على مدار الساعة

تقـويم قانوني لاتفاقية وزير الشؤون الاقتصادية والتنمية الموريتاني مع شركة بولي هوندون الصينية*

28 يونيو, 2022 - 17:58
المحامي/ محمد سيدي عبد الرحمن إبراهيم mohsiab66@gmail.com

مــقــــــــدمـــــــــــة
يرجع الكثير من المطلعين التناقص الملحوظ للأسماك الموريتانية خلال السنوات الأخيرة وارتفاع أسعارها في السوق المحلي إلى انتشار مصانع دقيق وزيت السمك وإلى الصيد غير المشروع وغير المصرح به وغير المنظم وبعد الاطلاع على الاتفاقية المثيرة للجدل الموقعة بين وزير الشؤون الاقتصادية والتنمية الموريتاني وشركة بولي هوندون الصينية، ارتأيت، بمبادرة شخصية، القيام بتقويم قانوني للاتفاقية، على ضوء ملابساتها ونصها وما قادني إليه البحث من عناصر ذات صلة.
ومما خلصته إليه أن الاتفاقية غير ملزمة، من منظور القانون، للدولة الموريتانية لعدة أسباب: - لأن رئيس الجمهورية لم يمضها وتوقيع وزير الشؤون الاقتصادية والتنمية للاتفاقيات لا يلزم الدولة باعتباره توقيعا تمهيديا سابقا على تصويت البرلمان، الذي تحفظ على بند من الاتفاقية، لا يجوز أن يشمله التوقيع - ولأنها تتضمن تجاوزات جسيمة للقانون الموريتاني الذي، بدلا من أن يكون مرجعا، عدلت بعض مقتضياته لتتلاءم مع الاتفاقية مما أحدث نصوصا ذات أغراض شخصية - ولأن الاستمرار في تنفيذ الاتفاقية يقوض المساعي الحكومية لتكريس الشفافية في مجال الصيد - ويؤثر سلبا على وفاء موريتانيا بالتزاماتها الدولية، المتعلقة بمحاربة الصيد غير المشروع وغير المصرح به وغير المنظم "صـغــم3"، مما يجعل إلغاءها متعينا طبقا للقانون الموريتاني وحفاظا على المصالح الحيوية للبلد وتناغما مع التوجه الدولي الهادف للمحافظة على الموارد البحرية.

وأتناول الموضوع من خلال العناوين التالية:

ســــيـــــاق التقـــويــــــم
أولا/ مسار اتفاقية مريبة،
ثانيا/ عدم إلزام الدولة الموريتانية بالاتفاقية وأوجه خرقها للقانون،
ثالثا/ التجاوزات القانونية التي نجمت عـن الاتفاقية،
رابعـــا/ تهديد الاتفاقية لمساعي تكريس الشفافية في مجال الصيد،
خامسا/ مساس الاتفاقية بالتزامات موريتانيا الدولية،
الـــخــــــلاصــــــة.
 
ســــيـــاق التقويم
بولي هوندون لأسماك السطح POLY – HONDONE PELAGIC FISHERY Co. منشأة تابعة لمجموعة POLY GROUP CORP الصينية التي تعمل في مجال الهندسة والصناعات العسكرية.

 

وتحظى شركة بولي هوندون، التي لا يتضح تصنيفها القانوني، بمعاملة تفضيلية في الشواطئ الموريتانية، وتستفيد، منذ سنة 2010، من حق الولوج للثروة ومن مزايا وإعفاءات جمركية وضريبية استثنائية: فلقد كانت، خلال سنة 2018، تستغل تسعا وأربعين (49) سفينة متفاوتة الأحجام، فيها ما يبلغ طوله زهاء خمسين مترا (44,9) وتتفاوت أبعاد الباقي دون أن يقل طول أصغرها عن ثلاثة وعشرين مترا (23,22).. أسطول كبير رخصت له السلطات الموريتانية بطريقة غير قانونية (كما سنبين في هذا المقال) فأصبح يصطاد في مياهها الإقليمية باستخدام وسائل صيد مختلفة ويشغل على الشاطئ مصنعا لدقيق وزيت السمك الذي يجمع المطلعون على أنه يشكل ضررا على البيئة وعلى استدامة الموارد الحية..

وعلاوة على حق الولوج للثروة تستفيد بولي هوندون من إعفاءات ضريبية وجمركية تشمل حتى المعدات والأغراض الشخصية والمواد الغذائية للعمال المستقدمين الذين أجازت الاتفاقية أن تبلغ نسبتهم ثلاثين بالمائة (30 %) خلال السنوات الخمس الأولى.. وبعد انقضاء أكثر من عشر سنوات من الاستغلال لم نطالع تقويما للنتائج البيئية والاقتصادية والاجتماعية للاتفاقية ولم تنشر إحصائية تحدد نسبة العمال الأجانب وعدد الموريتانيين الذين استوعبهم المشروع المثير للجدل ولذين قررت الاتفاقية أ، يكون عددهم 2.. والأدهى مما سبق أن السلطات الموريتانية ترخص للشركة أن تفرغ محصولها في مرسى خاص بها وأن تعالجه في عنابر مغلقة قبل أن تقوم بتصديره، بالطريقة التي تروق لها، دون إلزامها بالمرور عبر الشركة الموريتانية لتسويق الأسماك SMCP، التي تحتكر تصدير المنتوج البحري الوطني وتضمن اقتطاع رسوم وضرائب الدولة ومؤسساتها من باقي المصدرين.

وبدلا من احترام الاتفاقية للقانون قامت السلطات بتعديل بعض النصوص لتنسجم مع الاتفاقية، في تلاعب تشريعي أوجد قوانين فاسدة ذات أغراض خاصة: حيث سنت مدونة استثمار جديدة (القانون رقم 052-2012 بتاريخ 31 يوليو 2012 المنشور في عدد الجريدة الرسمية رقم 1269 بتاريخ 15 أغسطس 2012) "تنبأت بها المادة 19 من الاتفاقية" وأصبح بموجبها التصديق على اتفاقيات التأسيس يتم بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء، في خرق سافر للمادة 78 من الدستور، مما فتح باب فساد واسع.. وسنت مدونة جديدة للبحرية التجارية (القانون 2013-029 بتاريخ 30 يوليو 2013 المنشور في عدد الجريدة الرسمية رقم 1297 بتاريخ 15 أكتوبر 2013) يتيح البند الثالث من مادتها 51 مرتنة سفن بولي هوندون على الرغم من كونها مملوكة لأجانب. وتم سن مدونة للصيد (القانون رقم 2015-017 بتاريخ 29 يوليو 2015، المنشور في عدد الجريدة الرسمية رقم 1341 بتاريخ 15 أغسطس 2015).

إضافة إلى تجاوزات متعددة للقوانين الموريتانية لا مراء في أن اللوم فيها يقع، بالدرجة الأولى، على السلطات التنفيذية التي جاهرت، بعيد ذلك، بالتطلع لنشر الشفافية في قطاع الصيد وعلى السلطة التشريعية التي صوتت، ربما عن غير بينة، على نصوص غير دستورية..

ويتضمن هذا المقال تقويما قانونيا لاتفاقية وزير الشؤون الاقتصادية والتنمية الموريتاني مع شركة بولي هوندون، يبدأ باستعراض مسارها وما تخلله من بواعث الريبة (أولا) قبل أن يبين عدم إلزام الاتفاقية للدولة الموريتانية وأوجه خرقها للقانون (ثانيا) وما أسفر عنه تكريسها من تجاوزات قانونية (ثالثا) وما ينجم عن الغموض، الذي يكتنف تنفيذها، من تهديد بإفشال الجهود الحكومية الرامية لنشر الشفافية في مجال الصيد (رابعا) ومن ثم نعلق على مساس الاتفاقية بالتزامات موريتانيا الدولية (خامسا) ونختم بالخلاصة.

