على مدار الساعة

نزيف المصداقية

6 يونيو, 2022 - 12:36
محمد أحمدو محمذ فال

مع مرور الوقت يظهر غالبية المتصدرين للشأن العام في هذه البلاد تواترا مخيفا على الاستقالة من واجب شرعي، وفضيلة أخلاقية عرف بهما أسلاف الموريتانيين قديما، يتجسدان في الموثوقية، والاستقامة في تسيير الشأن العام.

 

في بلد متعدد المكونات، وتضرب فيه القبلية والاعتزاز بالعرق، والأنساب بأطنابه ليس للدولة كعقد اجتماعي يحتكم إليه الناس من سبيل إلى كسب ثقة الجميع سوى صبغ سياساتها العمومية بالمصداقية.

 

لسان حال الدولة الموريتانية اليوم يقول إن السياسات الحكومية، في العقود الأربعة الماضية من عمر الدولة الموريتانية أنهكت بفعل نزيف مصداقية لا توجد مؤشرات على أنه سيتوقف في الأمد المنظور.

 

عشية التأكد من حسم مؤسسة الحكم في البلاد لترشيح الرئيس الحالي ولد الشيخ الغزواني لمنصب الرئيس كتبت في مقال تحليلي نشر في فبراير من العام 2019 أن هذ الترشيح يحمل "أملا" لكنه أمل مفخخ، ومع مرور الوقت اتضح أن التفخيخ الذي تخوفت منه لم يسلم منه أي شيء.

 

في الأيام الماضية سيطر على المشهد الموريتاني ساسة، وحقوقيون ولجوا إلى المشهد السياسي المحلي عبر بوابة الشرائحية، في ترجمة لحالة نزيف المصداقية التي نعيشها.

 

في أغلب دوائرنا الحكومية، وشوارعنا، وحتى بيوتنا لا يحظى أي شيء مما نقوم بالمصداقية.

 

الرئيس ولد الشيخ الغزواني الذي استعاد ود قلوب قطاع عريض من الموريتانيين حين ألقى خطابا غاضبا قبل شهرين أمام خريجي المدرسة الوطنية للإدارة، تحدث خلاله بالتفاصيل عن مثالب الادارة الموريتانية، تكفلت حكومته الثالثة بكنس خطاب النقد لبرامجها، حتى ولو كان هذ النقد صادرا من رئيس الجمهورية أعلى سلطة في البلاد!.

 

 

نزيف المصداقية هذا أنهك الإدارة العمومية، وعرقل تطوير المنظومة القضائية، ونزع الاحترام من قلوب الموريتانيين حيال منظومتهم الأمنية، وجعل يوميات التعليم بالبلاد حصصا للتسلية، منتهى طموح الأسرة الموريتانية فيها ببعض المناطق أن تنتهي السنة الدراسية، وابنها معافى في جسمه، وابنتها مصونة العرض، أما السلطة الرابعة فقد جعل المتسللون إليها من تحصيل قوتهم اليومي طموحهم الأول.

 

أغرب ما في واقع نزيف المصداقية الذي نعيشه هو أنه لا أحد من النخب المحلية مستعد لتصدر مبادرة لتوقيفه.

 

في الأشهر الماضية تداعت الطبقة السياسية، والمجتمعية إلى تشاور موسع كان يؤمل منه الخروج بخلاصات توافقية لترميم ما يمكن ترميمه من الحالة الموريتانية، لكن متلازمة نزيف المصداقية نجحت مرة أخرى في وأده بمهده.