على مدار الساعة

مصطفى الشافعي: الرجل الذي يهمس في أذن "القاعدة"

12 سبتمبر, 2010 - 09:57

الأخبار (نواكشوط) - برز اسمه في الإفراج عن الرهينتين الأسبانيين، كما برز أيضا لدى تحرير الكنديين العام الماضي. إنه مستشار الرئيس البوركينابي ابليز كومباوري الذي يلعب دور الوسيط لدى الأمير مختار بلمختار. فيما يلي صورة عن واحد من رجال الظل.

بأوجه متعبة لكنها مستبشرة، يجلس الرهينتان الأسبانيان لالتقاط صورة تذكارية في 23 من أغسطس. بعد 9 أشهر من الأسر في يدي الجزائري مختار بلمختار، أحد أمراء "القاعدة في المغرب الإسلامي"، يتقاسم الرهينتان أولى لحظات الحرية مع شخص ثالث، ذي ملامح سمراء وشعر أشيب قصير يوحي بالفرح بتحقيق الهدف. لكنه ليس وجه أحد الناجين، فخلف تلك الابتسامة، العابثة والمراهِقة شيئا ما، يجب أن نقرأ أمارات رضا الوسيط الذي أنجز المهمة.

مصطفى الشافعي (50 عاما) ذو الجنسية الموريتانية ومبعوث الرئيس البوركينابي إلى النزاعات الأفريقية منذ خمسة عشر عاما، هو مهندس تحرير الرهائن الأسبان. منذ اختطافهما في موريتانيا في نوفمبر 2009، سافر مرات عديدة في سيارة رباعية الدفع عبر مملكة مختار بلمختار المجهولة، الموجودة في مكان ما من مالي. لقد استمع إلى طلباته وبحث معه عن أرضية مشتركة. وفي واغادوغو حيث يقيم مع زوجته وأطفاله الأربعة، كان يطلع رئيسه ابليز كومباوري على التطورات. ذات يوم، حصل من الخاطفين على وعد بأن لا يتم إعدام الرهائن. لكن سبعة مقاتلين من "القاعدة" في المغرب الإسلامي لقوا مصرعهم، في 23 يوليو، في غارة عسكرية شنتها موريتانيا وفرنسا، وبات انتقام "القاعدة" يلوح في الأفق. حينها أسرع مصطفى الشافعي، الذي كان موجودا في مكة، نحو الصحراء.

وقد سمحت النهاية السعيدة للقضية للرئيس البوركينابي ابليز كومباوري أن يرسخ قدميه أكثر في الدور (المثير للجدل) الذي يلعبه كساع إلى التهدئة في المنطقة. أما مصطفى الشافعي فقد استعاد، وعن جدارة، لقب "رجل الصحراء" التي خبرها منذ أمد بعيد. ولد في نواكشوط سنة 1960 لأبوين ينحدران من منطقة "العصابة" جنوب شرق موريتانيا. ترعرع بين زيندار وانيامي في النيجر. كان والده، لمام الشافعي، الذي يرأس اليوم المجلس الوطني لحزب تكتل القوى الديمقراطية الموريتاني، يمارس هناك تجارة نصف الجملة في التمر والملابس والشاي... عام 1974، ومع الإطاحة برائد الاستقلال في النيجر حماني ديوري، وجد والده نفسه من المغضوب عليهم. ويومها عادت العائلة إلى الوطن الموريتاني.

أثناء هذه التنقلات، تعلم الفتى اللغة الطوارقية "التاماشق" (كما يتحدث أيضا لغات البامبارا والهوسا والوولوف)، وهو أمر لا غنى عنه من أجل ربط صلات داخل معاقل "القاعدة". "إنه يعرف الجميع كما يجب، وبوسعه أن يكتشف أفضل الوسطاء" كما يقول أحد أصدقائه. أصوله تساعده أيضا فهو ينتمي إلى قبيلة "تجكانت"، وهي قبيلة من الزوايا اشتهرت بممارسة التجارة، ويمتد حضورها من نواكشوط إلى مكة. ويستغل الاحترام والنفوذ الذي تتمع به على سكان الصحراء للوصول إلى مقاتلي "القاعدة في المغرب الإسلامي".

 

الشخصية المثيرة

 

لكن لا بد مما هو أكثر من عشق الرمال من أجل تليين موقف مختار بلمختار. كان يعتمد على "مهارته وقوة قناعته" كما يقول أحد المقربين منه. لكنه يعتمد بشكل أخص على دعم ابليز كومباوري وقدرته على الوصول إلى التسويات الصغيرة التي يقترحها الشافعي. تبادل السجناء، على سبيل المثال، أوكل الأمور التي تحصل خلال عمليات خطف الرهائن ويتم حفظها للأبد في درج أسرار الدولة.

ولم يكن تحرير الرهائن الأسبان إلا آخر غزوات المبعوث الخاص إلى مختار بلمختار (حيث إن ولد الشافعي لا يتدخل أبدا لدى أبي زيد، منافس بلمختار). عام 2009 كان يباشر مناورات لدى زعيم القاعدة انتهت بإطلاق سراح الدبلوماسيين الكنديين، لكنه كان يعمل في الظل في تلك الفترة. أما اليوم فيمنحه دوره شهرة واحد من الإسلاميين. ولكنه رجل "يحب الحياة" كما يقول ماني أنصار، مدير "مهرجان الصحراء". ولا تشبه الحياة اليومية للشافعي بالضبط حياة المتزمتين. لقد جز ضفائره منذ أمد بعيد، لكنه لا زال يستمع إلى موسيقى "الريجيه" الجامايكية. ذو فكاهة لا تفارقه ويتردد على بارات "واغادوغو" لكن ليس بعد منتصف الليل. مسلم ملتزم (لا يتناول ولا قطرة من الحكول)، ذهب إلى مكة بداية سبتمبر من أجل العمرة. ومن بين الكتب التي يسافر بها كتاب "الهدنة" لمؤلفه الإيطالي بريمو ليفي الناجي من محرقة اليهود.

