على مدار الساعة

"مكتب التسجيل"... نقطة العبور إلى العالم الآخر

13 أكتوبر, 2010 - 09:57

الأخبار (نواكشوط) - يهتم ولد محمدن بتوضيح أن أكبر مقابر نواكشوط "مقبرة رحمة" فسكانها لا يتحولون إلى أشباح في الليل، بل إن جوارهم قد يكون أفضل من جوار كثير من الأحياء.

من يتجول داخل المقبرة يشعر وكأنه "يتجول في مخيم عادي" والعاملون هنا ألفوا المكان ولم يعودوا يشعرون بالوحشة والرهبة وهم يمارسون أعمالهم من تسجيل للموتي وحفر للقبور وإعداد للافتات الخرصانية التي تبين أن هذا القبر للمرحوم فلان أو علان، هكذا يشرح محمد ولد محمدن، الرجل الخمسيني الذي يحتفظ بسجلات من غادروا إلى العالم الآخر في نواكشوط خلال الـ14 عاما المنصرمة.

أسباب ولد محمدن للدفاع عن عمله وعمل رفاقه عديدة أبرزها الشائعات التي تظهر في الصحف الموريتانية بين الفينة والأخرى حول المقبرة من قبيل أن حية أحاطت بإحدى الجنائز ومنعت ذويها من دفنها" "كل هذه إشاعات لا أساس لها من الصحة" كما يؤكد ولد محمدن في حديثه مع موفد "الأخبار".

 

عمل "منبوذ"

 

قدم ولد محمدن إلى مقبرة الرياض منذ تسعينيات القرن الماضي وبالضبط سنة 1996 للميلاد، بعد تعيينه من المجموعة الحضرية مسؤولا عن مكتب التسجيل فيها ومنذ ذلك الحين وهو يزاول عمله حتى أصبح جزءا لا يتجزأ من حياته اليومية ومحطة هامة من محطات مسيرته العملية التي بدأها كمزارع ثم تاجر في مناطق مختلفة من أرض الوطن فسكرتيرا في مفتشية التعليم وأخيرا مسؤولا عن ضبط وتسجيل الأموات في مقبرة الرياض. لكن هذا العمل الذي قبلت به "يعد بطبيعة الحال عملا غير مرغوب فيه عند عامة الناس وقد امتنع عنه أكثر من 200 شخص عن قبول هذه الوظيفة" كما يقول.

ولا يجد ولد محمدن غضاضة في أن يكون مصدر عيشه على علاقة مباشرة بالأموات وضبط سجلاتهم ويضيف "رغم كل ذلك قبلت به كعمل شريف له أجره في الدنيا – رغم تدنيه حيث يتراوح بين 35000 و40000 أوقية- وله في الآخرة أجر عظيم إن شاء الله".

و يؤكد ولد محمدن - بحكم تجربته - أن هذا العمل صعب ويحتاج مزيدا من اللباقة والحنكة وحسن التعامل من أجل تأديته على أكمل وجه ودون صدام مع ذوي الموتى. "إنك ببساطة تتعامل مع أشخاص منهم من يأتي وهو مهموم وحزين وأحيانا في حالة هستيرية يرثى لها بعد فقد أحبائهم، بالتالي يحتاجون منك مزيدا من اللباقة في التعامل معهم وحنكة زائدة حتى تتمكن من إكمال إجراءات دفن جنازتهم واستدراجهم لتحصل على معلوماتهم الشخصية ومعلومات المتوفي" كما يشرح ولد محمدن الذي يعترف بأن "معايشة سجلات الموتى وعملية تنظيمهم وضبط المعلومات بداخلها أمر من الصعوبة بمكان".
 

 

إجراءات التسجيل

 

ولا يجد ولد محمدن حرجا في شرح طبيعته عمله المثير كلما سأله سائل. "أنا هنا أعمل كمراقب على هذه المقبرة أضبط كل الأموات الذين يراد دفنهم فيها حيث أعمل على تسجيل بياناتهم الشخصية )الاسم الشخصي للميت وتاريخ ميلاده وسبب وفاته( في السجلات التي بحوزتي، معتمدا في ذلك على "وثيقة سحب الجثة" التي يمنحها المستشفى للميت أو على البيانات المتوفرة لدى الجهة المسؤولة عن الجثة التي غالبا ما تكون فردا من أفراد عائلة الميت، وأيضا - يقول ولد محمدن- أضيف إلى ذلك البيانات الشخصية للمسؤول عن الجنازة وبعد انتهاء علية التسجيل أضم دفتي السجل وأسمح لأصحاب الجنازة بدفنها بعد أن أعطيهم كل أدوات الدفن على أن يعيدوهم إلي بعد انتهاء الدفن.

لكن هذه الإجراءات –كما يشرح ولد محمدن - خاصة بالأموات القادمين من المستشفيات وهوياتهم معلومة أما الأموات القادمين إلينا من جهات أخرى وهم غالبا من مجهولي الهوية فيحتاجون جملة من الإجراءات أبرزها إبلاغ المجموعة الحضرية لتسجيل حالة الجنازة، ومعاينة من وكيل الجمهورية، ومعاينة من الطبيب قبل أن تمر الجنازة أخيرا بمكتب التسجيل بالمقبرة ليتم تسجيلها بوكالة المجموعة الحضرية ثم يتم دفنها.

ويضيف "هذه الحالات كثيرة لكن غالبا ما تكون حالة عادية وتتسبب فيها غالبا حوادث المرور وحوادث القتل وغيرها".

 

مشاكل ومعوقات

 

ويرى ولد محمدن أن عمليات التسجيل هذه تعتريها جملة من المشاكل والمعوقات من أهمها صعوبة الحصول على المعلومات الكافية. "فالعرب الموريتانيون مثلا فوضويون بطبيعتهم ولا يؤمنون بالتوثيق ولا يهتمون به عكس إخوتهم من الأفارقة الزنوج، وكذلك فإن المستشفى لا يسجل كل المعلومات الشخصية للميت على "وثيقة سحب الجثة" بل يكتفي غالبا بالمعلومات الأساسية وهذا يعيق عملية التسجيل بطبيعة الحال" يقول ولد محمدن. "لكن بمزيد من التحري في ضبط المعلومات والقدرة على جمعها يتم التغلب على هذا المشكل" كما يضيف.

وينفي ولد محمدن وجود ضريبة من أي نوع على دفن الأموات في المقبرة مشيرا إلى أن الحكومة توفر أغلب الوسائل التي يحتاج إليها في دفن الميت وكذلك بعض المحسنين "الذين غالبا ما يأتون وهم ملثمون ويحملون معهم بعض أدوات الحفر فيضعونهم هنا ويذهبون لحال سبيلهم".

ويشير ولد محمدن إلى وجود بعض النواقص الأخرى أبرزها انعدام الكهرباء في أكبر مقابر موريتانيا التي تغرق كل ليلة في الظلام الدامس. لكنه ينبه أيضا إلى انعدام الماء فرغم كون المجموعة الحضرية تتولى توفيره إلا أنه غالبا ما ينفد "وحينما نتصل لتوفيره نجد أن الصهريج الذي ينقله متعطل لسبب أو لآخر لذا نطالب بتوفير الماء والكهرباء بشكل أكثر سلاسة".