على مدار الساعة

رهائن "القاعدة" في مالي يتذكرون ظروف الاحتجاز

11 يناير, 2010 - 09:57

الأخبار (نواكشوط) - حرارة وبرودة، عقارب، ثعابين، نقص في العناية الطبية، وفي بعض الأحيان، نقص شديد في الغذاء. هكذا يتذكر الرهائن السابقون لدى الإرهابيين في مالي أشهرا قضوها في الاحتجاز.

 

 (لقد رحل). كان هذا هو الجواب الذي تلقاه، بالفرنسية، ويرنر غرينر، المحامي المنحدر من زيورخ ذو الـ58 عاما، من السجان الفظ ذي اللحية الكثة عندما سأله عن مصير البريطاني أدوين داير (58 عاما) الذي كان حتى ذلك الحين رفيقه في الأسر في صحراء شمال مالي.

خطفا معا في يناير من العام الماضي شرق مالي إلى جانب زوجة ويرنر، المستشارة المحلية الاشتراكية غابرييلا باركو، البالغة من العمر 55 عاما، وماريان بيتزولد، الأستاذة الألمانية المتقاعدة ذات الـ76 عاما والتي عاشت في انيامي بالنيجر حلال ستينيات القرن الماضي. كانوا جميعا يحضرون احتفالا للطوارق في آنديرامبوكان شرق مالي، ليتحولوا إلى رهائن بيد "القاعدة في المغرب الإسلامي".

تصور غرينير يومها، لدي سماعه تلك الإجابة، أن الإرهابيين أفرجوا عن داير كما فعلوا شهرا قبل ذلك مع زوجة غرينر والألمانية بيتزولد. حين أفرج عنه، في نهاية المطاف، ستة أسابيع فقط بعد ذلك، علم أن رفيقه البريطاني قد اغتيل في 31 من مايو. وهو، حتى الآن، الرهينة الغربي الوحيد الذي قتله الإرهابيون.

 

تصور غرينير يومها أن الإرهابيين أفرجوا عن داير. وحين أفرج عنه، ستة أسابيع فقط بعد ذلك، علم أن رفيقه البريطاني قد اغتيل في 31 من مايو. وهو، حتى الآن، الرهينة الغربي الوحيد الذي قتله الإرهابيون.

 

اختطف السياح الأربعة في يناير من العام الماضي شرق النيجر وذلك شهرا واحدا بعد اختطاف الكنديين في ذات المنطقة روبرت فاولر، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى النيجر، ومساعده الويس غاي. وفي عام 2008 جاء دور الزوجين النمساويين، وولفغانغ أبنر، 53 عاما، وآندريا كلويبر، 44 عاما، ليلتحقوا بقائمة المخطوفين.

طرقت "الباييس" أبواب كل الرهائن الذين وقعوا، بين 2008 و2009، في يد الفرع المغاربي لـ"القاعدة". لم يوافق على الحديث غير ثلاثة، الألمانية بيتزولد التي لم تتحدث قبل الآن إلى الصحافة، والزوجان النمساويان أبنر-كلويبر، الذين قضيا أطول مدة في الأسر (من يناير إلى أكتوبر 2008) واجتازا أطول سفر عبر الصحراء (11 يوما من جنوب غرب تونس إلى شمال غرب مالي). زارهم مراسلنا في مكان إقامتهم في موهلتال (قرب فرانكفورت) وهيلين (قرب سالزبورغ).

ورغم أن شهاداتهم تبرز التباين بين حالات الأسر، بيد أنها تمكن من أخذ فكرة عن كيفية حصول أسر الأسبان الثلاثة – آليثيا غاميث، روكي باسكوال وآلبرت بيلالتا- الذين خطفوا على الطريق الرئيس في موريتانيا في 29 من نوفمبر الماضي.

