على مدار الساعة

انبيكت لحواش: ميلاد مقاطعة على مسطح رمل رخو

4 يونيو, 2010 - 09:57

الأخبار (انواكشوط) - ثلاث ساعات ونصف من السير الوئيد لعابرات الصحراء رباعية الدفع وذات الجودة العالية توصلك إلى حيث تقررت إقامة عاصمة مقاطعة اظهر (انبيكت لحواش) بعد أن تكون قد انطلقت من عاصمة ولاية الحوض الغربي (النعمة) شرط أن توفق في الاهتداء إلى الطريق القويم، فبنيات الطرق كثيرة.
الموقع الجديد لعاصمة مقاطعة اظهر يقع على بعد 145 كلم من النعمة و130 كلم من ولاتة.

وتحمل المقاطعة الجديدة الرقم 7 بين مقاطعات الحوض الشرقي بعد عاصمة الولاية النعمة، ومقاطعات: تنبدغة وولاتة وباسكن وجكني وآمورج. ساعات قبل وصول رئيس الجمهورية إليها لوضع حجرها الأساسي بدت عاصمة مقاطعة اظهر الجديدة مجرد مسطح من الرمل الرخو المعشوشب، نصبت عليه مئات الخيام في طوابير متباعد بقدر تباعد أصحابها في مواقعهم وأحلافهم السياسية، وعشرات السيارات العابرة للصحراء تجوب المكان جيئة وذهابا، ومئات -إن لم نقل آلاف- الجمال التي شدت عليها الرحال وامتطى ظهورها الشبان الملثمون.

لا شيء يبدو من مظاهر التمدن والتحضر سوى عدد غير قليل من السيارات العابرة للصحراء الوافدة إلى المكان، وهي تحمل الرحال أحيانا والمستقبلين من الرجال والنساء والولدان في أحايين أخرى، أو بعض النافذين الذين يحملون في أيديهم أجهزة اتصال عبر الأقمار الصناعية (الثريا).

في أطراف المشهد بدت المساعي جادة من طرف عمال شركة Batir TP التي أسندت إليها مهمة إقامة مشروع مستلزمات المدينة الجديدة بغلاف مالي قدره 194.431.079 أوقية في ظرف ستة أشهر، من ضمن مبلغ إجمالي يصل إلى المليار ونصف المليار من الأوقية تم رصده من طرف الدولة لإقامة المقاطعة الجديدة وتوفير كافة المرافق الحيوية بها. ويجري العمل على قدم وساق لاستصلاح 400 هكتار تضم 2000 قطعة أرضية للم شتات سكان المنطقة في فضاء حضري يتمتع بكافة المستلزمات الضرورية.

عمال الشركة يَصِلون الليل بالنهار لإخراج أساسات لا تزال في طور النشوء لمبانى المقاطعة وإقامة الحاكم والمدرسة والمستشفى ومكاتب الحالة المدنية والحرس والدرك والجمارك، من رحم رمال تأبى أن يبنى عليها دون أن تسقى لحد الإرواء من مياه يعز تحصيلها في صحراء حرها شديد ومورد مياهها بعيد بعيد..

 

العطش سيد الصحراء

 

يلفت انتباهك وأنت تشق الصحراء من النعمة حتى موقع المقاطعة الجديدة وفرة الأعشاب التي لم تمسسها الحيوانات؛ ويستبد بك العجب أن ذلك يقع في منطقة رعوية معروفة بوفرة حيواناتها من إبل وأبقار وأغنام، إلا أن هذا العجب يزول حين تسأل أحدا من أهل "مكة" (الصحراء) فقلة المياه هي السبب.. هكذا يجيب إبراهيم ولد محمد ولد محمد الأمين ممثل تجمع لبطاطين، أول تجمع قار في المنطقة؛ أقيم منذ عام 1981م.
مشكل المياه في الصحراء كبير ونقاط المياه هي نقاط التجمع السكانية وبؤرة الخلاف والمشكلات بين ساكنيها.

