على مدار الساعة

ظاهرة المهق في موريتانيا

6 يونيو, 2022 - 15:47
العاقل علي ـ نائب رئيس المنظمة الموريتانية لدعم ودمج ذوي المهق

يخلد العالم بعد أيام قلائل اليوم الدولي للتوعية بالمهق ؛والذي أقرته الأمم المتحدة في الثالث عشر يونيو عام  2015 ويهدف إلى الإحتفاء بحقوق الأشخاص المتعايشين مع المهق، وإبراز أهم التحديات والعوائق التي تواجههم في مختلف جوانب الحياة، والصحية الاجتماعية منها على وجه الخصوص.

 

إننا في المنظمة الموريتانية لدعم ودمج مصابي المهق وسعيا منا في التعريف بهذه الفئة الإجتماعية، وتقديم صورة منابذة للتصورات الاجتماعية النمطية عنها، وإبرازا للأدوار الطلائعية للمنظمة في دعم ومناصرة ذوي المهق اجتماعيا، ونظرا لما للإعلام من دور ريادي في صناعة الوعي بالحقوق والقضايا بصورة عامة، وفي إطار تخليدنا لليوم العالمي للتوعية بالمهق على الصعيد المحلي نتقدم إلى الرأي العام الوطني بهذه الورقة التفصيلية عن المهق تعريفا به، وإفرازا لتحديات ومطالب المتعايشين معه، وإماطة للثام عن عمل المنظمة الرائدة في الإشتغال بقضايا هذه الفئة؛ وذلك تحت عنوان: المتعايشون مع المهق في موريتانيا؛ سؤال الماهية، إكراهات الواقع، وانتظارات المأمول.

 

يعرف المهق طبيا أنه اضطراب وراثي نادر يسبب غيابا كليا، أو جزئيا لصبغة الميلانين المسؤولة عن لون الجسم؛ وهو ما يعطي مظهرا مختلفا للشخص الأمهق الذي يبدو ببشرة بيضاء، أو شاحبة، وعينين زرقاوين، أو بنيتين، وشعرا أبيض أو أصفر حسب كمية توفر صبغة الميلانين في الجسم.

 

ينقسم المهق إلى نوعين رئيسيين :

1-المهق البصري: ويؤثر على العينين فقط؛ فيسبب ضعفا في الإبصار لصاحبه.

2-المهق الجلدي البصري :وهو أكثر أنواع المهق انتشارا؛ خاصة في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء ،ويتجلى في تمظهرات خارجية ملحوظة ؛إذ يبدو الشخص الأمهق في هذه الحالة ذو بشرة بيضاء، أو شاحبة، وعينين زرقاوين، أو بنيتين؛ وشعر أبيض، أو أصفر بحسب كمية توفر صبغة الميلانين في الجسم.

 

إن المهق كغيره من الاضطرابات الوراثية له مضاعفات ولواحق صحية عديدة نذكر منها على عجالة:

أ-الحساسية المفرطة للمتعايشين معه إتجاه الشمس:

إن الشخص الأمهق معرض دائما لخطر نفاذ الأشعة فوق البنفسجية إلى جسمه مباشرة بفعل انعدام التصبغ، وتوفر جسمه على صبغة الميلانين ؛وهو ما يجعل من الشمس عدوه الأول؛ خاصة في البلدان ذات المناخات المدارية والمتسمة بإرتفاع درجات الحرارة في الغالب كبلدنا موريتانيا ؛ذلك بأن عمودية الشمس، وارتفاع درجات الحرارة في الغالب عوامل تحتم على صاحب الألبينية تلافي التعرض المزمن والمتكرر لأشعة الشمس ؛لأن من شأن ذلك أن يعرضه لتحرقات في الجسم ،وتكلسات جلدية قد تتحول إلى أورام سرطانية في حالة غياب التدخل الطبي المبكر.

 

في ظل المعطيات السابقة يظل الشخص الأمهق ملزما بإرتداء ملايس ملابس كثيفة ،وقبعات ذات حواف من شأنها أن تقيه التعرض المباشر لأشعة الشمس ،كما أن المراهم والكريمات الواقية من الشمس ؛ولتي تستخدم لتوفير طبقة واقية تغطي المناطق الأكثر عرضة للشمس من جسم الشخص الأمهق تعد من الوسائل الأكثر نجاعة في هذ الأمر.