أربعة أيام قبل ذلك، وقع الفرنسي بيير كامات في أيدي القاعدة في مانيكا (مالي)، كما خطف الإرهابيون، ثلاثة أسابيع بعد ذلك، زوجين إيطاليين، سيرجيو شيكالا وفيلومان كابوري، جنوب شرق موريتانيا. في 28 من ديسمبر الماضي، وقعت في النيجر محاولة جديدة للاختطاف استهدفت هذه المرة مجموعة من السياح السعوديين. انتهت بمقتل أربعة منهم فيما جرح آخرون.

 

رفضت غابرييلا باركو، الرهينة السويسرية السابقة، التحدث مع صحيفتنا. وصرحت بأنها، هي وزجها، لم يتحدثا يوما إلا إلى الجريدة البريطانية "ذي صنداي تيليغراف" في ذكرى البريطاني المغتال أدوين داير. "في فترة معينة لم يكن بوسعي الاعتناء بنفسي، وقد تكفل بذلك أدوين"، كما يشرح السويسري ويرنير غرينر الذي كان يعاني من مرض الغدة الرقية. "أنا متأكد أنه لو لم يفعل ذلك لكنت قد مت في نهاية المطاف" كما يضيف. ومن هنا جاء التعبير عن شكره الهائل على صفحات الأسبوعية اللندنية.

"كان أدوين شخصا منطويا على ذاته، مهتما جدا بمسار الشركة العاملة في مجال الصرف والمياه والتي كان يعمل مسؤولا للمبيعات فيها، كما تتذكر ماريان بيتزولد. عاش أدوين، وهو ابن لضابط في الجيش البريطاني وسيدة ألمانية، 36 عاما في آتانج بوتشيم، في منطقة جبال الألب النمساوية. رغم ذلك، فقد رفض أن يطلب الجنسية النمساوية التي ربما كانت ستنقذ حياته. "كان وفيا للملكة" كما يشرح معاونوه.

تعود خلال عطلاته أن يجوب إفريقيا، بيد أنه في يناير 2009 نصحه طبيبه بالامتناع عن ذلك نظرا لإصابته بنوبة إنفلوانزا. حاول إلغاء سفره الذي سبق أن تعاقد على أساسه مع وكالة ألمانية للرحلات رفضت أن تعيد إليه المقدم الذي كان قد دفعه. ومن ثم أصر على السفر.

كان أدوين، من بين الرهائن الأربعة، الأكثر تحملا لفترة الأسر الطويلة. "كان يحاول الانشغال، يحضر الشاي ويتخلص من بقايا الطعام تجنبا لأن تجذب الذباب والحشرات، كما تضيف بيتزولد. "فيما يخصني، فقد كان أيضا يساعدني كثيرا" حسبما تتذكر.

 

كانت بيتزولد تتحرك بصعوبة لأن ذراعها قد كسرت أول أيام الأسر، في 22 من يناير 2009، كما كسرت ستة أضلاع لغابرييلا باركو. وقبل 48 ساعة من الإفراج عن الأستاذة الألمانية، في 22 من أبريل من العام الماضي، لسعتها عقرب في اليد اليمنى. "قام أدوين بغسل الجرح عدة مرات بالماء والصابون" كما تضيف شاكرة. "كان ذلك التنظيف أساسيا". لدى رجوعها إلى ألمانيا خضعت لزراعة جلد في اليد في مستشفى دارمستات حيث جرى حجزها ستة أسابيع.

بعد مضي أيام قليلة من مقامهم في مخيم متواضع شمال مالي، طلب "النوار"، أحد صغار قادة القاعدة، من وينر أن يرافقه "عدة أيام" إلى مكان آخر لأنهم كانوا بحاجة إلى مساعدته الفنية. تشاور الرهائن ووافقوا على مضض.

