على مدار الساعة

دراسة غربية ترصد تطور الخطط الدعائية لـ"القاعدة" في المغرب الإسلامي

28 مايو, 2010 - 09:57

الأخبار (نواكشوط) - اعتبرت دراسة صادرة عن معهد "إلكانو" الملكي في أسبانيا أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي كان من آخر المنظمات المنضوية تحت "القاعدة" من حيث إدراج سياسة للدعاية ضمن استراتيجيته.

وقالت الدراسة التي أعدها الباحث مانويل توريس سوريانو إن القاعدة حاليا باتت تولي أهمية متزايدة للدعاية الإعلامية وذلك تصحيحا للخطإ الذي استمر سنواتها الأولى وساهم في عزلها اجتماعيا وخفوت نجمها لفترة طويلة.

وقسمت الدراسة التي نشرت في 20 من مايو الجاري وحصلت عليها وكالة "الأخبار" المستقلة مراحل النشاط الإعلامي للفرع المغاربي من القاعدة (منذ أن كان يتسمى بالجماعة السلفية للدعوة والقتال) إلى ثلاث مراحل تميزت الأوليان منهما بالخفوت الإعلامي فيما عرفت الثالثة تغيرا استراتيجيا في النظرة إلى الدعاية.

 

مرحلتا "الخفوت الإعلامي"

 

ورأت الدراسة أن مرحلة زعامة حسن حطاب (1998-2003) شهدت نشطا إعلاميا ضعيفا للغاية لا يتناسب مع النشاط العملياتي على الأرض.

ولم تشهد المرحلة الثانية (2003-2006) التي تزامن أولها مع زعامة نبيل صحراوي تغيرا يذكر في النشاط الإعلامي، ولا حتى العسكري، للمجموعة إذ امتازت هذه الفترة بتركيز قادة التنظيم على حل المشاكل الداخلية وترسيخ سلطة القيادة.

غير أن استلام القيادي السابق في "الجماعة الإسلامية المسلحة" أبي مصعب عبد الودود المعروف بـ"دروغدال" لقيادة التنظيم في يونيو 2004 دشن توجها جديدا في النظرة نحو أهمية الدعاية، حيث أطلقت لأول مرة، في أكتوبر 2004، موقعها على الإنترنت رغم أنه تميز بالرداءة من ناحية التصميم الفني والمحتوى الإعلامي معا، حسب الدراسة.

ويظهر ثاني شريط فيديو بثه التنظيم على الإنترنت في سبتمبر 2004 ضعف المستوى الفني لدى الجهاز الإعلامي للتنظيم، إذ تم إعداد مونتاج الشريط بنسخة تجريبية من برنامج "Honestech" حيث يبدو أن الإمكانيات المالية لم تتح شراء نسخة كاملة من البرنامج كما لم تتح القدرات الفنية قرصنته. ومن الطريف –كما يذكر الباحث- أن قيود النسخة التجريبية فرضت على فنيي الجماعة السلفية أن لا تتجاوز مدة الشريط ثلاث دقائق كما أن شعار الشركة الأمريكية المالكة للبرنامج ظل ظاهرا في خلفية التسجيل.

وفي سياق هذه المرحلة جاء صدور مجلة "الجماعة" التي صدرت منها ثمانية أعداد لكن بطريقة غير منتظمة حيث تراوحت دورية صدروها ما بين 5 يوما وستة أشهر، ثم إن محتواها ظل مركزا على موضوع الجزائر ولم يكتس بعدا جهاديا عالميا كما لم تتضمن لائحة كتابها أسماء ذات شهرة كبيرة.

ويستنتج الباحث مما سبق أن "الفريق الدعائي" الذي اعتمد عليه التنظيم كان صغيرا ومحدودا حيث يؤدي اختفاؤه إلى قطع النشاط الدعائي، وقد تركزت جهوده في تلك الفترة على المحافظة على حضور الجماعة على الشبكة العنكبوتية والتعامل مع التعطيل المستمر، من قبل مصالح محاربة الإرهاب، لخوادم المواقع التي تنشئها.

 

ثقافة الصورة و"المنعرج الكبير"

 

أما المرحلة الثالثة (2007-2009) فقد تزامنت مع تبني الجماعة السلفية رسميا لـ"ماركة القاعدة" وهو ما مثل منعرجا حقيقيا في الاستراتيجية الإعلامية للمنظمة. وامتازت هذه المرحلة بتدشين "ثقافة الصورة" بشكل واسع وتضاعف بشكل صاروخي عدد البيانات التي يصدرها التنظيم. فقد بث التنظيم ستة تسجيلات فيديو عام 2007 وحده وهو ما يمثل ضعف إنتاجه الدعائي من الأفلام في كل الأعوام الثمانية من عمره التي سبقت ذلك.

وأرجعت الدراسة هذا المنعرج إلى عوامل أبرزها السعي إلى إرضاء توجيهات القيادة العالمية لـ"القاعدة" التي تركز على الإعلام، ثم تأثير تجربة تنظيم القاعدة في العراق بقيادة أبي مصعب الزرقاوي على نحو خاص.