ب-ضعف الإبصار:

 

إن غياب أو نقص تصبغ شبكية العين بفعل إنعدام صبغة الميلانين يؤدي إلى تشتت الضوء داخل قرنية العين ؛وهو ما ينتج عنه ضعف شديد في قدرة صاحب الألبينية على الرؤية والإبصار بصورة طبيعية مما يتطلب استخدام نظارات طبية غير تقليدية من أجل الحد من هذ المعضل.

 

ج-رهاب الضوء:

من المشاكل الصحية التي يفرزها غياب صبغة الميلانين عن الجسم ؛ويغالب صاحب المهق الحساسية المفرطة إتجاه الضوء الساطع؛ إذ أنه ينفذ مباشرة إلى العين بفعل إنعدام التصبغ؛ وهو ما يولد معاناة تتطلب أن يستخدم الشخص الأمهق النظارات الشمسية بصورة دائمة خارج المنزل، وحين التعرض لدرجات سطوع مرتفعة، كما أن الرأرأة (حركة لا إرادية للعين) تعد من لواحق المهق التي يعانيها الشخص المتعايش معه على مستوى الجهاز البصري.

 

إن المهق من بين الظواهر الاجتماعية التي لم تحظ بالتفهم والاستيعاب؛ بل ظل ذوو المهق عرضة للغبن والتمييز والسخرية والتنمر ودرجات متقدمة من التجاهل وهو وضع مختل بلا شك، وأعزوه دائما كرأي شخصي خاضع للمساءلة والتصويب دائما إلى عاملين اثنين:

 

أولهما: النزوع الاجتماعي إلى تفسيرات غيبية مفارقة؛ تسلط منطق الخرافة والأسطرة على الظواهر العلمية غير المفهومة؛ خاصة في الأوساط الاجتماعية غير العالمية؛ أو ذات الحظوظ التثقيفية المنخفضة كمجتمعنا.

 

إن المعطى المذكور له دور مركزي في مراكمة إرث من التصورات والمفاهيم السالبة عن المهق والمتعايشين معه في مختلف دول العالم؛خاصة في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء؛ حيث تربط بعض المواقف الاجتماعية بين المهق والسحر والشعوذة، وتتخذ مواقف تتفاوت في درجة الحدة والسلبية حول المهق والمتعايشين معه باختلاف الموجهات الدينية، والعادات والأعراف، والفهومات السائدة والمسيطرة على أنساق التفكير العام.

 

أما ثاني الأسباب في انعدام التفهم الاجتماعي لظاهرة المهق فذاتي ؛حيث إن غالب المتعايشين مع المهق يتنكب الحديث عن الظاهرة، والتخوض في التحديات الصحية والاجتماعية التي تواجه أصحابه، وهو الأمر الذي يمكن تفهمه جزئيا استحضارا لاعتبارات موضوعية معينة؛ ولكنه يبقى غير مبرر ولا مستساغ حين يجترح هذا الصمت من الأشخاص المتعلمين من هذه الفئة؛ وخاصة من أمكنتهم الظروف من بلوغ مستويات تعليمية متقدمة؛ لذلك فإن العمل المشترك على تقديم ظاهرة المهق إلى الواجهة، والعمل على استنبات الذهنية المجتمعية فهومات علمية ومؤسسة عن إضطراب الألبينية والأشخاص المتعايشين معه ينبغي أن يكون الوسيلة المعتمدة من أجل إزالة التصورات النمطية السلبية ،وإحداث التغيير الإيجابي في المركز الإجتماعي لذوي المهق إنطلاقا من الرؤية السابقة القائمة على العمل المدني المنظم أسست المنظمة الموريتانية لدعم ودمج ذوي المهق بتاريخ السابع يوليو 2013 لتكون بذلك أول منظمة من نوعها في منطقتنا العربية تهتم بقضية المهق ،وتروم التعريف بهذه الشريحة ،وإبراز خصائصها ،وشواغلها الإجتماعية والصحية.

 

يرتكز تفكيرنا في المنظمة الموريتانية لدعم ودمج ذوي المهق على العمل المنظم والواعي بذاته وذلك من أجل:

-تعريف المجتمع بظاهرة المهق ،وخصائص المتعايشين معه ،ومنابذة الميتولوجيا الإجتماعية الزائفة ومانسجته من تصورات إجتماعية منافية للحقيقة العلمية ،وبعيدة من الواقع.