امتد غياب غرينر ما يقارب أربعة أسابيع ضاعف قلق زوجته. كان تلك فرصة لتتعرف السيدتان، غابرييلا باركو وبيتزولد، على وجه آخر لأدوين داير. نظريا، لم يكن بوسع المرأتين التحدث إلى الإرهابيين فكان البريطاني هو من يتكفل بما كانوا يسمونه "نقطة التفتيش"، وها ما يشبه حاجزا خياليا بين مخيم الرهائن ومخيم مجموعة القاعدة، كما تتذكر بيتزولد.

وحدهم الرجال بوسعهم الوصول إلى تلك النقطة الفاصلة التي رسمها الإرهابيون وسط العراء لكي يستلموا الطعام والماء، أو ليطلبوا من حراسهم قطع صابون أو أغطية لاستخدامها ليلا أو أدوية....إلخ. "هناك قضى داير أوقاتا طويلة، امتدت لساعات أحيانا، تحت الشمس في انتظار أن يأتي أحد الملتحين للاستماع إلى طلباته"، كما تؤكد بيتزولد. "كان يتفاوض معهم بمهارة".

كان داير كذلك ينعش أيام المرأتين الطويلة متحدثا إليهما عن هواياته الثقافية بدءا بالأوبرا التي كان يعشقها، وعن قراءاته وعن شاكسبير. "كان رجلا مثقفا" كما تؤكد ماريان بيتزولد، وهي مدرسة للغة الفرنسية التي كانت بدورها تتحدث إلى جلسائها عن آلبرت كاميس وجان-بول سارتر، "كتّابي في فترة الشباب".

 

حين رجع غرينر، أخيرا، إلى المخيم لاحظ أن داير كان يهتم بشكل رائع بالسيدتين. تم تحريرهما معا في 22 أبريل. "كانت آخر كلماتي إلى أدوين هي: من فضلك اعتن بزوجي" وولفغانغ غرينر، كما تتذكر غابرييلا باركو في حديثها إلى "ذي صنداي تايمز". "كان يزداد ضعفا وينهار شيئا فشيئا" في غياب دوائه لمرض الغدة الدرقية.

بقي الرجلان معا في الاحتجاز حتى نهاية مايو حين ذهب الإرهابيون بداير من أجل قتله. كان الوزير الأول البريطاني غوردون بروان، يرفض مطالب القاعدة من أجل تحريره. رفض الإفراج عن عمر محمد عثمان (49 عاما) المشهور أكثر بكنية "أبو قتادة" والذي يصفه قاضي المحكمة الوطنية [في أسبانيا] بالتاسار غارثون في مذكرة إيقاف بالزعيم الروحي للقاعدة في أوروبا.

امتنع براون، وفاء للتقاليد البريطانية، حتى عن دفع فدية مالية للإرهابيين من أجل إنقاذ حياة داير. ورغم أن الرهائن يجهلون المبلغ، فإن ألمانيا وسويسرا وكندا كان عليها دفع فدى العام الماضي، لكنها تنفي ذلك رسميا. كما ضغطت على حكومة مالي لكي تفرج خلال الصيف عن أربعة إرهابيين قيد الحبس التحفظي من بينهم خبير في صناعة القنابل.

الدولة النمساوية دفعت، على الراجح، عام 2008، كمية من المال مقابل حرية الزوجين أبنر وكلويبر. وقد ساهمت الأموال المتحصل عليها، من بين أمور أخرى، في تمويل "القاعدة" في شمال الجزائر وخاصة من خلال اقتناء السلاح.

الرهينة النمساوي السابق، وهو موظف في الضرائب، كسب أموالا من خلال المقابلات التي أجراها مع صحف بلاده –على خلاف مقابلاته مع وسائل الإعلام الأجنبية- وهو يقوم بتحويل الأموال التي يحصل عليها إلى الخزينة العامة. يمثل الأمر "مساعدة متواضعة" كما يشرح. وربما لهذا السبب يؤكد أبنر للصحفيين الأجانب، الذين يستقبلهم بأذرع مفتوحة، على أنه يفضل أن يأخذوا تصريحاته من الصحافة اليومية النمساوية بدل نقل أحاديثه مباشرة.

