على مدار الساعة

كيف نفهم الإسلام (27) المرأة والإسلام (4)

13 يونيو, 2022 - 19:11
الأستاذ محمدو بن البار

أود أن أذكر القارئ الكريم في ابتداء هذه الحلقة بأن لي عنوانين في المقالات وهما: "كيف نفهم الإسلام" وهذا لمن تهمه الحياة السعيدة في الآخرة، و"للإصلاح كلمة" وهذا عنوان موجه لأهل الدنيا لأن الآخرة لا إصلاح فيها كما أوضح ذلك القرآن بكلمة الزجر عن هذا الاحتمال يقول تعالى: {قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت} أجيب من الله بكلمة: {كلا} معناها مستحيلا.

 

وبهذا الإعلام أعود إلى مقال المرأة والإسلام:

فالحلقات الماضية قفزت بالمرأة من تكوينها ومساواتها للرجل في ذلك التكوين إلا في الذي لا دخل للإنسان فيه، ألا وهو انفصال مساواة تكوينهم ليكون الجنسين ذكرا وأنثى وتركيب الآلات والعروق وأدوات العلامات المميزة لذلك بعد الميلاد وطول الحياة إلى التساوي الكامل في نهاية الحياة.

 

ومن هنا أقول لجميع المسلمين الذين يخصهم الإقرار بأن ما في القرآن حق يقول تعالى: {أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى} أن عليهم إدراك أن تبعيتهم للغرب في أي شيء يتعلق بالفرق بين الرجال والنساء سواء كان إيجابا أو سلبا – أن يتبعوا فيه كلام الله لأن الإنسان زمنه قليل في الدنيا بعد ميلاده، وبعد موته لا أثر لفكره فكيف يجيب ربه عن سلوكه المتبع فيه غير كلام الله.

 

فمثلا من فكر في اختلاف نصيب الميراث وفرض وكيل الزواج على المرأة ووجوب نفقتها على أبيها خاصة إذا كان بوسعه ذلك حتى تتزوج، وسترها لجميع جسدها أمام غير محرمها، وحرمة سفرها في غير أمان لها ، ووجوب نفقة الأولاد على الأب إن كان غنيا، ووجوب الرضاعة والحضانة للأم إذا كانت غير مشغولة عنها بحق زوج آخر، وشهادة المرأتين مقابل رجل واحد في الماليات، وعدم شهادتها كلا في الدماءات، إلى آخر المتفرقات البسيطة بين الرجل والمرأة التي لا تصل إلى التفرقة بين خطابهم الشرعي في الدنيا أمرا ونهيا ومساواتهما الكاملة في الجزاء عليها في الآخرة: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}.

 

كل هذا على المسلمين أن يقبلوه كما هو إلا في مكان منه فيه اختلاف، ففي الاختلاف في الفهم في الدين رحمة للمؤمنين فلا حرمة ما دام القلب مطمئن للبحث عن حكم الله.

 

فما سطر أعلاه أظنه هو غالبية الاختلاف، فأي مؤمن أو مؤمنة أراد تعديله بفكره الخاص أو اتبع فيه غير سبيل المؤمنين يقول له تعالى: {ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}.

 

وكما تقدم، وأكررها، فإن الحياة مع الفكرة أيا كانت قليلة وبعدها معدومة والله يقول: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم} إلى آخر الآية.

 

وبعد الخروج من هذا التفصيل في شبه التفرقة في الدنيا بين الذكر والأنثى أعود لأوضح أن هذه المسؤوليات ليس فيها تفاضل إلا في الميراث في حالة محدودة، ولكن لا خلاف فيها أو وجوب الوكالة التي فيها خلاف.

 

وفي كل منهما بحث في سببه لمجرد المعرفة الماورائية منه – وقطعا موجودة -.

 

وبعد هذا التحليل وما جاء في الحلقات الماضية من شرح التساوي بعضه في الدنيا وكله في الآخرة، نصل إلى مساواة المخاطبة بالتكليف في فعل الأوامر واجتناب النواهي لتكون بذلك الحلقة الأخيرة في هذا الموضوع:

 

وأبدأ بالتساوي في النواهي لعمومها فالله يقول: {وما نهاكم عنه فانتهوا}، فهنا المساواة الكاملة في النهي وفي العقوبات عليها، فالموبقات السبع وجميع كبائر الذنوب وصغائرها يستوي تحريمها وعقوبتها على الرجل والمرأة.