أولا/ مسار اتفاقية مريبة
نمهد لهذا الموضوع بذكر ملابسات توقيع الاتفاقية ونقاشها أمام البرلمان (1) وما ورد عليها من تحفظ (2) والمآخذ على قانون المصادقة عليها كما نشر في الجريدة الرسمية (3).
1. وقائع التصديق: بدأ مسار الاتفاقية عندما وقع السيد سيدي ولد التاه، وزير الشؤون الاقتصادية والتنمية الموريتاني، بتاريخ 7 يونيو 2010، مع السيد لان بينغيونغ LAN Pingyong رئيس مجلس إدارة شركة POLY HONDONE PELAGIC FISHERY اتفاقية محررة باللغة الفرنسية تتألف من أربع وعشرين (24) مادة مطبوعة على ثلاث عشرة (13) صفحة، يبدو من مادتها 13 أن وزارة الصيد والاقتصاد البحري سبقتها بتوقيع ابروتوكول اتفاق!؟.. وبعد تردد قد يكون مرده عدم الثقة في الهيئة التشريعية ومحاولة تفاديها، عرضت الحكومة الاتفاقية على البرلمان، فكانت محطتها الأولى مجلس الشيوخ الذي صادق عليها يوم 22 مايو 2011، بحسب مصادر الوكالة الموريتانية للأنباء التي نشرت على موقعها الإلكتروني يوم 22/05/2011 ما يلي:

"صادق مجلس الشيوخ على مشروع قانون يسمح بالمصادقة على اتفاقية في مجال الصيد البحري موقعة بين الحكومة الموريتانية وشركة "بولي هوندون السمكية البحرية". وتمت المصادقة خلال جلسة علنية عقدها المجلس اليوم الأحد بمقره في نواكشوط، برئاسة السيد با مامادو الملقب امبارى، رئيس المجلس وبحضور السيد اغظفنا ولد أييه، وزير الصيد والاقتصاد البحري.

وأوضح الوزير في رده على تساؤلات الشيوخ، أن مشروع القانون المذكور يدخل في إطار سياسة الحكومة الرامية إلى تطوير قطاع الصيد من خلال زيادة قيمته المضافة. وأضاف أنه بموجب هذه الاتفاقية، التي ستكلف الدولة 100 مليون دولار، سيتم إنجاز مجمع صناعي متكامل مع أسطول من 47 باخرة أطقمها موريتانيون و100 زورق تقليدي، إضافة إلى المساهمة في حفظ المنتجات السمكية.". انتهى الاستشهاد - طالع أرشيف الوكالة الموريتانية للأنباء ليوم 22/05/2011.

ومع مستهل شهر يونيو 2011، عرضت الاتفاقية أمام الجمعية الوطنية ونقلت الوكالة الموريتانية للأنباء في تقرير إخباري، نشرته يوم 06/06/2011، عن مجريات نقاشها أمام الجمعية الوطنية، ما ننقله من مصدره AMI دون تصرف:
"وقد بلغ اهتمام النواب بمشروع قانون هذه الاتفاقية، ما لم يبلغ بأي نص معروض أمام البرلمان خلال هذه المأمورية منذ أول جلسة لهم في مايو 2007، حيث استغرقت مداولات هذا المشروع خمسة أيام.

وانقسمت أراء النواب حوله فمنهم من وصفه بالجريمة الاقتصادية ومنهم من وصفه بأهم إنجاز لموريتانيا في مجال الثروة البحرية ومنهم من كانت آراؤهم بين المنزلتين، مع إجماع الأطراف على أهمية تطوير سياسة الاستثمار في مجال الصيد وضرورة حماية الثروة البحرية ودمجها في الاقتصاد الوطني والعمل على أن تكون رافدا أساسيا لامتصاص البطالة.

وطالب النواب الحكومة بالسهر على العناية بدراسة جميع الاتفاقيات مع الشركاء في ميدان الصيد من حيث ضمان احترامها للبيئة والمعايير والقوانين الدولية البحرية وأن تكون في مصلحة موريتانيا وتحافظ على الثروة السمكية لضمان تجددها.
وانتقد نواب المعارضة هذه الاتفاقية وقالوا إنها ستضر بمصالح موريتانيا من خلال نهب ثروتها السمكية، مطالبين الحكومة بسحبها لدراستها من جديد وهو الطلب الذي رفضته الأغلبية، مما أدى إلى انسحاب الفرق البرلمانية المعارضة عن التصويت على الاتفاقية، التي صوت عليها نواب الأغلبية بمعارضة واحد منهم وامتناع آخر عن التصويت.

وأوضح وزير الشؤون الاقتصادية والتنمية السيد سيدي ولد التاه، الذي مثل إلي جانب وزير الصيد، الحكومة في الجلسات العلنية لمناقشة الاتفاقية، في شرحه لبنودها وردوده على مداخلات النواب، أن هذه الاتفاقية تدخل في إطار اهتمام الحكومة بتطوير قطاع الصيد من خلال إنشاء البنية الأساسية لذلك وقال إنها ستسمح، لأول مرة، بصناعة وطنية سمكية إضافة إلى ما ستخلق من فرص عمل لم تتوفر في قطاع الصيد من قبل.

وقال إن من فوائد الاتفاقية جلب مستثمرين في ميدان الصيد السطحي الذي هو صيد مهاجر ظلت فوائد موريتانيا منه محدودة. ووصف ولد التاه، الانتقادات الموجهة للاتفاقية بأنها غير واردة إطلاقا وأنها أبرزت للحكومة أهميتها، مؤكدا أنها سيسجلها التاريخ لهذا النظام كأكبر مصلحة للشعب الموريتاني منذ الاستقلال.

وأكد وزير الشؤون الاقتصادية والتنمية، أن الاتفاقية تمنح من المزايا الاقتصادية لبلادنا ما لا تمنحه للطرف الآخر وأنها ستؤسس لإصلاح جذري لسياسة الصيد، تنعكس فوائده الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على الشعب الموريتاني.
تجدر الإشارة إلى أن الأغلبية البرلمانية كانت قد طلبت تأجيل مناقشة الاتفاقية في بداية عرضها للنقاش بغية دراستها المعمقة واستيضاح الحكومة حول مضامين بعض بنودها، وقد تحفظت الأغلبية في تصويتها على فقرة في المادة 23 من الاتفاقية تنص على أن ملحقات الاتفاقية جزء منها وتحظى بنفس قوة القانون." انتهى الاستشهاد – طالع أرشيف الوكالة الموريتانية للأنباء ليوم 06/06/2011.

وعلق موقع الجزيرة أن نواب المعارضة صدعـوا، عـند انسحابهم من قاعة البرلمان، بتخوفهم من "لعنة التاريخ ومحاكمة الأجيال اللاحقة".. المهم أن الوكالة الموريتانية للأنباء وثقت أنه في يوم 6 يونيو 2011 صوت نواب الأغلبية الحاضرون على الاتفاقية مع بولي هوندون باستثناء نائب واحد اعترض عليها فيما امتنع زميل له عن التصويت.

2. تحفظات البرلمان: وبحسب، الوكالة الموريتانية للأنباء (الرسمية) في تقريرها الوارد أعلاه، تحفظ النواب على الفقرة الثانية من المادة 23 من الاتفاقية التي تنص على ما يلي: "ملحقات هذه الاتفاقية جزء لا يتجزأ منها. ولها نفس القوة القانونية"..
Les avenants à la présente convention en constituent une partie intégrante. Ils sont revêtus de la même force juridique.

بعد أن أثارت الفقرة تخوفا مشروعا من أن تكون البنود المعلنة (على ضررها) مجرد الجزء الظاهـر من جبل الجليد وأن تتضمن ملحقات الاتفاقية بنودا سرية ولذلك تحفظ عليها النواب، بحسب الوكالة الموريتانية للأنباء في خبرها أعلاه.

