لا شك أن المجتمع الموريتاني هذه الأيام رأي مرتعا خصبا في التطورات التي يمر بها حزب تواصل هذه الأيام بعد فصل أحد نوابه عن الحزب وردة الفعل إلى آخره.
ولكن ليعلم الجميع والحزب في أول من يعنيه هذا العلم أن الأحداث الجارية الآن في الحزب ينطبق عليها تماما قوله تعالى: {أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير}.
فمن تأمل في حياة هذا الحزب من وجوده إلى الآن فسيرى أنه بدلا من أن يسير على قدمين راسختين على طريقه المعبدة قبله في الإسلام منبتا وهدفا ومرجعا أي على الطريقة الواضحة المعالم والتي سمى رسول الله صلي الله عليه وسلم أهلها بالفرقة الناجية العاضة بنواجذها على الإسلام لا يضرها من خذلها أو خانها إلى يوم القيامة.
وفعلا رأينا هذه العلامة وهي الخذلان أو الخيانة كل يوم أو ساعة يطفو فيها على سطح أقلام وألسنة أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم بالأذى الكثير لسالكي تلك الطريقة لعلمنا بأن طريق هذه الفرقة هي التي ذكرها رسول الله صلي الله عليه وسلم من علم الغيب الذي أظهر الله عليه: {من ارتضي من رسول} فالطرفان اثنان أهل الحق وأهل الباطل.
وإليكم الدليل: يقول الله تعالى في شأن الخائنين أو الخاذلين لأهل الإيمان المستقيم: {الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين}.
فعندما تسمع أو تقرأ لأي مهاجم لهذه الفرقة أو من شابهها فستجد أن الخاذل أو الخائن لم يؤمن نفسه من خطر الحضور إلي الله يوم القيامة المبين في قوله تعالى مفرقا بين مصير هؤلاء وهؤلاء: {أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين}.
والآن نعود لنشأة حزب تواصل لنقتصد في مضمون المقال لأقول إنه بدأ من ميلاده وكأنه قد بلغ الحلم، ففي ذلك الوقت كان طريق الفرقة الناجية واضحة عند المؤسسين له، لا حقد على أي أحد ولا كلام في أي موضوع إلا بالقول الحسن للجميع ولا طموح إلا في تحقيق الثبات على هذه الطريق.
فأي ضرر يصيب أي مسلم في الداخل أو الخارج فسترى تواصل يتدخل هناك بما تستحق تلك الإصابة من التعاون قولا وفعلا إلى آخر ما يعرف تواصل عن نفسه داخله من فعل الخيرات والتسارع إليها والبعد عن المنكرات وإنكارها، وتعرفه له الناس السوية وتنتظر منه ذلك.
ونظرا للالتزام بالاستماع إلى أحسن القول واتباعه أحسنه لمعرفتهم جميعا أن الخبيث للخبيث ولا مكان لذلك في الحزب، جاء الخيرون إلي تواصل أفواجا لا يريدون فيه إلا التعاون على البر والتقوى، وهكذا مكث تواصل عدة سنوات في ربيع الإسلام الذي هو الخير فيقام به وفيه الشر فيجتنب ويقاوم وإلا فالصبر من مفاتيح مقاومته.
ولكن مع الأسف فبدلا من الثبات علي هذا النبات الحسن الذي زرعه أولئك البناة الأولون بمعرفة واقتدار وفنية وتضحية ليسير إلى الأمام فيصل إلى سن ظهور الشيب في الإسلام في المفارق جاءت ديمقراطية الغرب بعدما كان هو في مناعة ضدها قبل أن يؤسس الحزب عندما كان أفرادا صالحون بمعني الصلاح في الإسلام – فلا عنصرية ولا قبيلة ولا شرائحية إلى آخره، ولكنه اتباع صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض والابتعاد عن الطرق الأخرى التي تبعد عن طريق الإصلاح مهما تزينت الدنيا وتزخرفت وظن أهلها أنهم علي شيء.
وبعد ذلك انخرط الحزب في ديمقراطية الغرب المدمرة من الداخل وظهر فيها ما ينكره الإسلام من موالاة ومعارضة، موالاة بالنفاق لأجل المادة، ومعارضة بالكراهية المؤسسة على الباطل مع العلم أن النبي صلي الله عليه وسلم حصر بأدوات الحصر البلاغية بأن "الدين النصيحة" فقط المفصلة في الحديث.
وبعد هذا الانخراط حصل ما كان يخافه الرسول صلي الله عليه وسلم أن تفتح لأصحابه أبواب الدنيا فتنافسوا فيها إلى آخر الحديث كما وقع فعلا.
وبما أن أكثر الأمور بالتدرج لم نصل إلى الاستحقاق الأخير في الحزب حتى وصلت فرقة الخليفة عثمان رضي الله عنه إلى قيادة الحزب واستلموا راية المعارضة على طريق الغرب حتى وصل الحزب إلى قاع الدنيا كما هي، فولى بعض أعضاء الحزب الدبر لجميع المبادئ والهدف الذي تأسس عليه فلا خصوصية في المواقف ولا مطالبة بتطبيق الشرع على المجرمين بل قيادة عمياء لمعارضة عمياء دنيا وأخرى.
