على مدار الساعة

مسلسل المغالطات في قطاع الصيد والاقتصاد البحري

19 مايو, 2022 - 10:46
سيدي محمد ولد محمد الشيخ - مهندس وخبير في الشؤون البحرية

تعاقب 3 وزراء على وزارة الصيد والاقتصاد البحري في سنتين بمعدل 8 أشهر للوزير بعد مغادرة الوزير المنظر لمغالطة الحصص 2015/2019، وكذلك الاستراتيجية المستنسخة منها طبق الأصل 2020/2024، وكلهم تلقوا تعليمات صريحة وواضحة من فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني بإصلاح القطاع وإعطائهم كامل الصلاحيات وإشعارهم بعدم حماية مؤسسة الرئاسة لمصالح أي كان مهما كانت درجة القرابة منها ما دامت مصالحه تتعارض مع المصلحة العامة للبلد.

 

كما عبر فخامته للحكومات المتعاقبة في العديد من المناسبات عن نيته المعلنة في مكافحة الفساد والرشوة وسوء التسيير ولوزراء الصيد والاقتصاد البحري خصوصا برغبته وإرادته الصادقة في إصلاح هذا القطاع المنهك، والذي يعتبر ركيزة أساسية من دعائم الاقتصاد الوطني ويعول عليه كثيرا في تحقيق برنامجه الطموح تعهداتي وخاصة الاكتفاء الذاتي وجعل السمك بسعر في متناول المواطنين.

 

إلا أن شيئا لم يطرأ خلال هذه السنوات الثلاث فلم يتحقق أي إنجاز يذكر لا على الأرض ولا في عرض البحر سوى دق ناقوس الخطر والاستنزاف الشرس المتواصل الذي تقوم به السفن الأجنبية من مختلف الجنسيات التركية والصينية والروسية والمصرية وحتى الكاميرونية المدرجة بطرق ملتوية في النظام الوطني بشكل غير قانوني مع ضعف كبير في المردودية المالية لخزينة الدولة.

 

كلما أراد أحد هؤلاء الوزراء السابقين أن يغير هذه الاستراتيجية المغالطة والمستنزفة للثروة الوطنية أو يصحح بعض أخطائها أو حتى يظهر نواقصها يفقد منصبه مباشرة مهما كانت علاقته بالنظام لأن المغالط الرئيسي يخاف أن تقوم عليه الحجة البينة أمام الرئيس وأمام الرأي العام بأنه هو المسؤول الأول عن استنزاف الثروة السمكية الوطنية وبيعها بثمن بخس لرأس المال الأجنبي في العقديين الأخيرين.

 

حتى جاء معالي الوزير الحالي والخبير المشارك في رسم كل هذه الاستراتيجيات فأعاد بسرعة عقارب الساعة من 2022 إلى 2015 ليرجع إلى الوراء 7 سنوات معتمدا عبر الأثير ومن جانب واحد نفس المحاور الأربعة الشهيرة لاستراتيجية الحصص 2015/2019 كسياسة جديدة أو على الأصح متجددة.  

 

وليعترف بأن شركات موكا 44 المطرودة من شتي بلدان العالم لاستنزافها لثروات الشعوب إنما تقوم يقينا بعمليات تثمين يسميها بدقيق السمك مستسلما للمغالطات الوهمية التي يطلقها عملاء موكا من تأثير توقيفها على الدولة والبنوك والاقتصاد ومقررا تخصيص حصة رسمية لها لا تقل تطبيقيا عن 80% من مخزون الصردين الإجمالي الوطني.

 

وعندها يخرج هؤلاء العملاء برأسية الاتحادية الوطنية للصيد للأسف في بيانهم الأول محاولين تبرير أهمية ومردودية مصانع موكا والسفن الأجنبية المغذية لها على الاقتصاد الوطني ومعللين استنزافها للثروة السمكية بهجرة الأسماك تارة وبعدم إزالة عوائق التنمية تارة أخرى. وعندها يعترف هذا المسير بضعف مداخيل خزينة الدولة من الاتاوات المباشرة المتأتية من هذه المصانع وسفنها الأجنبية المغذية لها والعاملة في النظام الوطني بشكل غير قانوني مقارنة بالسفن الأجنبية العاملة في النظام الأجنبي ويحددها بالخمس 1/5 مليار أوقية بالرغم من عجز القطاع عن توفير 150 طنا من الأسماك الطازجة كافية يوميا لتزويد الأسواق المحلية في كل من نواكشوط ونواذيبو بأسعار في متناول المواطنين من أجل الغذاء والغذاء فقط من أصل مخزون يقدر بأكثر من 1,3 مليون طن تستخرج منه يوميا آلاف الأطنان لتطحن بنسبة 05 أطنان صالحة للغذاء البشري مقابل طن واحد لتغذية الخنازير.