3. نشر قانون السماح بالمصادقة: ونشر في عـــــدد الجريدة الرسمية رقم 1244 بتاريخ 30 يوليو 2011 قانون حمل الرقم 2011-028 بتاريخ 23 يونيو 2011 ورد فيه: "بعد مصادقة الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، يصدر رئيس الجمهورية القانون التالي:
المادة الأولى: يسمح بالمصادقة على اتفاقية التأسيس الموقعة بتاريخ 07 يونيو 2010 في انواكشوط بين حكومة الجمهورية الإسلامية الموريتانية وشركة بولي هندن لصيد السمك السطحي بمبلغ مائة مليون دولار آمريكي (100.000.000) والمخصصة لتمويل مشروع بناء وتشغيل مجمع صناعي مندمج للصيد بانواذيبو.
المادة 2: ينفذ هذا القانون باعتباره قانونا للدولة وينشر في الجريدة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية.

 

بينما أوردت النسخة الفرنسية من نفس عــــدد الجريدة الرسمية أن القانون رقم 2011-028 "يسمح لرئيس الجمهورية بالمصادقة على الاتفاقية" وقد يكون سبب اختلاف النسخة الفرنسية الحرص على عدم لفت الانتباه لنص خارج على القانون والعرف كما سيتبين القارئ بعد مطالعة الفقرات اللاحقة من هذه المعالجة.

ومن المريب اقتصار ملخص قانون إجازة توقيع الاتفاقية على اختزال موضوعها في مبلغ مائة مليون دولار آمريكي: لأن من شأن هذا الوصف أن يصرف ذهن القارئ ويوهمه بأن الأمر يتعلق باتفاقية قرض روتينية، خاصة وأنه ينضاف لتصريح وزير الصيد أمام مجلس الشيوخ، الذي نقلته الوكالة الموريتانية للأنباء، بأن الاتفاقية ستكلف الدولة مائة مليون دولار!؟

ومن دواعي الاستغراب أيضا ما تضمنته الفقرة الأولى من المادة 13 من الاتفاقية من إشارة لكون وزارة الصيد وقعت، فيما يفهم، قبل توقيع السابع يونيو 2010، ابروتوكول اتفاق مع شركة بولي هوندون!؟ وما ورد في الفقرة الثانية من التزام المستثمر بجلب أسطول حديث تطبيقا لسياسة تجديد الأسطول الوطني وبتسجيله كي يرفع العلم الموريتاني وهو ما لا يتأتى آنذاك إلا بوجود شريك موريتاني يملك نسبة 51 % على الأقل من السفن الممرتنة كما سنبين لم تعلق عليه الاتفاقية!؟

ثانيا/ عـدم إلزام الدولة الموريتانية بالاتفاقية وأوجه خرقها للقانون

يمكن الحكم، انطلاقا من مقتضيات القانون الموريتاني، المطبق على الاتفاقية، بأن المعاهدة مع بولي هوندون غير ملزمة للدولة الموريتانية (1) وبأنها لم تحترم مسطرة التصديق العادية (2) وحتى لو افترضنا سلامة إجراءات إجازتها فإنها مشوبة بأسباب بطلان داخلية (3).
1. عــدم إلزامية الاتفاقية للدولة الموريتانية: لا مراء في أن رئيس الجمهورية هو ممثلها الشرعي وأن توقيعه يلزمها طبقا للدستور الموريتاني الذي يشترط فيما يتعلق بالاتفاقيات المصادقة المسبقة للهيئة التشريعية ونظرا لعدم توقيع رئيس الجمهورية للاتفاقية مع بولي هوندون وفي ظل عدم نشرها في الجريدة الرسمية فإنها لا تعتبر ملزمة للدولة الموريتانية خاصة وأن الفقرة الأولى من المادة 22 من الاتفاقية نفسها نصت على بدء سريانها من تاريخ إصدارها Promulgation وهو ما لم يقع لأن الإصدار، الذي يختص به رئيس الجمهورية، بمقتضى المادة 70 من الدستور، إنما يتعلق بالقانون وما صدر عن رئيس الجمهورية هو قانون يسمح له بالمصادقة على الاتفاقية وليس إمضاء للاتفاقية. ويحل محل الإصدار، بالنسبة للاتفاقيات، إمضاؤها الذي هو من اختصاص رئيس الجمهورية، حيث تنص المادة 36 من دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية على ما يلي: "يمضي رئيس الجمهورية المعاهدات ويصدقها". أما توقيع وزير الشؤون الاقتصادية والتنمية أو غيره من الوزراء بما فيهم الوزير الأول، للمعاهدات، قبل مصادقة البرلمان عليها، فلا يعدو أن يكون توقيعا تمهيديا غير ملزم للدولة ما لم تكتمل المسطرة بتصويت البرلمان بالسماح بالتوقيع والإمضاء المادي لرئيس الجمهورية الذي يجسد الدولة والنشر في الجريدة الرسمية كي لا يعذر المواطنون بجهلها.

ومن الجدير بالملاحظة أن مدونة الاستثمار التي كانت مطبقة في موريتانيا عند توقيع الاتفاقية (قانون رقم 2002 – 03 الصادر بتاريخ 20 يناير 2002 والمنشور في عدد الجريدة الرسمية رقم 1020 بتاريخ 15 ابريل 2002) لم تكن تبوب على اتفاقيات التأسيس ولذلك لم يجد محررو مشروع الاتفاقية نصوصا يمكن التأسيس عليها.. وبالرجوع للصفحات الثلاث عشرة (13) للاتفاقية الموقعة من طرف وزير الشؤون الاقتصادية والتنمية لا نجد إحالة لأي قانون أو نص تنظيمي!؟ ويبدو أن السلطات في سعيها لسد النقص وربما لتحقيق مآرب أخرى سنت مدونة الاستثمار الحالية التي صدرت لاحقا (القانون رقم 052-2012 بتاريخ 31 يوليو 2012 المنشور في عدد الجريدة الرسمية رقم 1269 بتاريخ 15 أغسطس 2012) والتي تضمنت تجاوزا جسيما: عندما قررت مادتها 24 اعتماد اتفاقيات التأسيس بمرسوم يتخذه مجلس الوزراء، خارقة بذلك الفقرة الأولى من المادة 78 من الدستور: ".."معاهدات السلم والاتحاد ومعاهدات التجارة والمعاهدات والاتفاقيات المتعلقة بالتنظيم الدولي، وتلك التي تلزم مالية الدولة، والمعاهدات الناسخة أحكاما ذات طابع تشريعي، وتلك المتعلقة بحدود الدولة، كلها لا يمكن التصديق عليها إلا بموجب قانون.".

ويتعين الانتباه إلى عدم انطباق مدونة الاستثمارات النافذة حاليا على اتفاقية سبقتها، اعتبارا لمبدأ عدم انطباق القوانين بأثر رجعي، المكرس في المادة الثانية من قانون الالتزامات والعقود الموريتاني (الأمر القانون 89-126 بتاريخ 14 سبتمبر 1989).
2. خرق مسطرة إجازة المعاهدات: تمر مسطرة إجازة الاتفاقيات بأربع مراحل أولها توقيع تمهيدي للمشروع من طرف أحد أعضاء السلطة التنفيذية (يعتبر في حكم الوعد) وثانيها التصويت البرلماني على قانون يقضي بالسماح لرئيس الجمهورية بإمضائها وثالثها الإمضاء المادي لرئيس الجمهورية (الذي يفترض أن يلتزم بالنص الذي أجازه البرلمان دون زيادة أو نقصان).. وقد ظلت هذه المسطرة محترمة في موريتانيا حتى أيام الحكم العسكري حيث كانت اللجان العسكرية تسمح لرؤسائها بتوقيع المعاهدات ويمكن للمهتمين التأكد من ذلك بالرجوع للجريدة الرسمية التي تذكر مئات الاتفاقيات التي تمت المصادقة عليها قبل الانحراف الذي أحدثته مدونة الاستثمارات الأخيرة.. ويتعين الانتباه إلى أن السماح بالمصادقة (في صيغة فعل المضارع يسمح) إنما يتعلق، منطقيا، بفعل لاحق لا بتوقيع تم بالفعل ولو تعلق باتفاقية أبرمت بالماضي لكانت الصياغة مختلفة (قانون يجيز الاتفاقية) كما ورد ويرد في مراسيم التصديق على اتفاقيات التأسيس اللاحقة على صدور مدونة الاستثمار الحالية التي تنذر بفتح باب فساد كبير..