فأقصر آبار المنطقة يصل طوله إلى 80 مترا؛ وعليه فإن جلب الماء منها جد مكلف، ولا يتأتى إلا من خلال استخدام الحيوانات من جمال أو حمير وبجهود مضنية وشاقة.
وتوجد بالمنطقة عدة نقاط مياه متباعدة أهمها:

لكراع لزرق 4 كلم من موقع المقاطعة الجديدة
أهل وياس 25 كلم من موقع المقاطعة الجديد
صونداج ولد الدرويش
صونداج ولد اماه
صونداج أهل سيدي 30 كلم
صونداج السالك 30 كلم
لبطاطين 60 كلم
انخيلة 30 كلم
أتويفة 30-35 كلم
ازوينة 35 كلم.

والنقاط الثلاث الأخيرة هي نقاط عمومية أقيمت من طرف شركة فرنسية إبان نشوء الدولة في ستينيات القرن الماضي؛ إلا أن تسيير هذه النقاط يخضع اليوم لاعتبارات ومعايير لا تتيح للجميع الاستفادة منها بالسوية –حسب بدو اظهر- وهو ما نجمت عنه مشكلات وخلافات وإحن بين ساكنة المنطقة فرقت جمعها وشتت كلمتها وباعدت بين مكوناتها.

الشكوى من العطش وشح الماء وصعوبة الحصول على الضروري للحياة منه تتعدد عند كل تجمع، وفي كل حي. فالتجمعات السكانية الفقيرة في "اظليم " (20 كلم من المقاطعة الجديدة) و"أم أوروارة" (60 كلم) والحي الجديد قرب صونداج ولد الدرويش.. كل هؤلاء يشكون من العطش والإهمال وصعوبات في الحصول على الماء.

وبتعدد الشكوى من العطش تتعدد صنوف التعبير عن الامتعاض من استمرار هذه الوضعية رغم إبلاغ السلطات المحلية بصعوبة أوضاع السكان.

آمنة بنت حمادي ولد أحمد جدو المتحدثة باسم تجمع سكان "اظليم" أكدت لـ"السفير" أن وضع هذا التجمع المتألف من نحو خمسين أسرة صعب للغاية، فالنساء هن من يتولى تموين الحي بالماء من بئر طولها يزيد على 85م، بعد أن غاب الرجال بحثا عن عمل.
وتشدد بنت أحمد جدو أن ذلك يجري -في أغلب الأحيان- بأيدي النساء العارية؛ إذ أن الحمير التي يستخدمنها أحيانا لجلب الماء غالبا ما تضيع في أوقات يكون فيها الولدان وكبار السن بحاجة ماسة إلى ما يسد الرمق في هذا الحر الشديد.

وتضيف: "الطامة الكبرى أن منظمة أمريكية مرت بنا قبل سنوات ورأت ما بنا من فاقة وحاجة للمياه فقامت بتمويل مضخة للتجمع من بين أربع مضخات (صونداجات) في آشميم، فصالة، باسكن التوسعة، واظليم. وقد سلمت تكاليف هذا المشروع لأحد المنتخبين في المنطقة؛ إلا أن هذا -ولأسباب سياسية صرفة- يرفض لحد الساعة تنفيذ الجزء الخاص بحينا، رغم تأكيد المنظمة أن الأمر بات في عهدته بعد أن استوفى منها كامل حقوقه.

وترى بنت أحمد جدو أن أهل "اظليم" يدفعون ضريبة موقفهم السياسي في أكثر من مجال.

فالمدرسة الموجودة بالتجمع هي الوحيدة في المنطقة التي لم تستفد من كفالة رغم مضي عدد غير قليل من السنين على قيامها، ورغم أنها خرجت عدة دفعات إلى التعليم الإعدادي.

وتأمل بنت أحمد جدو أن تجد الفرصة خلال الزيارة للقاء رئيس الجمهورية لتبثه شكواها مما تراه الظلم والحيف الذي يلحق ذويها في تجمعهم الفقير.

وكما هي الحالة في "اظليم" فإن سكان تجمع "أم أوروارة" الواقع على بعد 60 كلم من المقاطعة الجديدة، يعانون من العطش وشح مصادر المياه رغم ما بذلوه من جهود في حفر بئر كلفتهم أكثر من 8 ملايين ونصف من الأوقية - حسب الناطق باسمهم الخليفة ولد أخيارهم- وبعد أن تجاوز الحفر 80 مترا.

ويأمل سكان هذا الحي (15 أسرة) أن تتدخل الدولة لتوفير الماء الصالح للشرب لهم.