 

يهدد المسير الحلقة الضعيفة في القطاع الأسطول الوطني حقا بالصرامة في تطبيق القوانين ويتوعد الصيادين الوطنيين التقليديين بتقليص حصتهم من الاخطبوط البالغة 8000 طن سنويا مقابل أكثر من 24000 طن سنويا تستنزفها السفن الأجنبية من مختلف الجنسيات العاملة بشكل غير قانوني في النظام الوطني والمكونة أساسا للأسطول شبه الوطني الشاطئي والصناعي.

   

يا لها من انتكاسة ولعنة تتبع هذا القطاع!

 

فخامة رئيس الجمهورية آن الأوان أن يتوقف هذا المسلسل من المغالطات وإلا فالعواقب ستكون وخيمة على هذا القطاع الذي تعول عليه الأجيال القادمة في بناء مستقبلهم. فلا بد من تغيير جذري وفوري في الرؤية لتصبح أكثر شمولية وأكثر قدرة على خلق ديناميكية جديدة تبعث الأمل في نفوس الفاعلين والمهنيين والشركاء ويمكن أن تحقق برنامجكم الطموح الرامي إلى تحقيق الاكتفاء الغذائي الذاتي للبلد ونقص بطالة الشباب والرفع من مستوى معيشة المواطن الموريتاني.

 

فالقطاع بمختلف مستوياته كما تعلمون يعيش الكثير من الاختلالات الجوهرية والثغرات القانونية والأخطاء المتعمدة لفقد خزينة الدولة ثلاثة أضعاف المداخيل المباشرة الحالية أي ما يقدر بحوالي 900 مليون دولار، ويشهد الكثير من العوائق والفوضى المزمنة التي تتطلب حتما إعادة تأسيس بنظرة شمولية تستطيع حل المشاكل تباعا بالتسلسل وحسب الأولويات والإجراءات الاستعجالية التالية:

 

- الاجراء الاستعجالي الأول: تعزيز القدرات القانونية والبشرية والفنية واللوجستية لوزارة الصيد والاقتصاد البحري.

 

يهدف هذا الإجراء إلى رفع مستوى جاهزية إدارات ومؤسسات وزارة الصيد والاقتصاد البحري إلى أعلى مستوى، من أجل رفع التحديات الرئيسية التي تفرضها إدارة الأنشطة الاقتصادية البحرية من صيد ونقل وخدمات بحرية وبالتالي الوفاء بالالتزامات الدولية من سلامة وأمن ومحافظة على البيئة البحرية كدولة علم ودولة ميناء ودولة شاطئ.

 

وذلك من خلال مراجعة مهام كافة الإدارات والمؤسسات البحرية وتأطيرها للحد من تشتيت إمكانيات ووسائل وموارد الدولة أولا ونقص تداخل الصلاحيات ثانيا سبيلا إلى صياغة هيكلة عملياتية للوزارة تمكنها من القيام بمسؤولياتها وأداء عملها وتنفيذ مهامها بشكل أكثر تنسيقا وأكثر فاعلية في هذا الوسط الموحش.

 

وإعادة جميع موانئ البلد تحت الوصاية الفنية والقانونية لسلطة الدولة البحرية وتجميع تلك المؤسسات ذات المهام المتقاربة أو المتشابهة في وكالات أو مكاتب تجارية تملك القدرات اللازمة لرفع التحديات الرئيسية والعوائق التي تقف أمام تأدية مهام السلطة بتنسيق أكثر فعالية وأقل تكلفة لخزينة الدولة وأكثر مردودية على الاقتصاد الوطني.

 

مصادقة الحكومة على هيكلة إدارية عملية لوزارة الصيد والاقتصاد البحري تمكنها من أداء مهامها المتشعبة بشكل أكثر تنسيقا وأكثر فعالية وأقل تكلفة لخزينة الدولة.

 

- الاجراء الاستعجالي الثاني: تصحيح الثغرات وملئ الفراغات القانونية، العديد من الثغرات القانونية في مدونات كل من الصيد البحري والبحرية التجارية، وتحديث ومراجعة المساطر والإجراءات والقواعد الخاصة باستغلال الموارد السمكية. وملء الفراغات القانونية من مراسيم ومقررات.

 

يهدف هذا الاجراء إلى مراجعة وتحيين وتصحيح ثغرات النصوص القانونية لمدونات كل من الصيد البحري والبحرية التجارية ودفاتر الالتزامات لمنح الحصص والشروط المنظمة لعمل مصانع موكا ومكافحة التلوث البيئي وإضافة تقنين بعض الأنشطة والخدمات البحرية من أجل تنسيق وتوحيد المنظومة الوطنية للقوانين البحرية على المستوى الوطني وملاءمتها مع القوانين والنظم والمعايير البحرية الدولية وإعادة تعريف النظام الوطني وحق الولوج إليه وشروط اقتناء دولة العلم الوطنية للسفن الأجنبية بشكل يتماشى مع أهداف وبرامج هذه الرؤية الشمولية ووفقا للضوابط والقوانين البحرية المتعارف عليها دوليا.