 

وبناء على ما سبق يتعين طرح الأسئلة التالية:
هل وقع رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية السابق، السيد/ محمد ولد عبد العزيز، اتفاقية باسم الدولة مع شركة بولي هوندون؟
وهل عدل مشروع نص الاتفاقية على ضوء تحفظ البرلمان على الفقرة الثانية من مادتها 23؟

 وإذا كان الجواب نعم:
هل نشرت الاتفاقية الموقعة، كما يجب، في الجريدة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية؟ كي لا يعذر الموريتانيون بجهلها.
3. الأسباب الداخلية لبطلان الاتفاقية: ولو افترضنا جدلا أن البرلمان صادق على الاتفاقية دون تحفظ وأن رئيس الجمهورية أمضاها وأن نصها نشر في الجريدة الرسمية باللغة العربية، كما يجب، فمن الواجب التدقيق في مدى وفاء شركة POLY HONDONE بالتزاماتها المدرجة فيها، التي منها ما تضمنته المادة 10، من التزام بخلق ألفين وأربعمائة وثلاثة وستين (2463) فرصة عمل دائم.. وما تضمنته المادة 16 من التزام بالخضوع لتفتيش مصالح الجمارك والضرائب والصيد.. وإذا كان ثمة إخلال من طرف المستثمر فمن حق الدولة الموريتانية أن تعلن بطلان الاتفاقية، تطبيقا للفقرة الثانية من مادتها 22 التي تنص على ما يلي: "يتعين إنجاز الخطة الاستثمارية في أجل لا يعدو ستة أعوام من بدء سريان هذه الاتفاقية تحت طائلة البطلان".
Ce programme d’investissement doit se réaliser dans un délai ne dépassant pas six ans à compter de la date d’entrée en vigueur de la présente convention, sous peine de nullité de celle-ci.

 

ويبدو أن بولي هوندون آنست إمكانية بطلان بعض مقتضيات الاتفاقية فدفعتها الخشية من أن ينسف ذلك المعاهدة من أصلها، إلى إقرار ما تضمنته المادة 6 من الاتفاقية: "عندما يتبين أن إحدى مقتضيات هذه الاتفاقية باطلة ولا عمل بها، كليا أو جزئيا، تبقى المقتضيات الأخرى سارية المفعول ويعمل الموقعـون دون تأخير على استبدال المقتضى بملحق بديل يحترم، في حدود الممكن قانونا، الإرادة الأصلية للأطراف، بطريقة تتيح تحقيق الأهداف المشتركة المقررة".. ولكن ما فات على المستثمر أن الاتفاقية لم توقع من طرف رئيس الجمهورية وأن توقيع وزير الشؤون الاقتصادية إمضاء تمهيدي لا يلزم الدولة كما تقدم.. وإذا جاز التماس العذر للمستثمر الصيني في جهل القانون الموريتاني وفي عدم استعانته بمستشار فلا عذر للسلطة التنفيذية الموريتانية التي أجازت الاتفاقية باتباع مسطرة غير قانونية ومضت في تنفيذها على الرغم من كونها تخرق القانون من عدة أوجه.

ثالثا/ التجاوزات القانونية التي نجمت عـن الاتفاقية
علاوة على غياب توقيع رئيس الجمهورية وتخلف النشر القانوني لنص الاتفاقية، كرس اتفاق وزير الشؤون الاقتصادية والتنمية الموريتاني وشركة بولي هوندون عدة انتهاكات للقانون الموريتاني الذي يوجب مساواة المستثمرين (1) ولا يرخص في إقامة موانئ خاصة مغلقة (2) ويمنع مرتنة السفن التي تعود ملكية نصفها أو أكثر لأشخاص أجانب (3).

1. خرق الالتزام بمساواة المستثمرين: تنص المادة السادسة من مدونة الاستثمارات الموريتانية، التي كانت نافذة إبان توقيع الاتفاقية (القانون رقم 2002 – 003 بتاريخ 20 يناير 2002 المنشور في عدد الجريدة الرسمية رقم 1020 بتاريخ 15 ابريل 2002)، على التزام الدولة بمساواة المستثمرين في التعامل وهو نفس المقتضى الذي نصت عليه المادة 10 من مدونة الاستثمار النافذة عند نشر هذا المقال (القانون رقم 2012 – 052 المنشور في عدد الجريدة الرسمية رقم 1269 بتاريخ 15 أغسطس 2012). وإذا كانت الدولة الموريتانية تبغي تحفيز الاستثمارات من حجم معين أو في قطاعات ذات أولوية، بالنسبة لها، فمن المتعين أن تضمن ذلك في قانون الاستثمار أو في قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص أو في أي قانون آخر يصوت عليه البرلمان على أن تقرنه بمعايير موضوعية تفتح باب المنافسة أمام كل المهتمين الذين تتوفر فيهم الشروط وأن تستبعد توقيع الاتفاقيات الخاصة.

ويتعين أن يرسخ في الأذهان أن تمرير المعاهدات، مهما كانت طبيعتها، لا يكون شرعيا إلا بموجب قانون يسبقها ويجيز لرئيس الجمهورية توقيعها: لأن الفقرة الأولى من المادة 78 من الدستور الموريتاني صريحة فيما يلي: "معاهدات السلم والاتحاد ومعاهدات التجارة والمعاهدات والاتفاقيات المتعلقة بالتنظيم الدولي، وتلك التي تلزم مالية الدولة، والمعاهدات الناسخة أحكاما ذات طابع تشريعي، وتلك المتعلقة بحدود الدولة، كلها لا يمكن التصديق عليها إلا بموجب قانون.". وكان من الأنسب، احتراما للسيادة، أن تكون اتفاقية الدولة الموريتانية مبرمة مع الدولة الصينية بحيث تشكل إطارا مدروسا مع طرف معروف ومعلوم العنوان، كما هو حال المعاهدة مع الاتحاد الأوروبي، لأن بولي هوندون يمكن أن تختفي بين عشية وضحاها ويبدو أنها اختفت أو غيرت اسمها على الأقل وحلت محلها FUZHOU HONGDONG ويمكن تفسير تغيير الاسم بالسعي للتخلص من عبارة POLY التي تحيل لمجموعة POLY GROUP CORP. وثمة سوابق يتعين استذكارها ففي فجر يوم 27 يناير 1998 اختفت سفن شركتي كنزا فيشري KENZA FISHERIE وسيما CIMA الصينية على الرغم من كونها كانت ممرتنة مخلفة وراءها التزامات كثيرة وفي سنة 2013 اختفى مسؤولو مجموعة شاندونغ Shandong Group التي ظلت سفنها تعمل في المياه الموريتانية بعد أن قررت وزارة الصيد إيقافها بذريعة القدم وغادر مسؤولوها البلاد دون تنسيق مع شريكهم الموريتاني (ابراهيم ولد الحاج المختار) الذي أصبح يتردد تارة على وزارة الصيد الموريتانية مطالبا بحصة سفنه من صيد الأعماق وتارة يتطلع إلى اللجنة الموريتانية الصينية المشتركة وتارة أخرى يكتب لرئيس الجمهورية.. وعندما فتح ملفا قضائيا لم يجد عنوانا لمجموعة شاندونغ SHANDONG GROUP المدعى عليها ودأب الصينيون الذين يتوصلون بالاستدعاءات على الرد بأنهم غير معنيين وبأن شاندونغ إقليم كبير.