 

حاول الخاطفون تغيير دين الزوجين النمساويين. "إن تحويل كافر [إلى الإسلام] خير من ما في الدنيا من مال" كما قال أحدهم، دون أن يعني ذلك أنهم كانوا على استعداد للتراجع عن طلب الفدية. أما الألمانية بيتزولد فقد وصل الأمر بسجانيها إلى أن يهدوها مصحفا لدى وداعها.

 

رئيس الدبلوماسية الأسبانية ميغيل آنخيل موراتينوس أكد مرارا وتكرارا أن أسبانيا لن تدفع فدية، لكن الحكومة دخلت من قبل في اتصال، عن طريق وسطاء ماليين، مع المجموعة التي تعتقل الكاتالونيين [الثلاثة] والتي تطلب عدة ملايين من الأورو من أجل الإفراج عنهم.

وقد كسر الصمت، لأول مرة، في يونيو الماضي الزعيم القبلي المالي الذي قام في 2009 بدور الوسيط بين القاعدة والحكومات الأوروبية، معلنا أنه يحاول تجنب قتل داير. وقد قص على مراسل وكالة الصحافة الفرنسية في باماكو، طالبا عدم الكشف عن اسمه، آخر لقاءاته في الصحراء مع عبد الحميد أبو زيد (43 عاما)، قائد الإرهابيين المرعب في الساحل، والذي يوجد الرهائن الأسبان حاليا في قبضته.

"من هم هؤلاء البريطانيون؟" هكذا تساءل أبو زيد غاضبا، ليجيب نفسه "ليسوا أكثر من كفار غربيين" كما يروي الوسيط. "ولهذا يجب أن يتم إعدام هذا الرجل تقربا إلى الله" كما أعلن أبو زيد. اتصل محاوره من هاتفه المرتبط بالأقمار الصناعية ليبلغ الحكومة المالية بقرب "إعدام" الرهينة.

اجتمع الوسيط في اليوم الموالي من جديد من أبي زيد الذي وجده في حالة غضب شديد. كان هناك رهينتاه أيضا، البريطاني والسويسري. " كان داير يضع لثاما"، كما يشرح الزعيم القبلي المالي. "كان خائفا جدا وكان ويتنهد. "وأثناء بكائه قال أشياء لم أستطع فهمها. كانت يداه مقيدتين. طلب مني أبو زيد الانصراف، فانقلبت راجعا وسمعت صوت طلقتين ناريتين. لا أدري إن كانتا هما الرصاصتان اللتان قتلتا داير، وقد تم بعد ذلك التمثيل بجسده".

لم يكن بالتأكيد أبو زيد هو من اتخذ القرار بقتل سجينه، فمن خلال قراءة رسائل متبادلة بين الفرع المغربي لـ"القاعدة" و"المركز الأم" للمنظمة في آسيا الوسطى أمكنت لاحقا معرفة أنها استشارت بن لادن أو المحيطين به. وقد جاء الضوء الأخضر بـ"إعدامه" من جبال أفغانستان أو باكستان.

 

"لقد قمنا بقتل رهينة بريطاني لكي يذوق، هو والدولة البريطانية معه، جزء يسيرا من المعاناة اليومية التي يتعرض لها المسلمون الأبرياء على يد التحالف بين الصليبيين واليهود"، هكذا أعلن، في 3 يونيو، بيان للقاعدة نشر على مواقع إسلامية.

وقد قام الإرهابيون عدة مرات بعرض مقاطع فيديو على حاسوب محمول أمام سجنائهم تظهر المعاملة السيئة للعسكريين الأمريكيين إزاء السجناء المسلمين في سجون غوانتانامو (كوبا) وأبو غريب (العراق) وباغرام (أفغانستان). "بهذه الطريقة، كانوا يعطوننا الانطباع بأنا نتلقى معاملة حسنة من قبلهم" كما تؤيد ذلك بيتزولد.

