على مدار الساعة

قرار الاتحاد الإفريقي بين الاستقلال والاستغلال

4 يوليو, 2017 - 14:35
محفوظ ولد السالك / إعلامي موريتاني مهتم بالشأن الإفريقي

تبدو فكرة الاستقلال المالي للاتحاد الإفريقي التي تراود الرئيس الدوري للاتحاد، الرئيس الغيني ألفا كوندي، هامة، لأنها ستحقق استقلالا للاتحاد على مستوى الرأي والقرار، اللذين قال وزير الشؤون الخارجية التوغولي روبيرت دوسي خلال القمة 29 للاتحاد، المنعقدة بأديس أبابا "إنهما غير مستقلين"، وعبر عن عدم استقلالية القرار في جانب من كلمته ب"الإذلال".

 

غير أن تعبير الرئيس الإيفواري الحسن واتارا بهذا الخصوص يبدو أقرب إلى الواقعية، حيث قال إنه "لا يمكن أن نقول للمانحين إننا مستقلون، وفي نفس الوقت امنحونا تمويلاتكم".

 

إن إشكالية التمويل رافقت منظمة الوحدة الإفريقية التي تأسس على أنقاضها الاتحاد الإفريقي، وكانت ولا تزال تواجه مختلف المنظمات، والتكتلات، والتجمعات في القارة الإفريقية، المثخنة بجراح عديدة، جراء الفقر، والمرض، والجهل، وسوء التسيير، وفساد الأنظمة السياسية المتعاقبة.

 

وتبلغ ميزانية الاتحاد الإفريقي لهذا العام 782 مليون دولار، أي بزيادة 365.4 مليون دولار عنها في العام 2016، غير أن نسبة 60 بالمائة من الميزانية تمنحها بعض الجهات الخارجية كالاتحاد الأوروبي، والبنك الدولي، وبعض الحكومات من خارج القارة الإفريقية.

 

وتعتبر الجزائر، ومصر، وليبيا، ونيجيريا، وجنوب إفريقيا، الدول الخمس الأكثر مساهمة في ميزانية الاتحاد الإفريقي، وتوجد بلدان أخرى عديدة غير منتظمة دفع الرسوم، ما يجعل الحاجة تبقى قائمة إلى وجود داعمين ومانحين خارجيين، يريدون لقرارات المنظمة أن تبقى تدار من وراء الحدود، يتحكم فيها الدعم والمساعدة.

 

لكأن قدر القارة الإفريقية أن تظل أسيرة للتمويلات الخارجية، تحت يافطات التعاون الاقتصادي والتنموي، والمالي، وتحت عناوين عريضة، كالتنمية، والشباب، والمرأة، والمناخ... تجعلها تابعة، لا متبوعة، مقودة، لا قائدة.

 

إن تعدد الأزمات السياسية والأمنية في القارة، وتفاقم المشاكل والتحديات، يفسح الباب أمام التدخل الخارجي، بمختلف صنوفه، بل ويجعلها مسرحا لسباق قوى المال، والنفوذ، فخيرات إفريقيا لا يستفيد منها إلا غير أبنائها، وحتى قادتها يستثمرون أموالها خارجها، فيشترون العقارات، والأسهم البنكية، من بلدان أخرى غربية، فهي ليست سوى "بقرة حلوب" تطعم وتسقى كي تدر لكن على غير مالكها هنا.

 

وتبدو فكرة رئيس زمبابوي، أو "عميد رؤساء إفريقيا" روبيرت موغابي البالغ من العمر 93 عاما، قضى ثلاثة عقود منها في السلطة، تبدو أقرب إلى ا"لارتجالية"، و"الٱنية"، منها إلى التبصر والحكمة المفترضين في الشيوخ.

 

تبرع التسعيني الطامح إلى التجديد لنفسه البقاء بالسلطة في زيمبابوي ب 300 من المواشي للاتحاد الإفريقي، وباعها في مزاد علني وحصل منها على مليون دولار.

 

لا شية في تطوع موغابي، والاتحاد الإفريقي محتاج لذلك، لكن التطوع يبقى حبيس الإرادة والضمير، ولا يمكن التوكؤ عليه في مجال التخطيط لبناء المؤسسات، واستقلالية الرأي والقرار، فالتفكير ينبغي أن ينصب حول إمكانية تعويض الأفارقة ل 60 بالمائة من التمويلات التي تمنحها جهات خارجية غير إفريقية، وبشكل دائم.

 

يبدو الأمر بعيد المنال، لكن مجرد التفكير في الاستقلال المالي بصوت مرتفع، وإن خالطه الخجل، والتهدج، يعتبر هاما، وقد يحقق نتائج إن هو برح قاعة المؤتمر بأديس أبابا، حيث يجتمع رفاق ألفا كوندي.

 

ويعتبر المال والسياسة رديفان في عالم اليوم، يتحكمان في بعضهما البعض، ويؤثران في بعضهما البعض، وفي حالة المنظمات الإفريقية، يحظى قرار من يدفع أكثر بالتأييد والمساندة، أما من يدفع أقل أو لا يدفع، فما لقراره من قرار.

 

حين يقرر قادة إفريقيا التفكير بجد في الاستقلال المالي، وحين تسير الموارد، وتجفف منابع الفساد، ويزاح المفسدون عن تصدر المشهد، حينها يمكن التنبؤ بدنو لحظة التحرر من ربقة "الاستعمار السياسي"، أو "استغلال المال في السياسة"، وحينها يتحدث عن استقلالية القرار.