2. حظر إقامة موانئ خاصة مغلقة: يدخل تسيير الموانئ في النطاق المشمول بتنظيم دولي يضع معايير تضمنتها المدونة الدولية لأمن السفن والمرافق المينائية ISPS «International Ship and Port Facility Security» المعتمدة من طرف المنظمة البحرية الدولية IMO.. واعتبارا لارتباط التحكم في الموانئ بمبدأ سيادة الدولة فقلما يطرح إشكالا لأن من العسير على الدول أن تساوم في سيادتها. وقد وضعت منظمة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة سنة 2005 اتفاقا بشأن تدابير دولة الميناء لمنع الصيد غير القانوني وغير المرخص فيه وغير المنظم PSMA أقرتها منظمة FAO في دورتها السادسة والثلاثين (36) المنعقدة في روما بتاريخ 22 نوفنبر 2009 ودخلت التدابير حيز التنفيذ في يونيو 2016، ثلاثين يوما بعد إيداع موافقة خمس وعشرين (25) بلدا عليه. وقد انضمت لهذا الاتفاق، حين كتابة هذا المقال، إحدى وسبعون (71) دولة من ضمنها موريتانيا بينما لم تنضم له الصين.

وطبقا للقانون الموريتاني تدخل الموانئ في نطاق الدومين البحري العام الذي لا يقبل التصرف فيه ويحكمه مبدأ حرية المرور العمومي، حيث تنص المادة 219 من القانون رقم 95 – 009 الصادر بتاريخ 31 يناير 1995، المنشور في عدد الجريدة الرسمية رقم 848 بتاريخ 15 فبراير 1995، المتضمن مدونة البحرية التجارية (الذي كان نافذا إبان توقيع الاتفاقية) على أن الدومين العمومي البحري غير قابل للتصرف ولا للتقادم ولا للحجز وتكرس حرية المرور العام فيه بشرط احترام أنظمة الأمن المعمول بها. وتنص المادة 218 من نفس المدونة على أن الدومين العمومي البحري يشمل الموانئ البحرية وتوابعها.. ويدمج في الدومين البحري شريط ساحلي يبلغ معدل عرضه 100 متر انطلاقا من الحد الأعلى للشاطئ.. وتنص المادة 227 من نفس القانون: في فقرتها الأولى بأنه يسمح للجميع بالوصول إلى الشاطئ إلا إذا حالت دون ذلك أسباب تتعلق بالأمن أو بالدفاع أو بحماية البيئة، كما تنص فقرتها الثانية على أن استخدامها مجاني وحر بالنسبة للجميع. مع أن الفقرة الثالثة تجيز للوزير المكلف بالبحرية التجارية منح استثناءات بشرط الحفاظ على حرية الحركة والاستخدام من طرف الجمهور لفضاء معقول ممتد مع طول البحر. وجدير بالملاحظة أن مدونة البحرية التجارية النافذة (القانون رقم 2013 – 029 بتاريخ 30 يوليو 2013 المنشور في عدد الجريدة الرسمية رقم 1297 بتاريخ 15 أكتوبر 2013) تكرس نفس المقتضيات المذكورة أعلاه وهي مضمنة في موادها 20 وما بعدها.

وفي الواقع تستخدم شركة يولي هوندون ميناء خاصا بها مع أنه ليس الوحيد على شواطئ انواذيبو حيث أصبحت موانئ الصيد الخاصة موضة يتنافس فيها المستثمرون الصينيون فقد بني على الشاطئ الواقع بين حي كانصادو والقلاع الزرقاء ميناء شركة SOREC المشهورة بسانرايز Sunrise ومدت شركة MAURITANIA SEAFOOD مرسى خاصا عند مدخل خليج الراحة إلى الجنوب الشرقي إلى يمين الداخل مع قناة ميناء الصيد التقليدي. وتمكن مشاهدة الموانئ المذكورة على برنامج (كوكل الأرض) Google EARTH.

3. منع مرتنة السفن التي يملك الأجانب نصفها أو أكثر: يحدد قانون كل بلد الشروط التي يمنح بموجبها جنسيته للسفن حيث تنص المادة 91 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار على ما يلي: "تحدد كل دولة شروط منح جنسيتها للسفن ولتسجيل السفن في إقليمها وللحق في رفع علمها. وتكون للسفن جنسية الدولة التي يحق لها رفع علمها. ويجب أن تقوم رابطة حقيقية بين الدولة والسفينة.".

وقد وضعت مدونة البحرية التجارية (القانون رقم 95 – 009 بتاريخ 31 يناير 1995 والمنشور في عدد الجريدة الرسمية رقم 848 الصادر بتاريخ 15 فبراير 1995) التي كانت نافذة في موريتانيا، إبان توقيع اتفاقية وزارة الشؤون الاقتصادية والتنمية مع شركة بولي هوندون، كشرط لمرتنة السفينة، أن تكون مصنعة في موريتانيا أو مملوكة لأشخاص طبيعيين أو اعتباريين موريتانيين بنسبة تزيد على النصف (51 %) وإذا كانت السفينة مملوكة لشركة أوجب القانون أن تكون نسبة ملكية الموريتانيين فيها تساوي على الأقل 51 % (المواد 18 و19) ولكن مدونة البحرية التجارية الجديدة، التي تم سنها بعد الاتفاقية (القانون رقم 2013 – 029 بتاريخ 30 يوليو 2013 المنشور في عــــدد الجريدة الرسمية رقم 1297 الصادر بتاريخ 15 أكتوبر 2013) عدلت المعايير حيث تضمن البند 3 من مادتها 51 شرطا يبدو مفصلا على مقاس شركة بولي هوندون: (يمكن أيضا أن تحصل كل سفينة على الجنسية الموريتانية إذا كانت مملوكة:.. 3. لشركة أجنبیة (أو فرع منھا) حصلت على الجنسیة عن طریق استثمارھا في قطاع الصید البحري في إطار اتفاقیة تأسیس)!؟ وفي غياب نشرة إلكترونية لمعطيات الشركات المسجلة في موريتانيا استفسرت كتابة ضبط المحكمة التجارية في انواذيبو، الممسكة بالسجل التجاري، عما إذا كانت شركة ابولي هوندون مسجلة لديها فأجابتني بالنفي.

رابعـــا/ آثار الاتفاقية على مساعي تكريس الشفافية في مجال الصيد
ترفع السلطات الموريتانية منذ ست سنوات شعار اعتماد الشفافية في قطاع الصيد (1) ولكن الملابسات التي أحاطت بتوقيع اتفاقية بولي هوندون وما يكتنف تنفيذها من ضبابية وغموض يهدد بإفشال مسعى السلطات (2) وربما وقع تحت طائلة العقوبات الدولية المقررة بسبب تعاطي الصيد غير المشروع وغير المصرح به وغير المنظم (3).