"لدينا أسباب وجيهة للاعتقاد بأن المواطن البريطاني أدوين داير تم اغتياله على يد خلية من القاعدة في مالي" هكذا أكد في نفس اليوم بيان حمل توقيع غوردون براون الذي أدان "البربرية" الإرهابية. وختم البيان بالقول "هذه المأساة تؤكد تصميمنا على محاربة الإرهاب". وتعني محاربة الإرهاب الامتناع عن دفع الفدية.

عاجلا أو آجلا يتعرف الرهان على أبي زيد. جنوده متعددو الجنسيات، يضمون مغاربة وليبيين وصحراويين وماليين ونيجريين ونيجيريين، بيد أنه، هو وأبرز مساعديه، كلهم جزائريون ممن خاضوا الحرب الأهلية في بلادهم.

"لم يكن فيه ما يثير الدهشة" كما تؤكد ماريان بيتزولد التي كانت لها الفرصة لمقابلته مرتين. كان الزعيم الإرهابي المهاب "رجلا صغير الحجم ذا لحية مدببة" كما تروي. "كان حذرا ومتنسكا، وفي ذات الوقت، أبويا وودودا تقريبا". ويؤكد أبنر وولفغانغ، الرهينة النمساوي السابق الذي أجرى أحاديث طويلة مع زعيم القاعدة في الساحل بمساعدة نيجيري يقوم بدور المترجم، أنه "كان يحترم كلمته دوما".

أبدى أبو زيد اهتماما بأبنر بعدما علم أن لدى سجينه معارف لاهوتية حول الأديان التوحيدية الكبرى، بما فيها الإسلام. وبالفعل حاول الخاطفون تغيير دين الزوجين النمساويين. "إن تحويل كافر [إلى الإسلام] خير من ما في الدنيا من مال" كما قال أحدهم، دون أن يعني ذلك أنهم كانوا على استعداد للتراجع عن طلب الفدية. أما الألمانية بيتزولد فقد وصل الأمر بسجانيها إلى أن يهدوها مصحفا لدى وداعها.

 

الإرهابيون الذين كانوا يخالطون النمساوي أبنر ذكروه أيضا، أكثر من مرة، بأن بلده كاد أن يكون إسلاميا لأن العثمانيين حاصروا افيينا وخاصة سنة 1529. "غير أن البلد الذي كان بالفعل إسلاميا ويجب أن يعود كذلك، في رأيهم، هو أسبانيا" كما يقول الرهينة المفرج عنه.

حسبما يحكي الفتية الذين كانوا يحرسونه، والذين تتراوح أعمارهم ما بين 17 و24 عاما، فإن إيمانهم هو ما دفعهم إلى الانخراط في "القاعدة"، لكن ماريان بيتزولد تعتقد أنهم، في الواقع، "يفعلون ذلك ليحققوا ذواتهم ويعطوا لأنفسهم أهمية". "يشكلون جزء من مجموعة. ويشعرون، لأول مرة، بأن هناك من يحبهم" كما يوضح أبنر وولفغانغ. وعلى الرغم من ذلك، فهم متعصبون. بل"دفع التعصب أحدهم إلى درجة أن أقدم على قتل والده" حسبما وصل إلى علم النمساوي.

وسط كل هذا الأسى تحصل طرائف مضحكة. فقبل بدء التفاوض مع "القاعدة" تطلب مصالح الاستخبارات الغربية، عن طريق الوسيط المالي، الإجابة على بطارية من الأسئلة الشخصية، بما فيها بعض الأسئلة الخاصة، التي لا يمكن أن يجيب عنها إلا الرهائن. وبهذه الطريقة يتأكدون إن كانوا أحياء ويتعرفوا على هوياتهم. "سألوني مثلا ما اسم بنت أخي التي تعيش في البرتغال"، كما تتذكر بيتزولد.