-العمل على الإنخراط مع الجهات المختلفة المعنية  بالقضية ؛سواء أكانت رسمية (وزارة الشؤون الإجتماعية ؛وزارة الصحة ؛مفوضية حقوق الإنسان، وغيرها ) أو غير رسمية (جمعيات ومنظمات مجتمع مدني ،وفاعلين غير حكوميين ) في عمل إستراتيجي منظم يبتغي دعم ومؤازرة ذوي المهق من أجل التغلب على الهشاشة التي تلازمهم نظرا لوضعيتهم الخاصة؛ لاسيما في مجالات التعليم، والصحة، والتشغيل؛ حيث يلاحظ نقص شديد في ولوج ذوي المهق إلى المرافق المذكورة مع أنها تعتبر من الحقوق الأساسية للإنسان والمعروفة علميا بحقوق الجيل الأول؛ ومكفولة في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان مثل: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ 10ديسمبر 1948والمضمن في ديباجة دستور الجمهورية؛ والعهد الدولي للحقوق الإقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر بتاريخ 16ديسمبر1966 والمصادق عليه من قبل بلادنا؛ حيث يكسبه ذلك مكانة أعلى من مكانة القوانين العادية حسب المادة 80 من الدستور.

 

-حث السلطات المعنية على وضع إستراتيجية عمل جادة من شأنها أن تشكل إطار عمل يتم من خلاله الإرتقاءبوضع ذوي المهق على كافة المستويات ؛خاصة أن عملا كهذ يناغم توجهات الأمم المتحدة التي إعتمدت طوال السنوات الماضية خبيرا مستقلا معنيا بتمتع الأشخاص ذوي المهق بحقوق الإنسان ،وقدم تقارير وخطط عمل من شأنها تعزيز وترقية وضع ذوي المهق ،وساهمت توصياته في إعداد خطة العمل الإقليمية بخصوص المهق ،وإمتدت بين عامي 2017 ذو2021 وإرتكزت على خمسة محاور عمل رئيسية تهدف إلى تعزيز وضمان تمتع الأشخاص ذوي المهق بحياة نموذجية وطبيعية في كنف مجتمعاتهم كبقية الفئات الإجتماعية؛ وهذه المحاور هي :الوقاية، والحماية، والمساءلة، والمساواة، وعدم التمييز.

 

ونشير هنا إلى استغرابنا في المنظمة الموريتانية لدعم ودمج ذوي المهق من غياب أي دور للدولة الموريتانية ممثلة في السلطات المعنية في هذه الخطة الإفريقية؛ والتي استهدفت أساسا تغطية المجال الجغرافي لإفريقيا جنوب الصحراء، وهو ما يعكس في أحسن الأحوال غياب الرؤية والإيمان بالعمل المشترك لدى الجهات المعنية بقضية المهق (وزارة الشؤون الاجتماعية، وزارة الصحة، مفوضية حقوق الإنسان) ويشي بانعدام الإرادة والسعي في الانخراط في عمل جاد ومنظم من شأنه الارتقاء بوضع هذه الفئة الاجتماعية في أسوأ تلك الاحتمالات.

 

إن هذا الغياب غير المبرر للجهات الرسمية عن العمل الإقليمي ،والدولي في موضوع المهق يجعلنا نطالب بإلحاح في المنظمة الموريتانية لدعم ودمج ذوي المهق السلطات والدوائر  المعنية وخصوصا: وزارتي الشؤون الإجتماعية والصحة؛ ومفوضية حقوق الإنسان بالعمل وبالتنسيق والتشاور مع المنظمة على وضع بروتوكول خاص بالمهق يمثل إطار عمل على المديين القريب والمتوسط، ويمكن من آلية رصد ومتابعة لمدى التقدم الحاصل بناء على مضامينه في التحسين والارتقاء بوضع الأشخاص ذوي المهق في بلدنا.

 

-إن رؤيتنا في المنظمة الموريتانية لدعم ودمج ذوي المهق تعمل على دمج قضية ذوي الألبينية في أي حوار إجتماعي يزمع القيام به ؛بل نعتبر أن إقصاء المشغل الإجتماعي؛ وتغييبه عن الحوار السياسي القائم خطل في الرأي، وسوء تقدير في الموقف؛ ذلك بأن القضايا الإجتماعية تشكل عصب المشاكل والتحديات الاجتماعية المطروحة؛ومن غير المنتظر النفاذ إلى وضع سياسي مستقر وسليم بدون التطرق لها، وإيجاد المعالجات المناسبة؛ نظرا لدرجة التعالق الكبير الحاصل بينها والمشاغل السياسية.