1. إعلان موريتانيا لتكريس الشفافية في قطاع الصيد: انعقد في انواكشوط يوم 3 فبراير 2016 المؤتمر الدولي الأول لمبادرة الشفافية في قطاع الصيد FITI Fisheries Transparency Initiative وأعلن رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية آنذاك عن انضمام موريتانيا للمبادرة. ويبدو أن إجراءات الانضمام لم يمهد لها بدراسة قانونية ولم تعرضها السلطة التنفيذية على تصويت السلطة التشريعية وإنما تمت بطريقة مرتجلة ففي غياب إطار قانوني مرجعي صدر مقرر مشترك عن وزيري الاقتصاد والمالية ووزير الصيد والاقتصاد البحري، بتاريخ 23 يناير 2017 يقضي بتعيين أعضاء الفريق الوطني متعدد الأطراف GMN لمبادرة الشفافية في قطاع الصيد FITI ويتألف الفريق من خمسة عشر (15) عضوا خمسة منهم يمثلون الإدارة وخمسة يمثلون القطاع الخاص فيما يمثل خمسة المجتمع المدني. وقد ذكر تقرير موريتانيا الأول إلى مبادرة الشفافية أسماء الفريق الذي استغربت كونه يضم شخصا، يوحي اسمه بأنه صيني يدعى سيمون زانغ (إن لم يكن منح الجنسية الموريتانية).. ووجه الاستغـراب أنه إذا كان الانضمام للفريق متاحا لممثلين عن الشركاء الأجانب فمن غير الوارد استبعاد السنغاليين والأوربيين واليابانيين والروس، لأن إقصاءهم وحضور زميلهم قد يؤدي لاختلال لا يخدم الشفافية.

وبخصوص إجراءات انضمام موريتانيا لمبادرة الشفافية في قطاع الصيد، قام وزير الاقتصاد والمالية الموريتاني بتعبئة شكلية طلب انضمام لمبادرة FITI بتاريخ 25 نوفنبر 2018 ووقعه وختمه. ولا بد أن إدارة المبادرة سجلت تأخر إعداد تقرير موريتانيا السنوي الأول حتى يوم 18 مايو 2021 وأنه تضمن معطيات سنة 2018 وأن التقرير الثاني أعلن بتاريخ 22 ابريل 2022 ونشر باللغة الفرنسية دون ترجمته للغة الرسمية (العربية) وتضمن معطيات سنتين (2019 – 2020).. وقد أنجز التقريران بالتعاون مع الشراكة الإقليمية للحفاظ على المناطق الساحلية والبحرية في غرب إفريقيا PRCM التي اكتتبت خبيرين تكفلا بجمع مادة التقريرين هما: الدكتور محمد عابدين امعييف (خبير المحيطات الموريتاني الذي عين في فاتح إبريل 2022 وزيرا للصيد والاقتصاد البحري) والاقتصادي السينغالي الدكتور مصطفى كيبي.

2. تعامل الفريق الوطني لمبادرة الشفافية في مجال الصيد مع اتفاقية بولي هوندون: ورد في التقريرين الموريتانيين لمبادرة الشفافية في قطاع الصيد، ما يلي: "إن سفن شركة FUZHOU HONGDONG PELAGIC FISHERY CO. LTD هي سفن صيد ممرتنة ترفع العلم الموريتاني حيث أن اتفاقية تأسيسها تعد شكلا من أشكال التفاهم يختلف عن عقود اتفاق الصيد الكلاسيكية ومن ثم فهو يتعلق باستثمار تلتزم الشركة بالقيام به في موريتانيا. الاتفاقية تمتد على مدى 25 سنة وتسمح لشركة Poly Hong Dong Pelagic Fishery بتشغيل مجمع صناعي متكامل في انواذيبو يتألف من سفن للصيد ووحدات للمعالجة وتثمين المصائد. وهكذا فإن صاحب الامتياز Fuzhou Hong Dong Pelagic Fishery Co. LTD يفرغ المنتجات السمكية ويعالجها ويثمنها في موريتانيا ويسوقها انطلاقا من موريتانيا". انتهت الخلاصة المقتضبة التي ذكرت، دون تفصيل شركتي فوزهو هونغ دونغ وبولي هوندون دون تفسير العلاقة بين الشركتين وملابسات حلول إحداهما محل الأخرى في علاقتها بالدولة الموريتانية.

ويلاحظ أن الفريق الوطني لمبادرة الشفافية، في تقريريه الأولين، لم يتطرق لتراخيص وحدات صناعة دقيق وزيت السمك التي يديرها الأجانب والتي تلفت آثارها البيئية الانتباه في الداخل والخارج منذ غزت شبه المنطقة، خلال العقد الأخير ولا لنشاط شركة SOREC المشهورة بتسمية "سانرايز" Sunrise Oceanic Resources Exploitation Company الصينية التي تملك سفنا وتسير مجمعا غامضا وتدير ميناء مغلقا خاصا بها (يوجد على الشاطئ الواقع بين القلاع الزرقاء ومقر الأكاديمية البحرية) ولا لشركة MAURITANIA SEAFOOD ذات رصيف المينائي الخاص عند المدخل الجنوبي الشرقي لقناة خليج الراحة.. وأقل ما يقال أنه ما كان ينبغي لأنشطة بهذا الحجم من الآثار وبمستوى الغموض الذي يكتنف طبيعتها القانونية ومساهميها الأجانب والامتيازات التي حصلت عليها من السلطات الموريتانية، أن لا تلفت انتباه الفريق ولا أن يغيب ذكرها عـن صفحات التقريرين الموريتانيين الأولين المتعلقين بالشفافية في قطاع الصيد.

3. عقوبات تعاطي الصيد غير المعـلــن: استشعـرت بعض مكونات المجموعة الدولية خطر الصيد الجائر على الأسماك والموارد البحرية الحية التي تشكل غذاء حيويا للبشرية فبادر الاتحاد الأوروبي بوضع تشريع يهدف للحد من الصيد غير المشروع وغير المصرح به وغير المنظم Pêche INN "صغم3". ومنذ مطلع سنة 2010 بدأ سريان النظام الأوروبي رقم: 2008R1005، المطبق على جميع سفن الصيد مهما كان علمها وحيثما كانت منطقة صيدها. ويقضي النظام بحظر كل منتوج بحري مجهول المصدر وفرض قيود على منتجات أي بلد لا يتابع إنتاج السفن التي ترفع علمه ولا يتحمل مسؤوليات موانئه التي يجب عليه، بمقتضى النظام، أن يمنع استقبالها للسفن التي ربما تصيد بطريقة تعسفية في المياه الدولية، كي لا تستنزف الموارد الحية ويمس البشرية الضر في غذائها. وتلقت المفوضية الأوروبية إشعارات تفيد انخراط إحدى وتسعين (91) دولة في المسعى بسنها لنظم تفرض ضوابط الصيد المسؤول.. وكانت موريتانيا ممن أعلن الاستجابة وحظر الصيد غير الشرعي وغير المصرح به وغير المنظم "صغم3" بموجب المواد 61 وما بعدها من مدونة الصيد (القانون 2015 – 17 الصادر بتاريخ 29 يوليو 2015 المنشور في عدد الجريدة الرسمية رقم 1341 بتاريخ 15 أغسطس 2015). وتقضي مسطرة الجزاءات الأوروبية بتوجيه بطاقات صفراء للدول التي لا تتحمل مسؤولية السفن التي ترفع علمها أو تهمل رقابة موانئها وتمنحها فرصة للتغلب على النواقص وتقديم ما يبرر رفع التحفظات، حينها تعيدها للائحة الخضراء. أما الدول التي تتمادى أو تغض الطرف عن التجاوزات وتتستر عليها فإنها تحشر في اللائحة الحمراء، مما يترتب عليه حظر دخول منتجاتها للسوق الأوروبي الموحد الذي يعد أكبر سوق عالمي للأسماك.

ومنذ بدء المتابعات الأوروبية، سنة 2012، فتح سبعة وعشرون (27) ملفا أفضت مساطر ستة (6) ملفات منها لبطاقات حمراء. وثمة ثلاثة بلدان لم تتخذ، حتى الآن، التدابير اللازمة لرفع الإجراءات المتخذة في حقها هي: كامبودج، القمر وسينه فينسانه والغرينادين (Saint-Vincent-et-les-Grenadines).