الزوجان النمساويان، أبنر وكلويبر، ليس لديهم أبناء مشتركون، إلا أن لكل منهم ثلاثة أبناء من زيجات سابقة، وقد أعطوا أسماءهم إلى سلطات فيينا. أسقط في يد رجال القاعدة نتيجة إجابة الرهينتين وارتابوا في أنهما غير مرتبطين بزواج، رغم أنهما عقدا قرانهما رسميا في 2007، عاما واحدا قبل اختطافهم.

وبين الجد والهزل عرض عليهما الخاطفون المتدينون إلى حد الغلو –إذ يصلون خمس مرات في اليوم- أن ينظما لهما، وسط الصحراء، زواجا إسلاميا. وافق الزوجان "وأعطيت آندريا صداقا كان عبارة عن سكينين"، كما يتذكر أبنر ضاحكا، "كانا أثمن ما أملك".

من بين اللحظات الممتعة بالنسبة لأبنر كانت المكالمات التي يسمح سجانوه له بإجرائها مع ابنه البكر بيرنارد من خلال هاتف عبر الأقمار الصناعية. "كانوا يفرضون علينا أولا الحديث بالانغليزية"، كما يتذكر الابن، بينما يستمع نيجيري للمحادثة. "لاحقا، تساهلوا وسمحوا لنا بالحديث بالألمانية" كما يضيف. ومن الغريب أنهم لم يعودوا يسمحون للمجموعة الموالية من الرهائن الأوروبيين بالاتصال متعللين بـ"أسباب أمنية".

ومن الغريب أن تحديد مصدر مكالمة أجريت عبر هاتف يعمل بالأقمار الصناعية يبدو أصعب بكثير من اعتراض مكالمة من هاتف عادي. فالمكالمة يمكن أن تأتي من أي مكان يقع، في تلك اللحظة، داخل تغطية القمر الاصطناعي الذي يمكن أن يغطي نصف القارة الإفريقية. ورغم إمكانية تحديد مصدر الاتصال فإن عملية عسكرية للإنقاذ في قلب صحراء مالي لا يمكن تصورها.

 

تقوم القاعدة بطمس وجوه النساء في الصور التي توزعها بمساعدة برنامج حاسوب "كما يضعون خلفنا «مجاهدين» مسلحين" لم يكونوا موجودين وقت التقاط الصور، حسبما تؤكد بيتزولد.

 

كان الأمن، بكل تأكيد، هاجسا للسجانين. فعلى الرهائن، الذين يرتدون بشكل كامل ثيابا محلية حتى لا يثيروا الاستغراب، أن يطووا فجرا البطانيات التي ناموا فيها تجنبا لرؤيتهم من الجو. "وخلال ثلاثة أشهر لم نر أي طائرة"، حسبما تؤكد بيتزولد.

ورغم الطرف المضحكة التي تحصل عرضا، فإن الاختطاف يمثل في الواقع طريقا مفروشا بالمعاناة. "الحرارة والحشرات من قبيل العقارب والثعابين، والتغذية السيئة، وندرة الدواء وانعدام النظافة أمور يصعب تحملها" وفقما تؤكد ماريان بيتزولد التي لم تحصل إلا بعد وقت طويل على دواء، جزائري الصناعة، لمرض الربو الذي تعاني منه. "حتى ذلك الوقت كان ينقصني الهواء".

 

كانت بيتزولد قد يئست من أن يجبروا ذراعها الذي أصيب بكسر حين أيقظوها ليلا. نصب خاطفوها في قلب الصحراء خباء قطنيا تنيره مصابيح سيارة عابرة للصحراء وكان هناك بلال "أكثر رجال الصحراء وسامة" حسبما تقول النسوة اللاتي رأينه. يقدمه الإرهابيون باعتباره طبيبا، وقد وضع على ذراع الرهينة الأيسر جبيرة ألمانية الصناعية.