وفضلا عن التطور على المستوى الفني للإنتاج الدعائي للتنظيم، استحدثت القاعدة كذلك فكرة ترجمة بياناتها، إلى الفرنسية حتى الآن، من أجل تحقيق أكبر أثر في أسرع وقت ممكن.

كما أن القاعدة في المغرب الإسلامي، ولمواجهة مصاعب الحفاظ على موقع مستقر على الانترنت، انضمت إلى فكرة "المنتديات الجهادية"، حيث تكفي إضافة المادة الإعلامية لتتكفل شبكة مترامية الأطراف من المواقع بمواصلة توزيعها عبر الفضاء الرقمي.

لكن هذا التطور، على أهميته، صاحبه تحد يتمثل في نشر بيانات مزورة باسم التنظيم على المنتديات حيث يضطر التنظيم مرارا لتكذيبها. وفي هذا السياق جاء الإعلان عن مؤسسة إنتاج "الأندلس" للتغلب على هذا الوضع حيث أعلنت القاعدة في المغرب في أكتوبر 2009 أن موادها الإعلامية اعتبارا من ذلك التاريخ سيتم توزيعها بشكل حصري من قبل "الأندلس" التي أنشئت على غرار مؤسسة "السحاب" التي تنتج المواد الإعلامية الصادرة عن قيادة "القاعدة" على المستوى الدولي.

 

"ثقة في العنف"

 

الدراسة أشارت إلى أن الجماعة قد قللت لفترة طويلة من أهمية الظهور الإعلامي، وظل اهتمامها به أقرب إلى اهتمام مجموعة مسلحة تقليدية منه إلى منظمة "تتلمذ" على أسامة بن لادن.

وأرجعت ضعف الاهتمام بالدعاية في استراتيجية القاعدة في المراحل الأولى إلى اعتقادها بإمكانية انهيار الدولة الجزائرية عن طريق إنهاك مستمر لجهازها القمعي، وانطلقت الجماعة في ذلك من تصور خاطئ عن قدرة الدولة الجزائرية على المقاومة ومن ثقة مفرطة في العنف كطريق وحيد لتحقيق الأهداف، حسب الدراسة.

ولم تكن الجماعة السلفية غير مهتمة فحسب بتبرير منهجها وتعبئة الشعب إلى جانبها ولكنها أيضا كانت عاجزة عن أن تستغل دعائيا أعمالها العسكرية. وقد أدى الخفوت الإعلامي للجماعة السلفية والجاذبية التي ميزت جبهات جهادية أخرى كأفغانستان والعراق، والتطور المتنامي لقدرات الحكومة الجزائرية على المواجهة، بما فيها سياسة عروض العفو، إلى نزيف حقيقي داخلها. ونتيجة لذلك لم تفقد الجزائر فقط موقعها كجبهة في نظر المقاتلين المتشددين عبر العالم، بل إن الجماعة السلفية لم تعد ينظر ليها كمشكلة أمنية داخل الجزائر نفسها.

ووفق الدراسة فإن التغيير في موقف الجماعة من قضية الدعاية بدأ تحت قيادة زعيمها الجديد أبي مصعب عبد الودود وجاء في سياق توجه من "التصحيحات" توج، في النهاية، بالانضمام إلى تنظيم القاعدة الدولي، الذي تتمحور استراتيجيته حول الإعلام، وتغيير اسم الجماعة إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

 

الدعاية تصنع المفارقة

 

وساهم التوجه الدعائي الذي اتبعته القاعدة في ما اعتبره الباحث "مفارقة" حيث تحولت تدريجيا إلى "خطر مقلق على الرغم من التدهور المستمر لبنيتها وقدراتها العملياتية".

واعتبرت الدراسة أن الدعاية هي "المفتاح الذي أتاح للفرع المغربي [من القاعدة] تحقيق الكثير بأقل الخسائر" فرغم أن قدرتها في المستقبل على مواصلة أعمال إرهابية قد تنخفض إلى حد بعيد، إلا أن نظرة السكان (غير الموضوعية بطبيعتها) إلى حالة اللاأمن قد تتضاعف أيضا بفضل الاستخدام الذكي للإعلام".

وفي هذا السياق رأت الدراسة أن توجه القاعدة في الفترة الأخيرة إلى خطف رعايا غربيين، كما حصل في موريتانيا، واستغلالهم إعلاميا يعتبر مؤشرا بينا على التوجه العمليات الجديد الذي يتلخص في "عمليات تتطلب القليل من الموارد المادية والبشرية، لكن بوسعها جلب الاهتمام العالمي للمجموعة وأهدافها".

كما يساهم الحضور الإعلامي للقاعدة في وسائل الإعلام في تعزيز "جاذبيتها" ويرفع، بالتالي، قدراتها على اكتتاب عناصر جديدة سواء داخل المنطقة المغاربية أو خارجها، طبقا للباحث.

ويسمح "الجهاد الإعلامي"، كذلك، بأن تواصل القاعدة تصدير "صورة جديدة عنها تعطي الانطباع بالقوة، وامتلاك الوسائل المعقدة، وبالورع الديني" حسب الدراسة.