ويتابع الأوربيون باهتمام وضع المصائد في المنطقة فقد تضمن اتفاق الصيد بين الاتحاد الأوروبي وموريتانيا، الموقع في ابروكسل، بتاريخ 28 يوليو 2021، لأول مرة، بندا خاصا بالشفافية تلتزم موريتانيا بموجبه بنشر كل اتفاقياتها مع الأساطيل الأجنبية وهو الاتفاق الذي أجازته لجنة الصيد بالبرلمان الأوروبي يوم 11 مايو 2022 بعد الاستماع إلى تقرير النائب الإسبانية إيزاسكون بيلباو Izaskun Bilbao ويتوقع عرضه، في جلسة علنية لتصويت البرلمان الأوروبي. ولم يعد الأوروبيون يخفون قلقهم من الإفراط في صيد الأسماك السطحية الصغيرة Petits Pélagiques في موريتانيا حيث يتم سحقها وتحويلها إلى دقيق وزيت في مصانع يتحكم فيها الصينيون وخلال تلك العملية تتلاشى نسبة ثمانين بالمائة (80 %) من المنتوج السمكي: خمسة أطنان (5) من السمك تسحق لإنتاج طن واحد (1) من الدقيق.

خامسا/ مساس الاتفاقية بالتزامات موريتانيا الدولية
تعتبر الموارد البحرية ثروة عالمية لذلك أدرجت المنظمات الدولية والإقليمية الحفاظ عليها في المواثيق والعهود الدولية والإقليمية والأجندات والبرامج التنموية وتسعى الدول المتمدنة لتنسيق جهودها لاستغلال الموارد البحرية بطريقة تضمن عدم التأثير على ديمومتها، ونتناول هنا الأجندات الحكومية للحفاظ على الثروة البحرية (1) والدور الذي تلعبه المنظمات غير الحكومية في الحفاظ على البيئة وعلى الكائنات الحية (2) قبل أن نقدم بيانات، تخدم الموضوع، من مؤشر الصيد غير المشروع وغير المصرح به وغير المنظم "صغم3" (3).

1. الأجندات الحكومية للحفاظ على الموارد البحرية: صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2015 على أهداف التنمية المستدامة (ODD) وحددت سبعة عشر (17) هدفا من ضمنها هدف التنمية المستدام رقم 14 (SDG 14) المتعلق بالحفاظ على المحيطات والبحار والموارد البحرية والسهر على استغلالها بشكل يحقق التنمية المستدامة. ومن أسباب ذلك تنظيم صيد الأسماك، بوضع حد للصيد غير الشرعي وغير المصرح به وغير المنظم "صغم 3" (Pêche INN) وحظر استخدام وسائل الصيد المدمرة للبيئة والحفاظ على المناطق الساحلية والبحرية كي تستمر الحياة.

وتنص المادة 235 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار على أن: "الدول مسؤولة عن الوفاء بالتزاماتها الدولية المتعلقة بحماية البيئة البحرية والحفاظ عليها. وهي مسؤولة وفقا للقانون الدولي".

كما تنص المادة 118 من نفس الاتفاقية على: "تعاون الدول فيما بينها في حفظ وإدارة الموارد الحية في مناطق أعالي البحار. وتدخل الدول التي يستغل رعاياها موارد حية متماثلة، والدول التي يستغل رعاياها موارد حية مختلفة في نفس المنطقة، في مفاوضات بغية اتخاذ التدابير اللازمة لحفظ الموارد الحية المعنية. وتتعاون، حسب الاقتضاء، لتؤسس لهذا الغرض منظمات دون إقليمية أو إقليمية لمصائد الأسماك".

وتنص الفقرة الثالثة من المادة 28 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب على ما يلي: "يمــارس التصــرف الحــر فــي الثــروات والمــوارد الطبيعيــة دون مســاس بــالالتزام بتنميــة تعـاون اقتصـاد دولـي قـائم علـى أسـاس الاحتـرام المتبـادل والتبـادل المنصـف ومبـادئ القانون الدولي.".

وقد وضعت منظمة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة FAO مدونة السلوك من أجل صيد مسؤول وتواصل جهودها البحثية ومساعيها الإرشادية لمساعدة الدول بتحديد ما يمكن أن تتخذه من إجراءات حيال عدم انصياع السفن للنظام وسبل تعزيز التعاون الدولي لمساعدة البلدان النامية على النهوض بمسؤولياتها.

2. إسهام المنظمات غير الحكومية في الحفاظ على البيئة: يتعاظم دور المنظمات غير الحكومية على الصعيد العالمي حيث أصبحت تؤثر على الرأي العام وتوجه القرارات الحكومية ولتكوين فكرة عن نشاطها تتأتى متابعة منظمة السلام الأخضر GREENPEACE ورصدها لمصانع دقيق وزيت السمك في موريتانيا والسنغال وغامبيا والتحقيقات التي نشرت بناء على ذلك ومنها، دراسة نشرت في شهر يونيو 2019، تحت عنوان: السمك المختطف، تهديد صناعة دقيق وزيت السمك للأمن الغذائي في غرب إفريقيا.
Poisson Détourné
La sécurité alimentaire menacée par l’industrie de la farine et de l’huile de poisson en Afrique de l’Ouest.

وأحصت الدراسة تسعا وثلاثين (39) وحدة تصنيع لدقيق وزيت السمك في موريتانيا: 27 منها في انواذيبو و12 في انواكشوط كما أحصت ثمانا (8) في السنغال وثلاثا (3) في غامبيا وحددت إحداثياتها على الخريطة. ودقت المنظمة ناقوس الخطر

 

وخلصت إلى توصية البلدان الثلاثة بالتخفيض التدريجي لإنتاج دقيق وزيت السمك بالانطلاق من أسماك صالحة للاستهلاك البشري المباشر واعتبارا للآثار السلبية للصناعة على المستوى البيئي والاجتماعي والاقتصادي. وعلى الصعيد المحلي تلعب منظمة "زاكيه" دورا ملحوظا في مواجهة المخاطر البيئية المحدقة بالثروة السمكية حيث أطرت حراك سمكي وبيئتي في خطر.

3. بيانات من مؤشر الصيد غير المشروع وغير المصرح به وغير المنظم "صغم3": تعاونت خلية الاستشارات حول تسيير الموارد البحرية POSEIDON (التي يوجد مقرها في لندن) مع المبادرة الكونية ضد الجريمة المنظمة العابرة للحدود GLOBAL INITIATIVE Against transnational organized crime (منظمة غير الحكومية يوجد مقرها في جنيف) على تصميم مؤشر يصدر نشرة كل سنتين تقيس مستويات التزام دول العالم بمحاربة الصيد غير المشروع وغير المصرح يه وغير المنظم "صغم3". يسمى المؤشر الذي نشرت طبعته الأولى سنة 2019:
 IUU Fishing Index = Illegal, Unreported and Unregulated fishing Index 

ويقوم خبراء المؤشر، انطلاقا من أربعين معيارا بتنقيط دول العالم وترتيبها على أساس التزام السفن التي ترفع علمها والموانئ التابعة لها بضوابط محاربة "صغم3" وتتدرج نقاط المؤشر من 1 التي هي النتيجة المثالية إلى 5 وهي النتيجة الأسوأ وتأتي الدول المقصرة في أعلى قائمة المؤشر بينما تتذيل الدول الملتزمة اللائحة.

 

وبحسب نشرة المؤشر الأخيرة، الصادرة سنة 2021، احتلت جمهورية الصين الشعبية المرتبة الأولى، للمرة الثانية على التوالي، حيث حصلت على 3,6 من أصل 5 درجات وبذلك تعتبر، بحسب المؤشر، أسوأ بلدان العالم في محاربة الصيد غير المشروع وغير المصرح به وغير المنظم بينما احتلت فنلندا المرتبة 152، الأخيرة دوليا، بنتيجة 1,62 من 5 وبذلك تعد أكثر بلدان المعمورة التزاما بمحاربة الـ"صغم3".