"الماء الذي كنا نشرب يحتوي على الوقود، ولكي نتنظف لم نكن نتوفر على أكثر من كأس في اليوم باستناء مناسبتين أعطونا فيهما ثلاث لترات لكل شخص" كما توضح بيتزولد. "كان ذلك أمرا عظيما!". أما التغذية فكانت مكونة أساسا من الأرز والعجائن وبعض اللحم والسمك، ويتقاسم الخاطفون والمخطوفون نفس الوجبة سواء بسواء، وأحيانا نفس الأزمة الغذائية. "Food is finished!" (لقد نفد الطعام!) وفقما أعلن الخاطفون أكثر من مرة لأسراهم. يعني ذلك أنه لم يبق غير الرغيف الذي ظل غذاء للنمساويين وخاطفيهم خلال أشهر.

كانت المعاناة مضاعفة بالنسبة للمرأة المختطفة التي كانوا يجبرونها على تغطية رأسها، دون إجبارها على تغطية الوجه. وبالطبع، يطمسون الوجه، في الصور التي توزعها القاعدة، بمساعدة برنامج حاسوب "كما يضعون خلفنا «مجاهدين» مسلحين" لم يكونوا موجودين وقت التقاط الصور، حسبما تؤكد بيتزولد.

بالنسبة للنمساوية آندريا كلويبر فقد "كان مرعبا انعدام التواصل الإنساني، أن أكون مفصولة عن الآخرين وأن أعامل دون أدنى درجات الاحترام" إلى أن أدى إلحاح زوجها، وولفغانغ أبنر، على أنها زوجته وأنهما يجب أن يظلا معا، إلى إنقاذها من العزلة.

 

شك الخاطفون في أن النمساويين متزوجان فعلا فعرضوا عليهم أن ينموا لهم "زواجا إسلاميا". وافق الزوجان وأعطى أبنر سكينين إلى آندريا كصداق

 

تتذكر بيتزولد الإزعاج الذي يتسبب فيه لحراسها اضطرارهم إلى لمسها هي والسويسرية باركو، فقد كانت الأولى مصابة بكسر في الذراع والثانية بكسر في الأضلاع، من أجل إصعادهما أو إنزالهما من السيارة التي كانوا يتحركون بها في الصحراء. "وجهونا إلى أن نقضي حاجتنا هناك حيث لا نُرى فأجبتهم بأنه تمكن رؤيتنا من الجانب الآخر" وفقما تؤكد الرهينة السابقة مبتسمة.

"رغم كل هذا فقد كان الإرهابيون رجالا في مرحلة الشباب" محرومين من الحياة الجنسية بيد أن رغباتهم جامحة، وفقما يؤكد أبنر. أحدهم كان يعتاد النظر إلى زوجته، آندريا، حتى سأله الرهينة لما ذا يفعل ذلك؟ شعر الحارس بالخجل والتفت إلى جهة أخرى.

في أبريل حين كان أبو فيصل، قائد المجموعة التي كانت تحتفظ بهم، على وشك أن يطلق سراح ماريان بيتزولد وغابرييلا باركو حصل على زيت يوصف لعلاج آلام الظهر التي كانت تعاني منها الأسيرة السويسرية. وخروجا على كل تعاليم الإسلام المتشدد الذي يعتنقه، عرض عليها أن يقوم بتدليك ظهرها. غير أن باركو رفضت العرض.

لكن، في بعض حالات الاستعجال، تكون العناية النسوية مرحبا بها، ولهذا سهرت آندريا كلويبر، وهي ممرضة، على علاج ذراع "مجاهد" مصاب بعيار ناري.

 

- المصدر: الباييس / ترجمة: الأخبار
تنويه: العنوان من صياغة "الأخبار"