 

إن المنظمة الموريتانية لدعم ودمج ذوي المهق تضم لفيفا من الكفاءات والأطر في مختلف المجالات المعرفية (هندسة؛ قانون؛ تخصصات تربوية) وهو ما يعبر عن مباذل وجهود استثنائية تحمل بها هؤلاء الأشخاص من أجل الانخراط في الحياة الاجتماعية النشطة والمنتجة، وتقوية مركزهم الاجتماعي برغم العوائق الذاتية، وإكراهات المحيط مما يجعل من تمكين هؤلاء الأشخاص من الولوج إلى مراكز سياسية وإدارية تناسب توجهاتهم وقدراتهم المعرفية أمرا ضروريا من أجل شأنه إحداث قطيعة ميتولوجية؛ والتأسيس لنظرة اجتماعية تخالف كل التصورات النمطية السابقة عن المهق وذويه، كما أن من شأن حصول ذلك النفاذ أن يعزز قدرة الأكفاء من هذه الفئة على إحداث التغيير لصالحها، والإسهام في وضع سياسات اجتماعية نموذجية وبصيرة بواقع وإحتياجات ذوي المهق.

 

لقد عملت المنظمة الموريتانية لدعم ودمج ذوي المهق منذ تأسيسها، وبجهود ذاتية على أن تكون مناصرة قضايا الأشخاص المتعايشين مع المهق، والعمل على تبصير المجتمع بالظاهرة، والمساهمة ولو ضئيلا في مواكبة المطالب والحاجات الصحية والتعليمية لهذه الفئة وسيلة وغاية في نفس الوقت، وذلك من أجل ضمان تمتعها بكافة الحقوق والامتيازات التي تخولها القوانين، والتغلب على وضعية الهشاشة التي تعانيها فئة المُهْق؛ وتساوقا مع هذ التصميم دأبنا في المنظمة الموريتانية لدعم ودمج ذوي المهق على تخليد اليوم العالمي للتوعية بالمهق المصادف لتاريخ 13 يونيو من كل عام وذلك من خلال توزيع التعريف بالمهق؛ وأبرز الخصائص والتحديات التي تواجه ذويه، وكذا توزيع مراهم وكريمات واقية من الشمس، والقيام بفحوصات وكشوف طبية على مستوى الجلد والعيون لمنتسبي المنظمة من ذوي المهق وغيرهم سعيا لمواكبة الحاجات الصحية لذوي المهق.

 

لقد تمكنت المنظمة الموريتانية لدعم ودمج ذوي المهق وبالشراكة مع برنامج الوقاية من النزاعات وتعزيز الحوار بين الثقافات (السماح) من افتتاح مركز مهني لتعليم المعلوماتية في مقر المنظمة؛ وذلك من أجل ضمان تعزيز نفوذ الأشخاص ذوي المهق لتعليم نموذجي يزيد من قدرتهم على الاندماج في الحياة النشطة، وتقوية فرصهم في الحصول على عمل؛ بالإضافة إلى العمل الجاري على تمكين أعضاء المنظمة من الحصول على تمويلات لمشاريع  صغيرة ومتوسطة تساهم في تحقيق الاستقلال المالي وتعزيز الإنتاجية.

 

وسعيا منها لتعزيز التعاون، واستلهمام التجارب الرائدة في المجال عملت المنظمة الموريتانية لدعم ودمج ذوي المهق على ربط شراكات تعاون مع المنظمات العاملة على قضايا ذوي المهق في دول المنطقة ؛خاصة السنغال ومالي.

 

إن إيماننا الراسخ بتكاملية الحقوق الإنسانية، وضرورة الانخراط في حراك مزمن من أجل ترقيتها وتعزيزها سيظل الدافع القوي لذوي المهق بصورة عامة، ولنا في المنظمة الموريتانية لدعم ودمج ذوي المهق بصفة خاصة من أجل المضي في مسار المناصرة، والدعم والتعريف بقضايا ذوي المهق من أجل الارتقاء بهم، وتمكينهم من التمتع بكافة الضمانات والحقوق الكافلة لحياة كريمة.