على مدار الساعة

كيف نفهم الإسلام (33) الرق والإسلام (6)

7 أكتوبر, 2022 - 01:48
الأستاذ محمدو بن البار

بعد ما فصلنا في المقال السابق في الأسئلة التالية: وهي:

- من هم الأرقاء في موريتانيا؟

- من يتحمل مسؤولية ذلك الاسترقاق القديم في موريتانيا؟

- كيف التخلص منه قبل يوم القيامة؟

 

هذه الأسئلة تقدم الجواب عليها، وبقي سؤال واحد منها وهو من المسؤول عن تنفيذ إنهائه وإنهاء آثاره إلى الأبد؟

 

هذا السؤال الأخير سنجيب عنه الآن بإذن الله، وبعد ذلك نكتب إصلاحا يتعلق برجوع موريتانيا إلى حياتها السعيدة عند الاستقلال، وقد تحررت نهائيا من الرق والاحتجاج به أو آثاره.

 

فأقول، إننا ولله الحمد دولة شعبها كله مسلم بمعني أن مشاكلنا يجب ألا يكون حلها إلا إسلاميا ليكون له البقاء.

 

ومعلوم أن الإسلام لم يأذن لأي فرد منه أن يقوم بالتنفيذ للأحكام أو أي تصرف يشمل جميع الشعب إلا تحت أوامر الإمام وحده أي من تكون قوة الشعب العامة تحت أمره.

 

إذاً، لا يجوز لأي وكيل على أي شخص ولدا له أو سفيها أو يتيما إلا عن طريق الإمام سواء كان جهادا حتى ولو كان شرعيا أو إقامة حدود إلى آخره، فالحدود الواجبة التنفيذ مثل القصاص والسرقة وما أشبه ذلك لا يجوز لأي أحد تنفيذها إلا بأمر الإمام.

 

وعليه: فقد قدمنا في الحلقات الماضية أن الرق الذي كان في موريتانيا رق جاهلي تحرم ممارسته، وأن ما ترتب عليه قبل سنة 1983 أي قبل صدور مرسوم رسمي من إمام البلد آنذاك طبقا لفتاوى العلماء لا يسأل عنه في الدنيا ولا في الآخرة إلا صاحبه المباشر له – لا الشعب الموريتاني ولا سلطته – فكما أن من  اغتصب أو سرق لا يتحمل تبعات ذلك في الدنيا ولا في الاخرة إلا نفسه هو: {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت} وبما أنه كان غير متعمد لارتكاب جريمته، ولذا احتاج لفتوى عن حكمه، فإن ما يترتب عليه غير مؤاخذ به في الدنيا ولا في الآخرة: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}، فقوله تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف} إلى قوله تعالى: {وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف} تكرر هنا مرتين لاحتياج الإنسان في تأكيدها، وهي عامة في ارتكاب كل محرم من عمد.

 

أما بعد هذا التاريخ فهو الذي يتحمل فيه الإمام وأعوانه مسؤوليتهم بإنزال العقوبة الصارمة على من تمادى، كما أن الآثار هنا تترتب على صاحب الممارسة ولكن على شخصيته مثل ارتكابه للجرائم الأخرى إذا كانت مالا فليرده وإن كان استخداما من غير أجرة فليؤدها وإن كان استباحة فروج فقبل القرار فإن شبهة الاسترقاق الديني تلحق الولد بأبيه، أما بعد المرسوم فإن من تمادي فقد أدخل خطرا على نفسه وعلى من يزعم أنه ولد شرعي له، فإن كان تمادى عن جهل أو تمرد فالخطر أعظم، أما إن كان  عن إعراض مؤل بنوع السلطات الحالية فإنه يحتاج لاستفتاء العلماء المتبصرين لا المغفلين مثله.

 

ولكن كل هذا لا وجه لمطالبة الشعب كله بتبعاته ولا تهميشه ولا عدم المساواة الاجتماعية في الحياة.

 

فتهميش بمجرد رؤية الفقر من الله وهو واقع على كل صنف في التاريخ بالمشاهدة مغالطة وعمى عن الحقيقة.

 

وإذا كان سببه الجهل، فثلاثة أرباع موريتانيا ذكورا وإناثا ومن كل لون أو أي مجتمع كانوا يمتنعون عن التعليم العصري وهم غير أرقاء وحتى التعليم العربي والإسلامي ما زال خريجوه بأكبر شهادة فيه فقراء مهمشين رغم كثرة خريجي جامعته لأن الدولة لم توظف إلا من تعلم لغة المستعمر ولو لم يحسن نطقها أو كتابتها.

 

فما هو الفرق بين ثقافة العاملين فوق "العربات" والحاملين لشهادات الجامعات العربية الإسلامية؟

 

الأولون عندهم مهنة يعيشون بها والآخرون عندهم شوارع يمشون عليها فقراء أو حوانيت يفتحونها مثل أصحاب العربات.

 

فهذه الحقائق تقول لمن ينعق بما لا يسمع إلا دعاء أو نداء صم بكم عمي – أن المتكلم بباطل في الهواء مهما رفع صوته سوف تقوم شدة ريح الحقيقة في يوم عاصف (في الدنيا والآخرة) باجتثاثه من فوق الأرض مثل أصل الكلمة الخبيثة ما لها من قرار.

 

فترديد كلمة التهميش والغبن والتمييز في العلاقات الاجتماعية دائما تراوح مكانها في الهواء لأنها لا أرض لها في الواقع تفسر عليها، ومن ترديدها في هواء الاستحالة هو جعل المساواة في العلاقات الاجتماعية بين المطالب الهوائية

فنحن الموريتانيون كل أحد منا يعرف الآخر كما يعرف أبناءه فأي شريحة في موريتانيا أو أقول أي مسميات في موريتانيا تميز أشكاله تجعل في نفسها هي نبلاء وما دون ذلك فلا يستطيع الثاني أن يفكر في ما يقربه من الأول إلا ونزلت صاعقة منه عليه.

 

ولكننا أيضا نعلم جميعا أن من أشد سبب التباعد الاجتماعي هو الفقر ولو بين أبناء الأصل الواحد أبا وأما.

 

فمن قام بإحصاء ما طرأ الآن بين الأسر المتباعدة اجتماعيا أًصلا فسوف يجد المال والامكانات المادية قد قاربت بينها في جميع العلاقات والمعاملات إلى آخره.

 

فالغنى يقارب بين كل اثنين كان بينهما برزخ لا يبغيان، والفقر يسلخ الجلد عن العظم حتى لا يمكن تلاقيهما أبدا ولو كانوا أصلا قرباء.

 

وأختم هذه الحقيقة بما رأته أم عيني من فعل غني لفقير في هذا الصدد، فقد رأيت غنيا لا يضاف إلى النبلاء ولكنه غني وقد أعطى لرجل من أعظم النبلاء في قومه سيارة تكمل له نبله، وفي وقت كان الغني في زيارة لمدينة الفقير النبيل وقد دخل النبيل على الغني وهو راكب للسيارة التي أعطاها له وبدأ النبيل (يمرس الأعضاء السفلي من الغني) فقال الغني للنبيل: "احذر يدك لا تمس جلدي إلا مع حائل عنه" بمعني يدك لا تباشر جسدي بهذه المكرمة التي هي أكبر اعتبار للشخصيات عندنا من النبلاء.

 

ملاحظة: ذكرت سابقا أن هذه هي الحلقة الأخيرة من هذا الموضوع ولكن ستكون بعدها بإذن الله أخرى أرجو أن تكون الأخيرة.