 

فالإشراك بالله وعقوق الوالدين ورمي المحصنات وغيرها من الموبقات السبع وكذلك فعل الكبائر من الكذب والزنا والسرقة إلى آخر كل ذلك محرم بالتساوي على الجميع وعقوبته موحدة، كما في النصوص القرآنية: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} إلى آخر ذلك.

 

وحتى الأمر بالبعد عن أسبابها موحد: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم} {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن}.

 

وفي كل النشاط الآخر المباح في الدنيا لتحصيل العيش الكريم يستوي فيه الجميع سواء كان شاقا من العمل في الجندية إلى نظافة أي شيء يستعمل في الدنيا.

 

فأنواع التجارة مباحة، وكذلك العمل الفكري إلى آخره، فقد قدمنا أن الله لما لم يوجب نفقة الأنثى إلا على أبيها قبل زواجها، فإذا كان الأب ميتا أو طلقها زوجها فهي مسؤولة عن نفسها سواء كانت أما أو أختا أو أي قريبة أخرى.

 

ومعني ذلك أنه لم يتركها عند فقدان المنفق للضياع فقط، فأمرها في ذلك كله بما أمر به الرجال بالابتعاد عن الشبه بغض البصر إلى آخره.

 

أما الواجبات بما فيها السنن والمندوبات وكل أفعال الخير، فكذلك جاءت بالتساوي في آية واحدة ذكر فيه الجميع بعطف هذا الوجوب بعضه على بعض بين الذكر والأنثى يقول تعالى: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات} إلى قوله: {والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما}.

 

أما الأجر في الآخرة على العمل الصالح فكم من آية نزلت بمساواته يقول تعالى: {من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا}.

 

وبما أن الله خلق هذه الأنثى ليسند إليها خصوصيات قد يضعفها القيام بها عن القيام بالأوامر فإن الإسلام في وحييه القرآني والسني قد أوصى بالرفق بهن أثناء حياتهن، فأوصى الأزواج بهن يقول تعالى: {ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن} ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيرا) إلى آخر الحديث.

 

أما النظرية العامة للأنثى كأنثى فإن القرآن والحديث الصحيح جاء في كل منهما الإشادة بأفعال النساء بعضه فعلهن كمسلمات وذكر تميزهن مثل مؤازرة خديجة للرسول صلي الله عليه وسلم، وفكرة تجارتها التي بدأ الرسول صلي الله عليه وسلم بمزاولة مهنة التجارة في أول حياته، وفي الجهاد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه يوم أحد لم يلتفت إلى أي جهة إلا ورأى أم عمارة نسيبة بنت كعب وهي تقاتل عنه وثبتت مع الذين ثبتوا معه من غير أن يعترض على ذلك بأنها عرضت نفسها للخطر إلى آخر الممدوحات من أمهات المؤمنين وغيرهن.

 

وقد أثنى الله على امرأة فرعون التي لم تشارك فرعون في بطشه مع أنها زوجته وطلبت من الله أن يبني لها بيتا في الجنة مع علمها أنها زوجة طاغية.

 

أما في الحياة العامة للنساء فذكر ملك ملكة سبأ وقيامها بمسؤوليتها القيادية فلم يذكر إلا دورها هي في هذه القضية وديمقراطيتها ونظرها السديد في معالجة الموضوع.

 

فهي التي استلمت رسالة سليمان عليه السلام وقرأتها على الجميع وطلبت رأيهم مؤكدة أنها لا تفعل إلا بمشاورتهم وجاء الجواب من قادة القوات المسلحة أنهم تحت أمرها بقوتهم المعهودة.

 

فمن تأمل القصة وما يفهم من فحواها يتيقن أن الإسلام لم ينكر القيادة العامة للمرأة فما دون ذلك، أما حديث: (لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة) ففيه من العموم (إذا صح) ما يمكن أن يخصص ألفاظه إلى غير المتبادر فيه.

 

وفي الأخير: فإن على كل مؤمن ومؤمنة ألا يتردد في أخذ القرآن وأحكامه ونصوصه وإشاراته وانفراده بالمؤاخذة على الفعل والترك بقوة يقول تعالى: {فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم}.