فبدلا من تتبع قضايا الإسلام في العالم واضطهاد أقلياته والتدخل أو الكلام علي ما يطرأ فوق كرة الأرض من مضايقة الإسلام وأهله في كل مكان بقي الحزب صم بكم عمي كأنهم لا يعقلون أو تناسوا مبادئهم كلها.
وكان التعويض عن ذلك بيانات تصدر باسم الحزب دنيوية بامتياز أسلوبا وهدفا ووضعا، فمن استنشق أي مكان من جسمها لا يشم رائحة الإسلام ولا يذوق طعمه بل ستزكمه رائحة العنصرية وملكية المعارضة أكثر من الملك إلى آخره.
وهنا انقسم الحزب العامل على الساحة إلى أنفسهم طائفة لا يهمها إلا نفسها تظن بجميع أهل الإسلام ظن السوء ولو بلباس الخصومة معهم أو اختراعها، وقسم ساكت ونحيل - إلى القارئ - أي الفريقين أحسن مقاما مع أني أؤكد أن الساكتين لا يعمهم هذا السكوت بل هناك أفراد يتكلمون ويقفون موقفا مشرفا دون أن يصل إلى إسكات الآخرين عن ما لا ينبغي قوله وليس من خلق الحزب.
ومن هنا أقول للجميع إن الاستحقاق المنتظر لا يمكنه أبدا أن يصلح ما انحرف من أهداف الحزب الدنيوية والأخروية بل لا بد من عمل ما سبق أن أقدمت عليه السنيغال في شرطتها فبعدما كثرت فيهم الرشوة والانحراف أصدر الرئيس مرسوما بحل هيئة الشرطة لاختلاط المصلح منهم مع المفسد من غير تمييز ولكن في الصباح الباكر -لعدم الاستغناء عن الشرطة -أعلنت الدولة أن من يريد الانتساب للشرطة فليقدم طلبه مع سيرته واتضح الأمر عندئذ.
فكذلك على الحزب أن يحل نفسه إلا منظمات الشاب والنساء فتوجيههم ما زال تحت السيطرة لأن أخطر ما يعالج الانحراف في القيادة.
وبعد ذلك إعلان الانتساب والتأسيس على القواعد الأولى عندما كان عمل الحزب أفرادا في أرحام النشأة وأول شبابه وإلا فإن الحزب الآن صالح لأن يكون حزبا ديمقراطيا دنيويا بامتياز بمعني لا خطوط حمراء ولا سوداء ولا بيضاء عكس الإسلام.
فالأصوات كلها متساوية تساوي أهلها في الاحتياج للأكل والشرب بابتعاد كل شرط في عدالتها واستقامتها إلي آخره، فيكون الحزب في الصف الأول من الأحزاب الدنويية التي لا خلاق لها في الآخرة ظنا منها أن اجتماع عمل الدنيا بالآخرة أقرب إلى الإنسان من شراك نعله مثل الجنة والنار، وأنه يكفي فيه الانتساب للإسلام، ولكن الله يقول: {منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة}.
وباختصار فإن الله يعلم الخبيث من الطيب والمفسد من المصلح قولا وفعلا واعتقادا سواء تدثر بلحيته أو حلقها أو بشريحة لطلب حقوقها يقول تعالى: {أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم} إلى آخر الآية.
وتبقي كلمة قصيرة موجزة موجهة إلى الدولة كتوجيهها إلى تواصل وملخصها أن أبيض انقلاب هو ما يفعله المرء على نفسه كالتوبة.
فعلى الدولة الحالية أن تعلن حالة الطوارئ الصارمة وتحل جميع الأحزاب والهيئات والمنظمات إلى آخر ما فيها، وتقول للعالم أن هذا سيعود غدا بإذن الله بعد تطهيره من الفساد وطريقه والمنافقين وحيلهم وجميع الأمراض القلبية والعنصرية إلى آخره، ونبدد بالتخطيط للاستغناء عنهم كما هم الآن، وتصحيح بنيان الدولة على أساس قيادته تحت سيطرة الدولة طبقا للإسلام وعدالته بين الجميع.
وتعيد الجميع إلى قواعد وطنية بمعني إسلامية ولا نريد بكلمة إسلامية أن يصد المنافقون عن العمل بنطقها صدودا ولكن ليغلب على الظن أن ما نقوله ونسأله لله بعد الموت للمسؤول يكون ظنه في محله وإلا فإن الدولة مثل حزب تواصل وصلت باستعمال الجزرة دون السيف إلى آخر المطاف، واتسع بالحرية الفوضوية الموروثة عن الماضي القريب حتى بلغ السيل الزبي.
فالقاعدة التي نشأت عليها موريتانيا ونبتت بها نباتا حسنا أن لا شرائح ولا أعراق ولا محاصصة بل جميع الموريتانيين مسلمين متساوين في خيرات دولتهم فمن له شهادة من أي كان فمبارك له العمل بها.
ومن سنن الله أن لا بد من اجتماع الجزرة والسيف يقول تعالى: {ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}.
وأخيرا أقول: {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}.