 

في هذا الإطار سيتم تفعيل وتحيين كافة النصوص التطبيقية من المراسيم والقرارات المنظمة والمسيرة لجميع الأنشطة والخدمات الاقتصادية أو السياحية في الوسط البحري أو شبه البحري وتوحيد تنظيمها وتسييرها على المستوى الوطني وفقا للنظم والمعايير والمساطر الوطنية والدولية.

 

كما سيتم في هذا الموضوع تقنين استعادة المداخيل المالية الكبيرة المفقودة لخزينة الدولة والمتأتية من الإتاوات والضرائب الناتجة عن إصدار التراخيص وشهادات الكفاءات المهنية للعمالة والسفن والشركات المهنية المقدمة لخدمات بحرية فنية خصوصية وتحيينها والتي تقدر حسب مقارنة بين مداخيل المملكة المغربية والسنغال بحوالي 900 مليون دولار. حيث لم تعد الإدارات المركزية قادرة على مواكبة تطور تكنولوجيا النظم والمعايير التي تتغير يوما بعد يوم.

 

 ينبغي الأخذ بعين الاعتبار للتوصيات الأخيرة ذات الصلة والمنبثقة عن الأيام التشاورية الأخيرة الموسعة حول الصيد والاقتصاد البحري المنظمة في مدينة نواذيبو

 

- الاجراء الاستعجالي الثالث: مراجعة وتحيين الاتفاقيات:

 

أولا: السفن السنغالية على سبيل المثال:

تشكل الاتفاقية مع الجارة السنغال بصفتها الحالية ضررا كبيرا لبلدنا سواء فيما يتعلق بالمحافظة على الثروة السمكية أو منافسة منتجاتنا السمكية في الأسواق الإفريقية أو تموين السوق المحلية، أو مداخيل الخزينة، أو التكوين البحري، أو محاربة الهجرة السرية، وبالتالي أصبح من الضروري مراجعتها وتحيينها وفقا لأهداف هذه الرؤية الجديدة.

           

ثانيا: السفن الصينية والتركية:

1. اعتماد برنامج تدريب صارم للضباط والبحارة الموريتانيين من قبل السلطة المختصة قبل القيام بأي رحلات بحرية؛

2. إلزام 50% من الطاقم (الضباط والبحارة) على متن كل سفينة تعمل داخل النظام الوطني

 

- الاجراء الاستعجالي الرابع تنظيم منتدى تحسيسي وتشاوري حول فرص الاستثمار في الأنشطة الاقتصادية البحرية الأخرى كالنقل البحري والنهري والصيد القاري والخدمات المقدمة للسفن.

 

تنظيم منتدى وطني عام تحت الرعاية السامية لفخامة رئيس الجمهورية في نواكشوط تحضره (الحكومة، أرباب العمل، الشركاء الدوليون والممولون، والشركات الأجنبية المهنية العالمية المتخصصة في مختلف الأنشطة الاقتصادية البحرية، الشركات الأجنبية العاملة في بلادنا، البنوك المحلية، المنظمات المهنية، والمنظمات المدنية البحرية إلخ....) لشرح مضمون وأهداف هذه الرؤية الشمولية الرامية إلى جعل بلادنا قطبا اقتصاديا بحريا في شمال وغرب إفريقيا.  

 

هذا المنتدى سيكون فرصة سانحة لوزارة الصيد والاقتصاد البحري لعرض الكثير من فرص الاستثمار المربحة في مختلف الأنشطة الاقتصادية البحرية الرئيسية والثانوية كالصيد البحري والقاري والنقل البحري والنهري والخدمات البحرية المصاحبة لهم والتي سيتم تشجيعها من طرف الحكومة عن طريق مختلف أنواع الشراكة العمومية الخصوصية وخاصة صيغة "بناء" استغلال"وتحويل".

                       

في مجال الصيد البحري والقاري:

1. إنجاز مصانع ذات سعة كبيرة لمعالجة وتبريد وحفظ الأسماك السطحية

2. إنجاز مصانع تعليب وتثمين مختلف المنتجات البحرية

3. نقاط تفريغ مستصلحة ومتكاملة البنية التحية على طول الشواطئ الوطنية

4. فتح المنافسة في صناعة السفن الصيد السطحي وترخيص شركات خصوصية عالمية مهنية متخصصة في بناء أحواض جافة للاستصلاح وصيانة السفن.

5. إنجاز مصانع لمعدات الصيد وتجهيزات السفن الأخرى    

 

في مجال النقل البحري والنهري والخدمات المقدمة للسفن:

1. تفعيل اتفاقية "اكنيسد 40.40.20" لتشجيع رجال الأعمال الوطنيين على الدخول في شراكة مع الشركات العالمية المتخصصة في شتي أنواع النقل البحري سبيلا إلى إنشاء شركات وطنية للنقل البحري والنهري والخدمات المصاحبة لهم

2. إحياء وتفعيل المجلس الوطني للشاحنين الوطنيين

3. فتح المنافسة لمقدمي خدمات المساعدة من تموين ومساعدة فنية للسفن في عرض البحر

 

والله ولي التوفيق.