لكن شخصيته مثيرة وتبعث على الرهبة. "مرتزِق" "متحفظ" "مشاكس" لا يثق فيه بعض أتباع الدبلوماسية غير الموازية. "لم أقتل يوما أحدا. ولن أفعل" هكذا يدافع عن نفسه قائلا إنه يجد نفسه "دوما إلى جانب المضطهدين".

يبعث ماضيه على عدم الثقة، فالأمر يتعلق باستعادة الاضطرابات في أفريقيا منذ 1980. في بداية ذلك العقد، دعم الشاب مصطفى غوكوني ودي وجبهته الوطنية لتحرير اتشاد. "كانت تلك بالنسبة له حربا ضد الإمبريالية، ويعود التزامه إلى ذلك التاريخ" كما يشرح صديق له. كان ودي مقربا من القذافي، الذي صار يومها بطل الوحدة الإفريقية. اكتشف الموريتاني "الذي مسه شيطان إفريقيا" طرابلس، و"القائد" والمحيطين به، حسب أحد العارفين به. تدهورت علاقاتهم بعد ذلك، لكن، في ذلك الوقت، قادوه إلى بوركينافاسو (يوم كان اسمها "فولتا العليا"). كان القذافي يؤيد بالسلاح الثوار تحت قيادة توماس سانكارا. وكان مصطفى يقوم بدور الوسيط بين طرابلس وواغادوغو، حيث التقى زعيم البلاد الجديد والرجل الثاني فيها... المقدم ابليز كومباوري. اختلف مع كومباوري بعد اغتيال سانكارا سنة 1987 لكنه التقاه عام 1995 ليظلا معا منذ ذلك الحين. في ذلك العام، وبعد رحلة عبر الصحراء (بالمعنى المجازي هذه المرة) وجد مصطفى الشافعي نفسه من جديد وسيطا بين المتمردين الطوارق بقيادة مانو داياك، وهو صديق له في الطفولة، والسلطات النيجيرية. وتم توقيع اتفاق السلام في واغادوعو حيث التقى بكومباوري. "شرحا الأمور بشكل مطول وتم التخلص من سوء التفاهم" كما يشرح مصدر موريتاني.

منذ ذلك الحين يبعث به "ابليز" إلى كل الجبهات لتعزيز نفوذ بوركينافاسو. في مايو 1997 حط لوران ديزيري كابيلا في كنشاسا بعد أن أطاح بالمارشال موبوتو. ظهر مصطفى الشافعي على سلم الطائرة خلف الثائر العجوز. عام 2005 رأيناه في التوغو من أجل التقريب بين الأطراف أثناء الاقتتال الدامي على خلافة الجنرال أياديما. بداية 2009، ومباشرة بعد انقلاب داديس كمرا، حل بغينيا من أجل فرض بوركينافاسو كوسيط. كان يعول على "أخيه" آلفا كوندي، المعارض العنيد لنظام شيخو توري. أما ملفه الأكبر فهو ساحل العاج حيث كان قناة الاتصال بين ثوار الشمال وبين كومباوري.

 

"رسول" في بلده

 

أما في موريتانيا فالمعادلة مختلفة، فولد الشافعي يعمل فيها لحسابه الخاص وليس في خدمة أحد ويتوصل بالأخبار رغم البعد. لم يغفر للرئيس محمد ولد عبد العزيز إقدامه على الإطاحة بأول رئيس منتخب ديمقراطيا، سيدي ولد الشيخ عبد الله. يومها، وبعد انقلابه، أرسل "عزيز" مبعوثين يطلبون دعمه لكنه رفض. كان بوسعه أن يكون حليفا ذا وزن كبير، فبين شوطي الرئاسيات في 2007 عمل على التقريب بين مسعود ولد بلخير و"سيدي". ولكنه أيضا عدو لدود. ففي يونيو 2003 نجا ولد الطايع من محاولة انقلاب. وقد تمكن ولد الشافعي من إخراج الانقلابيين من البلاد، رغم أنه ينفي دوما صلته بتنظيم الانقلاب.

إلام يسعى هذا المسافر الأبدي الذي يعترف له بعض المقربين منه، تحت وقع الإعجاب أحيانا، ("شخصية روائية" كما يقول أحدهم) بالوفاء في الصداقة؟ "هو اليوم جندي جيد، لا يدافع عن أيديولوجيا وإنما يعمل لصالح ابليز كومباوري. هذا كل شيء" كما يقول صديق له. أيريد المال؟ إنه لديه وهذا أكيد، ويتقاسمه مع الآخرين. "ففي وغادوعو كما في موريتانيا يعتمد عليه كثيرون في أرزاقهم" كما يقول آخر. أيريد السلطة؟ إنه يرفضها، لكنه لن يبتعد عنها أبدا.

ـــ ماريان مينييه (جون آفريك، 12-9-2010)
ـــ ترجمة: وكالة "الأخبار" الموريتانية المستقلة