقيات للتدريس في مجال التنصير كما حصل أن دعا شبانا موريتانيين لدورات تكوينية في المغرب والسنغال في ذات امجال. وغالبا ما يؤدي دومينيك أنشطته دون أي إشعار لزملائه الأمريكيين الناشطين في مجال التبشير وهو أمر كان موضع تحفظ من طرفهم.

تعاون جونسون مع الأمن الموريتاني سمح أيضا بالكشف عن نشاط المواطنة الأمريكية "راي" والنيجيري "أمانويل" العاملين في منظمة "اكريستيان أيد" اللذين زارا موريتانيا مرارا ونظما ملتقيات تكوينية في مجال التبشير داخل موريتانيا ومولا مشاريع من ضمنها مشروع بدار النعيم وأشرفا على تنظيم رحلات خارجية لشبان موريتانيين.

كما نجح الأمن الموريتاني في تجنيد مواطن مصري كان على علاقة وطيدة بالمنظمات التنصيرية الناشطة في موريتانيا ، كما كان منخرطا بشدة في الخلافات الداخلية بين ممثلي المنظمات العالمية العاملة في هذا المجال.

 

المواطن المصري عزت ومن خلال عمله في مكتبة قرب جامعة نواكشوط ، كان يدير منها عملياته في نسج العلاقات ، وتتبع أعمال الشبكات الشبابية التي أقامتها المنظمات التنصيرية العاملة في موريتانيا ، كما كشف عددا من "الشكاوى" التي تقدم بها شباب موريتانيون ضد الأمريكي ليغيت ، والذي اتهمهم بعدم الجدية والارتزاق ، وراسل بشأنهم منظمة "اكريستيان أيد" وجهات عدة كانت تعتمد عليهم في تنفيذ أجندتها داخل موريتانيا ، وخصوصا توزيع الإنجيل مكتوبا ومسموعا ، في أحياء العاصمة نواكشوط.

رابع ضحايا مصرع "ليغيت" كان المواطن العاجي سامبليس وهو موظف في هيئة "نور للمعلوماتية" المملوكة لليغيت ، وقد استعان به الأمن الموريتاني لكشف خيوط "الخلاف" الدائر بين المنظمات الأمريكية العاملة في موريتانيا ، وكذا بين الأمريكيين والبرازيليين والفرنسيين ، وكانت محاور الاختلاف بين الأطراف متعددة ، يتداخل فيها المذهبي بالسياسي والأمني.

تبدو العلاقة بين ملفي التنصير والجاسوسية في موريتانيا متداخلة إلى حد التشابك. وأغلب المعطيات المتوفرة لا توفر إجابات بقدر ما تثير أسئلة ، فهي تكشف جانبا من حياة الأشخاص محل الدراسة ، أو جانبين ، وتمنح تصورا عن النشاطات البارزة التي كانوا يقومون بها ، دون أن يعني ذلك نفي نشاطات أكثر في الجوانب الأخرى من حياتهم ، أو ازدواجية في العمل والاهتمام ، وحتى في الشخصية.

وتبين المعطيات وجود شبكات كانت –وربما لا تزال- تدير عملا جبارا يسعى لأهداف عديدة ، فيها الأمني والديني والسياسي والمالي ، وتعرف تنافسا وصراعا مستمرا ، كما تسعى –بشكل دائم – أن يظل العمل والصراع بعيدا عن الأعين ، لأن انكشاف أي جزء منه يعني خسارة الجميع ، ولعل مصرع ليغيت كان دليلا ساطعا على ذلك.