 

آمال.. وعوائق

 

يعلق مواطنو منطقة اظهر الكثير من الآمال على إقامة المقاطعة الجديدة التي يعتبرون إنشاءها "قرارا تاريخيا أعاد إليهم شيئا من الاعتبار بعد دهر طويل من الإهمال".

ويتوقع سكان المنطقة أن تقرب المقاطعة إليهم خدمات الإدارة وأن تحقق لهم أماني طالما حلموا بها في الصحة والتعليم والمياه، وإصلاح أوضاعهم المدنية.

"لقد كنا نأخذ السيارة للمريض من هنا إلى النعمة بخمسة وعشرين ألف أوقية، ونأمل أن ينخفض هذا المبلغ مع وجود المقاطعة الجديدة إلى عشرة آلاف" هكذا يتمنى ممثل تجمع "لبطاطين". وتعيش المنطقة أوضاعا صحية صعبة تزيد من تفاقمها وعورة المسالك والبعد من المراكز الحضرية التي توجد بها مستشفيات.

وتؤكد خديجة بنت محمد الأمين أن أكبر ضحايا غياب التغطية الصحية في المنطقة هن الحوامل.

"تحتاج إحدانا في حال استعصاء وضعها على القابلات التقليديات، إلى أربعة أيام سيرا على ظهور الجمال لتصل إلى أقرب نقطة صحية، إن الكثيرات منا ذهبن إلى العالم الآخر قبل أن يصلن إلى مكان الرعاية الصحية، أو بعد أن يصلن إليه مباشرة وهن في حالة من الضعف والإنهاك يستحيل تداركها".

أما التعليم فيعيش أوضاعا مأساوية؛ حيث أن نسبة الأمية بين سكان المنطقة تتجاوز الثمانين في المائة، وتعيش المدارس الابتدائية – على قلتها- أوضاعا "كارثية" حيث التسيب المدرسي على أشده بين التلاميذ والمعلمين على حد سواء، أضف إلى ذلك الآثار السلبية للخلافات -إن لم نقل النزاعات- الأهلية.

فقد أدت الخلافات بين سكان تجمع "لبطاطين" إلى حرمان 35 من تلاميذ التجمع من مواصلة الدراسة منذ عام 2008 بعد أن اتخذ قرار على مستوى مفتشية التعليم يقضي بتحويل المدرسة عن موقعها 500 م فقط، وهو ما اعتبره أحد الأطراف انحيازا من الإدارة لطرف على أساس مبررات واهية ومختلقة.

ويبرر آباء التلاميذ منع أبنائهم من مواصلة الدراسة بالخوف من حصول احتكاكات بين أطفالهم وأبناء خصومهم قد تفضي إلى ما لا تحمد عقباه بعد أن أصبحت المدرسة في مجالهم الترابي.

ورغم كثر الشكوى من العطش ووحشة وعزلة المكان وغياب التغطية الصحية لدى كل التجمعات السكانية فإن أيا من هذه التجمعات لا يبدو مستعدا –الآن على الأقل- لترك موقعه والتوجه لإعمار المقاطعة الجديدة دون قيد أو شرط.

البعض منهم يرى أن الأولى بالدولة أن تتجه إلى تجمعه لتوفر كافة المستلزمات له، بل لتحوله إلى بلدية أو مركز إداري يكون تابعا للمقاطعة الجديدة؛ فهو الأولى بذلك بحكم الأقدمية أو الكم البشري.. إلخ.

أما البعض الآخر فلا يرى أن بإمكانه مغادرة أرض آبائه وربوع مولده وموطن أنسه دون أن تعوضه الدولة بسخاء عما أقامه من عمارة وعقار، بل ودون أن تتولى الدولة نفسها كذلك نقله إلى حيث يجد في المقاطعة الجديدة السكن اللائق. وعما إذا كان بعضهم مستعدا للتضحية من أجل بلاده لتأمين مستقبل أفضل والانتقال طواعية إلى المقاطعة الجديدة، يرى بعض السكان أنهم لا يعرفون الدولة إلا وهي تعطي.. أما أن تنتظر الدولة من مواطنين فقراء معدمين التضحية بشيء -مهما يكن، كبيرا أو صغيرا- فإن ذلك ما لا يمكنهم تصوره أو توقعه.

 

نقلا عن يومية السفير - بقلم موفدها: محمد سالم ولد الخليفة