على مدار الساعة

تونس والمغرب إلى أين تتجه العلاقات بين البلدين؟

29 أغسطس, 2022 - 22:52
السلطان البان كاتب صحفي

نشأت العلاقات التونسية المغربية بفضل تبادل الزيارات الرسمية بين قادة البلدين منذ خمسينات القرن الماضى اذ تركزت العلاقات الدبلوماسية التي أسس لها كل من الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة والملك محمد الخامس، بدءًا بفتح البعثة الدبلوماسية التونسية بالمغرب ،و توقيع معاهدة أخوة وتضامن بين تونس والمغرب. وجاءت زيارة الملك محمد السادس إلى تونس، يناير 2014 والتى توجت بالتوقيع على 23 وثيقة قانونية فضلا عن عقد الدورة 18 للجنة المشتركة التونسية المغربية، يناير 2015 فى تونس برئاسة رئيسي حكومتي البلدين.

 

حديثًا منذ وصول قيس سعيد لحكم تونس الخضراء نقرأ عبر صفحات التاريخ الغير بعيدة حضور وفد مغربي رفيع المستوى مثل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في حفل تنصيب الرئيس التونسي قيس سعيد، يتكون من رئيسي مجلسي النواب و بعض المستشارين، شكلت هذه الزيارة إحدى المحطات البارزة في درب تعزيز العلاقات الوطيدة بين البلدين، توقف المراقبون ووسائل الإعلام التونسية عند دلالاتها طويلًا وحظيت بإشادة واسعة و تقديرا كبيرا من قيس سعيد نفسه، علما أن الوفد المغربي كان هو الوفد الوحيد الذي حضر حفل التنصيب على الصعيدين العربي والمغاربي.

 

اقتصاديًا ؛ تعد المملكة المغربية الشريك الاقتصادي الثالث لتونس على المستوى المغاربي والعربى، حيث بلغ حجم المبادلات التجارية في عام 2017 حوالي 830 مليون دينار تونسي (2.8 مليار درهم). كما توجد إتفاقيات شراكة وتبادل الخبرات  في عدة مجالات كالثقافة والتعليم والمبدلات التجارية في مجالات أخرى.

 

تؤكد هذه المعطيات التاريخية إلى عهد قريب قوة ومتانة العلاقات السياسية و الاقتصادية بين البلدين بعيدا عن ملف الصحراء الساخن ، بعد تصاعد وتيرة الخلاف بين الجزائر و المغرب حافظت تونس على علاقتها بالدولتين مثلها مثل الجمهورية الاسلامية الموريتانية، إلى أن جاءت كلمة للعاهل المغربي قال فيها "الصحراء..النّظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم هو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصدقات و نجاعة الشراكات، لذا نتظر من بعض الشركاء التقليديين توضيح مواقفها..." جاء الرد التونسي بعد أسبوع بإستقبال رسمي لإبراهيم غالي زعيم -جبهة البوليساريو- في تونس الخضراء خلال قمة « تيكاد 8» المنعقدة في تونس، وحظي إبراهيم غالي باستقبال رسمي شأنه شأن باقي رؤساء الدول الافريقية المشاركة في القمة واللافت في الأمر أن الوفد الصحراوي لم يكن فيه رئيس الوفد فقط، بل كان فيه سفيران وعدد من المسؤولين الصحراويين.

 

لم يتأخر رد الرباط طويلا اتجاه هذه الخطوة حيث سحبت المغرب سفيرها من تونس وقاطعت قمة "تيكاد" ثم أصدرت خارجيتها بيانًا أكدت فيه أن "استقبال إبراهيم غالي عمل خطير وغير مسبوق ويجرح بشدة مشاعر الشعب المغربي، و هي ردت فعل تؤكد حجم الاستياء وتغيير النظرة المغربية اتجاه تونس من موقفها من ملف الصحراء الغربية.

 

الجانب التونسي رد هو الآخر بالمثل واستدعى سفيره في الرباط للتشاور وأصدر بيانًا يحمل لغة الاستغراب والحيرة اتجاه تصرفات المغرب، اعتقد أن تونس استخدمت الحنكة السياسية وحاولت أن تلقي بالمسؤولية على الإتحاد الافريقي معززة ذالك بعضوية الصحراء الغربية في الاتحاد، و عادت لتذكر بتمسكها بخيار الحياد التّام إزاء النزاع في الصحراء الغربية لكن ذالك لم يلقى أي اهتمام من المغرب.

 

 دبلوماسيا : المغرب يملك الكثير من الحلفاء الاستراتيجيين في القارة السّمراء وهذا ما اتضح جليًا بعد مقاطعة المغرب للقمة حيث أعربت الكثير من الدول الافريقية خلال القمة عن استياءها من غياب المغرب (الشريك البارز). في الاتجاه الآخر لا يخفى على عاقل أن الاستقبال الذي خصص لزعيم البوليساريو في تونس ورفع العلم الصحراوي في قصر قرطاج له دلالات سياسية كبيرة أكثر من كونه مجرد حضور لقمة تنموية، أقل ما يمكن أن يقال عنه -الاعتراف التونسي بالجمهورية الصحرواية- ولو بشكل غير مباشر و تغيير جديد في قواعد اللعبة السياسية بين الدول المغاربية وخصوصًا بين المغرب وتونس.

 

بعد التوتر الجزائري المغربي الذي عشناه في الفترة الأخيرة والذي تجاوز مداه الجغرافي حدود الدولتين وصولًا إلى أوروبا بإستخدام كل منهما سلاحها الخاص في أروقة القمم الدولية، حيث توّظف الجزائر ملف الغاز الذي يعتبر سهمًا مرتفعا في السوق الأوربي هذه الأيام كما توظّف المغرب ملف الهجرة السرية والذي ليس أقل درجة من الآخر، تأتي تونس اليوم كقطب ثالث في تطور هو الأول من نوعه يبدد أمال المغرب حول بقاء تونس على الحياد الذي حافظت عليه لأكثر من نصف قرن تقريبًا.

-هل حقًا غيّرت تونس موقفها السياسي اتجاه القضية الصحراوية أم الأزمة السياسية الداخلية لتونس ألغت بظلالها خارجيًا؟