على مدار الساعة

فقراء الريف ينشدون الرزق خلف "أخفاف الإبل" (مغامرة في الصحراء)

16 فبراير, 2010 - 09:57

الأخبار (نواكشوط) - بجسمه النحيف وزاده القليل وعلى قدميه يجوب محفوظ ولد محمد الأمين مختلف ولايات الوطن متحديا طبيعة الصحراء الموريتانية القاحلة في رحلة البحث عن لقمة العيش بعد أن باتت مضارب الخيام طاردة لفتيان القبيلة وباتت المدينة عاجزة عن استقبال المزيد من ضحايا الفقر في الريف.

رحلة تبد أ من الحوض شرقا وتنتهي بمدينة نواذيبو في أقصي الشمال الغربي مرورا بالعاصمة نواكشوط لكنها لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد ،وكأن صاحبها مكلف بفضاء الأرض يذرعه .

ترك ولد محمد الأمين أسرته وأولاده الأربعة في إحدى القرى النائية بولاية الحوض الشرقي واتجه إلى العاصمة نواكشوط، لكن الرجل الذي لم يتلق درسا واحد في المدرسة ولا حتى في المحظرة ، وجد أمامه واقعا أكثر صعوبة، الآلاف من حملة الشهادات العالية عاطلون عن العمل وحياة مدنية لا ترحم فقرر على عجل ودون تردد أن يمتهن مهنة قد لا ينافسه عليها الكثيرون رعي وحراسة الإبل وجلبها من مختلف أنحاء الوطن إلى الأسواق الرئيسية في نواكشوط ونواذيبو للبيع (السواقه).

يتحدث الرجل في حوار شيق وصريح مع موفد "الأخبار" عن هذه المهنة و المخاطر المحفوفة بها ومتاعبها وعن ذكرياته مع "النوق" داخل الصحراء وبعيدا عن ضجيج المدينة أو إزعاج البشر..

 

زاد الطريق

 

خنشة من الدقيق وكيلوغرامات من السكر والشاي وساقية وعصا غليظة وسيف تقليدي تلك أهم حاجيات ولد محمد الأمين قبيل انطلاقته في رحلته الجديدة والتي تبدأ عادة من ضواحي مدينة النعمة شرقي البلاد وتستمر أكثر من شهر ونصف قبل أن تنتهي علي ضفاف الأطلسي وتحديدا مدينة نواذيبو الساحلية .

يتحدث ولد محمد الأمين عن هذه الرحلة وهو سعيد بذلك قائلا " هذه الرحلة هي الأطول والأصعب نمضى أكثر 49 يوما في طريق طويل ومحفوف بالمخاطر ، لكنه ممتع في نفس الوقت ،ففي معظم الأحيان تضم الرحلة أكثر من شخصين يتبادلون أطراف الحديث ويرددون أهازيجهم وأشعارهم المحلية ويتفاخرون بماضيهم ومغامراتهم البطولية، لكن الجو المرح يتغير في بعض الأحيان وتسود الحياة في أعيننا عندما تعطش النوق في صحراء تكاد تنعدم في معظم أجزائها مختلف مظاهر الحياة، فلا عشب ولا مياه إلا ما كان سرابا منها، ولا أشجار نستظل بها ولا نبات إلا النزر اليسير على طول الطريق حتى الطيور والحيوانات المتوحشة التي كان الأجداد يحدثوننا عنها قبل سنين أصبحت منعدمة أو تكاد تكون في هذه الصحراء القاحلة .

ويتحدث ولد محمد الأمين عن خلافات كثيرا ما تعصف بممتهني هذه المهنة أثناء الرحلة الطويلة والتي من بينها يضيف ولد محمد الأمين الخلاف الحاد على أوقات الراحة وأيام ومناطق سقي الإبل، لكن الخلاف يشتد عندما يتعلق الأمر بالخلاف على أي الطريق صحيحة وأي المسالك ينبغي أن تسلكها القافلة لأن الأمر متعلق هنا بمسألة حياة أو موت ، فالطرق كثيرة وبها مناطق خطر إن سلكتها القافلة ربما تتعرض لسطو من قبل بعض اللصوص الذين يستغلون غياب الأمن بالصحراء وترامي أطرافها للسطو علي السالكين لتلك الطرق.

 

طعم المغامرة

 

يعتقد عدد من زملاء محفوظ ولد محمد الأمين أن مثل هذه الرحالات تعد مغامرة قد لا تحمد عقباها، معللين ذلك بطول المسافة وتصحر الأرض وخلوها من أي كائن حي ومحدودية نقاط المياه وحتى خطر النوق في حد ذاتها على سلامة الأشخاص ،واحتمال التعرض لقطاع الطرق وغيرهم ، لكن محفوظ ولد محمد الأمين لا يوافق زملائه الرأي فهو يعتقد أن من تعود مسالك الصحراء وطرقها يهون عليه الأمر، ويضيف قائلا " لا يعتبر هذه الرحلة الطويلة مغامرة سوى الجبناء ممن تعودوا البقاء في الخيام وقرب المضارب".

ويقول ولد محمد الأمين إن علاقته بالصحراء أصبحت وطيدة بعدما عرف الصحراء والجمل، مضيفا أنه أصبح لديه تحمل كبير لمشقة السفر وهجير الصحراء وحرها الآفح ، وهو يقطع الفيافي والقفار بحثا عن لقمة عيشه المحفوفة بالمخاطر ولم يطيق المكوث بين الخيام أو التمتع بجو المدينة الذي جذب الآلاف من سكان الريف قبل سنوات.

ورغم مشقة الرحلة وخطورتها يقول ولد محمد الأمين إن المبالغ المالية المعوض لهم كأجر زهيدة للغاية ولا تلبي أبسط احتياجات أسرهم التي ترزح تحت خط الفقر، مضيفا أن أكبر مبلغ يدفع لممتهني هذه المهنة 100 ألف أوقية للرحالات الطويلة بين الحوض الشرقي ومدينة نواذيبو، بينما لا تتعدى الرحلات الأخرى سوى 50إلى 40 ألف أوقية، وهي مبالغ يري ولد محمد الأمين أنها زهيدة وغير منصفة.

وانتقد ولد محمد الأمين بشدة التجار قائلا إنهم بهذه الرواتب الزهيدة يهضمون بها حقوق الآخرين، مستفيدين من حاجة هؤلاء المساكين وغياب أي خبرة لديهم في مجالات الحياة الأخرى.

وطالب السلطات الموريتانية وعلى رأسها الرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد عبد العزيز بوضع حد لهذا النوع من الانتهازية واستغلال البشر ، وذلك بالضغط على التجار وتنظيم المهنة، وهي مطالب اعتبرها بسيطة في حقهم كموريتانيين يدفعون الضرائب ويؤدون مهنة عجز عن تأديتها الكثيرون.