على مدار الساعة

هل استعجلت الجماعة قطاف مشروعها..؟

28 يوليو, 2022 - 18:42
الشيخ ولد المامي

القصة: دخلت إحدى الزوجات في أزمة نفسية بسبب إهمال زوجها "سعادو" فقررت الذهاب إلى طبيب نفسي؛ وحين تمددت على أريكته، طلب منها التحدث عن مشكلتها.

 

بدأت السيدة تحكي قصتها مع زوجها وقالت: زوجي يحبني ويغار علي لدرجة أصبح أمره لا يطاق؛ تصور أنه لا يكاد يخرج من البيت، وأحيانا يبقى معي في الغرفة لمدة تزيد عن أسبوع، تصور أنه خلال العشرة أيام الماضية أصر على بقائي في السرير لدرجة أن قدمي لم تمسا أرضية الغرفة، حتى الحمام كان يحملني إليه كي لا تمس قدماي الأرضية..!!

 

كان الطبيب ماهرا في تخصصه، فقاطعها متسائلا: هل هذا ما حدث بالفعل، أو هذا ما كنت تتمنين أن يحدث..؟

 

قصة أخرى: من خلال متابعتي لصفحات وكالة الأخبار المستقلة خلال الفترة الأخيرة وأنا في إجازة بمدينة روصو، وبعدما أشفعت الأمر بقراءة أربع منشورات لمدير تحريرها على صفحته على الفيسبوك، قررت صباح اليوم أن أدخل العاصمة نواكشوط بصفة استعجالية حتى أدخل طابور الباحثين عن اللجوء السياسي على أبواب السفارات في نواكشوط، فلا توجد سفارات بروصو.

 

لاحظت أن كمية ووزن أزمات موريتانيا الذي تحدثت عنها الأخبار ومدير تحريرها لا يمكن أن يطمئن معه شخص مميز يُناكح على وقته الآني فكيف بمستقبله..؟!

 

بعد وصولي إلى العاصمة وبعد جولة داخلها وسبر للواقع بعين مدركة، أيقنت في الأخير أنه لا داعي لطلب اللجوء، وأن موريتانيا لم تزل كما عهدتها، وأن عاصمتها لم تزل نواكشوط.

 

المقال: لا أدري هل توجد علاقة بين "الجماعة" و "سعادو" ولا أدري مدى تلك العلاقة - إن وجدت - ؛ ما أنا متأكد منه أن الفضول يجتاحني لمعرفة "ما الذي تريده الجماعة..؟".

 

صبحتنا وكالة الأخبار المستقلة اليوم بعنوان أحمر بالخط العريض - أو أصفر لا أدري - يتحدث عن مظاهرات في الولايات المتحدة الأمريكية لعشرات الموريتانيين المنددين بارتفاع الأسعار، وهو يدخل ضمن حملة نشطة تقوم بها المؤسسة منذ إعلان تعليق التشاور السياسي الأخير..!!

 

الغريب أن الخبر بعيد كل البعد عن الأسلوب الذي عهدته في ما ينشر من أخبار عبر الوكالة وفي تعاطيها مع الأحداث، حيث كانت تمجد الدقة والمصداقية – غالبا - في معظم ما ينشر على صفحاتها، ولا أتحدث هنا عن ما يخص اتجاهها العام، الذي ربما حصلت هانات كثيرة وثغرات كبيرة في توخيها لذلك الأسلوب خلال التعاطي مع ما يخصه.

 

استغربت أن النشطاء الذين حضروا الوقفتين - ليست واحدة - أعلنوا على صفحاتهم سبب تنظيمهما، وأن حكاية الأسعار - التي تعرف ارتفاعا في شتى الدول بما في ذلك أمريكا - كانت مجرد مضاعفات لـ"سعادو" التي أحسست أنها ناءت بكلكلها على أولى الوكالات الإخبارية المستقلة في البلاد حسب ما يبدو لي.

 

وهنا أكرر "من جديد ما الذي تريده الجماعة..؟"

 

استغربت جدا أن تفرط وكالة الأخبار في مصداقية اكتسبتها من عمل حرفي تزيد مدته على عقد من الزمن، وكنت أحسب أن الجماعة قد وعت درس "قناة الجزيرة" التي عملت بمصداقية وشبه حياد لقرابة عقد ونصف اكتسبت فيه ثقة الملايين، ثم فقدت معظم ذلك الرصيد عشية انحرافها في نزوات غوغاء "الربيع العربي" الذي ولد نتائج عكسية، أدت لصعود الفاشية ضد "الجماعة" من جديد، وصارت دماء أفرادها هدرا في أكثر من بلد بسببه.

 

أعلم علم اليقين أن قرار تعليق التشاور لم يكن على مزاج الجماعة، وأن رفض الداخلية الترخيص لمسيرة حزب "تواصل" قبل أيام كان أمرا مؤلما، لكن مهما وصل ألمه، لن يكون أشد إيلاما من فقدان رصيد الثقة في واحدة من أكثر وسائل الإعلام المحلية انتشارا وحرفية، وأكثر إعلام الجماعة حرفية.

 

لن أجامل المؤسسة التي أعتبرها الناشر لأول لما أكتب، ولن أجامل مدير تحريرها، رغم العلاقة الطيبة والاحترام المتبادل، وسأصارحهم أن خطهم التحريري في الفترة الأخيرة أصبح موجها لدرجة ستفقده المصداقية، ولن أقول أبدا أن أمر تعاطي الوكالة مع الشأن المحلي غير مخطط له بإحكام، فأنا لا أومن بالصدفة، ولا أصدق مبدأ التجرد في الإعلام، وهذا ما يدعوني أكثر للتساؤل، ما الذي تريده الجماعة..؟

 

ليست هذه أول مرة أسجل ملاحظات سلبية على المؤسسة، وأعلم جدا كما يعلم "الذئب الي تل ولاتة" أنها تتبع لاتجاه معين وتخدم أجندته، ولها الحق في ذلك، لكن أعلم جدا أن موسم قطاف مشروعها لم يحن بعد حسب تقديري، فما كل من أسقط مديرا من خلال نشر تحقيق يمكن أن يسقط رئيسا.

 

ثم أنني أعلم وأشدد على معرفتي، أن من لم يتحين ينوع ثمرته، سيقتطف حشفا وأنابيش ولن يكون له حظ في بُسر ما زرع.

 

للعبرة: ومن يعص أطراف الزِّجاج فإنه يطيع العوالي.