وقد احتلت موريتانيا الرتبة 43 من أصل 152 دولة وحصلت على نتيجة 2,4 من 5 متراجعة عن نتيجتها في سنة 2019 حيث حصلت على 2.07 وكانت نتائجها التفصيلية في (المواد الرئيسية) كالتالي: المسؤولية فيما يتعلق بالساحل وتسيير المنطقة الاقتصادية الخالصة 2,5، المسؤولية فيما يتعلق بالسفن التي ترفع علم البلد 1,90، المسؤولية في تسيير الموانئ 2,22، المسؤولية العامة 2,81..

الـــخــــــــلاصـــــة
وجملة القول أن المواطنين الموريتانيين قلقون بسبب التناقص الملحوظ في ثروتهم البحرية ويعتقدون، كما يعتقد جل العارفين، أن مصانع دقيق وزيت السمك وممارسة الصيد غير المشروع وغير المصرح به وغير المنظم من أكبر أسباب الندرة الجلية التي أدت لارتفاع أسعار الأسماك في السوق المحلية بالمقارنة مع أسعارها السابقة ومع أثمان اللحوم الحمراء والدجاج المستورد. وبعد أن كان فقراء انواذيبو يجدون ما يسد رمقهم من أسماك السطح (ياي بوي) مجانا على شاطئ الصيادين ارتفعت أسعار كل الأصناف بشكل غير مسبوق يؤشر عليه ارتفاع سعر كيلوغرام "الكوربين" خلال خمسة أعوام من 700 أوقية قديمة (2 دولار آمريكي) إلى 350 أوقية جديدة (10 دولارات آمريكية). وبعد أن كانت الطبقة المتوسطة تستهلك هذا الصنف لم تعد الظروف تسمح لغير الميسورين بشراء سمك الكوربين بعد أن أصبح كيلوغرامه أغلى من كيلوغرام أجود أنواع اللحوم الحمراء.

وقد حدثت الندرة بعد انتشار مصانع دقيق وزيت السمك والتي أصبح عددها في الشاطئ الموريتاني يناهز خمسين (50) وحدة وبعد سنوات من استغلال أسطول شركة بولي هوندون الذي بلغ عدد سفنه سنة 2018 تسعا وأربعين سفينة (49)، يتراوح طولها بين 44 و22 متر، تستخدم عشر (10) منها طريقة الجر بشباك الثورchalut boeuf، (راجع لائحة سفن الصيد الكبير الملحقة بالتقـرير الموريتاني الأول لمبادرة الشفافية في مجال الصيد) وتقوم طريقة الجر بشباك الثور على قيام سفينتين بتجاذب شبكة فضفاضة بينهما وتنطلقان في اتجاه واحد وعلى خطين متوازيين بحيث تهوي الأحياء البحرية، التي يتصادف وجودها فيما بين السفينتين، في الفوهة الواسعة للشبكة قبل أن تستقر في جيبها الخلفي الذي تضيق فتحاته بفعل التكدس فلا يجد الكثير من صغار الأحياء سبيلا للنفاذ وهي طريقة تصنف عالميا بأنها خطر على الموارد البحرية وإفراط في استغلالها.

ويبدو أن الأسطول الصيني انتشر في أعالي البحار والمناطق البعيدة وشهدت أعداد سفنه زيادة كبيرة، حيث قدرها الباحثون سنة 2019، بستة عشر ألفا وتسعمائة وستة وستين (16.966) سفينة، حصلت المئات منها على ملاذ في الدول الإفريقية التي لا تتشدد في احترام المعايير (راجع تقرير أسطول الصيد الصيني في أعالي البحار، الحجم والأثر والحكامة، الصادر عن المؤسسة الفكرية البريطانية  Overseas Development Institute في يونيو 2020):
China’s distant – water fishing fleet
Scale, impact and governance
Miren Gutiérrez, Alfonso Daniels, Guy Jobbins, Guillermo Gutiérrez Almazor and César Montenegro
ODI, June 2020

وقد خلص تقرير مجموعة التحقيق البرلمانية الموريتانية، الصادر في يوليو 2020، إلى ارتكاب سفن FU YWAN YU  التابعة لشركة "بولي هوندون" أو "فوزهو" العاملة في المياه الموريتانية لمخالفات الصيد غير المشروع بالصيد في المناطق المحظورة وتلويث البيئة. وتقول الباحثة ميرين غوتييريز Miren Gutiérrez من مؤسسة ODI: "إن قرابة مائتين وسبعين (270) سفينة صينية ترفع أعلام غانا أو موريتانيا لأن ذلك يمنحها حق الصيد في المياه الإقليمية لهذه البلدان". وفي سنة 2017 حجزت أندونيسا سفينة صيد صينية تسمى FU YWAN YU 831 بعد ضبطها وهي تصطاد بطريقة غير شرعية في منطقتها الإقليمية الخالصة وتبين أنها اصطادت عينات محمية واستخدمت شباكا محظورة وعثر على متنها على أعلام ست (6) دول.. وفي أكتوبر 2020 رصد الباحثون الناشطون ضد "صغم3" أسطولا يتألف من زهاء ثلاثمائة (300) سفينة صيد صينية قبالة شواطئ البيرو بمحاذاة منطقتها الإقليمية الخالصة.

واعتبارا للخطر المحدق بالبيئة والثروة البحرية الوطنية يتعين على السلطات الموريتانية أن تتحمل مسؤوليتها، قبل فوات الأوان، بأن تفرض احترام نصوص القانون على المستثمرين حفاظا على المصالح الحيوية للبلد التي تتطلب مواكبة المجموعة الدولية الرشيدة الساعية إلى وضع مدونة سلوك للصيد المسؤول، تكفل استمرار الحياة البحرية واستدامة مواردها.

واعتبارا لعلاقات الصداقة التاريخية التي تربط موريتانيا بجمهورية الصين الشعبية فمن المناسب أن تتفهم خطورة الأوضاع وتبادر بإقناع رعاياها المستثمرين باحترام قوانين الدولة الموريتانية والانصياع للمتطلبات العالمية في مجال الحفاظ على الموارد وإذا لم يتم، خلال أجل ثلاثة أشهر (المحدد في الاتفاق)، التوصل لتسوية رضائية تكفل احترام القانون الموريتاني وتصون المصالح الحيوية للبلد وتحفظ ثروته البحرية وتتناغم مع متطلبات المجموعة الدولية، فمن واجب السلطات الموريتانية أن تعلن إلغاء الاتفاقية مع بولي هوندون والشطب على سفن فوزهو من سجل السفن الموريتانية وتقلص مصانع دقيق وزيت السمك إلى المستوى الذي تتطلبه معالجة الأسماك غير الصالحة للاستهلاك البشري.. وأراهن على أن أي مسعى موريتاني جاد للحفاظ على البيئة والثروة البحرية سيجد الدعم الدولي الكفيل بتعويض الآثار الوقتية المحتملة، إن لزمت، فمهما كان المقابل الذي يدفع للولوج للثروة البحرية مرتفعا فمن السفه قبوله إذا كان قد يتسبب في أضرار يتعذر تداركها فيما بعد. وبتقويم استثمار مجموعة

فوجيان FUJIAN GROUP الذي لم يؤد إلى تعطيل النصوص القانونية الموريتانية فحسب وإنما تسبب في العبث بها كما بينا أعلاه، نجد أنه يتألف من ممتلكات عينية أغلبها سفن ومعدات ومواد منقولة لا تزال بين أيدي ملاكها ويمكنهم التصرف فيها لأن استغلالها مدة اثني عشرة سنة أخرى سيؤدي لاندثارها وتلاشيها مثلما تآكلت واندثرت سفن مجموعة شاندونغ SHANDONG GROUP وربما تكون السلطات الصينية راغبة في التخلي عنها تنفيذا لبرنامج تقليص أسطولها البحري في أعالي البحار إلى ثلاثة آلاف سفينة.