على مدار الساعة

كيف نفهم الإسلام (الحلقة 40) مع عملنا بديمقراطية الغرب؟

14 فبراير, 2023 - 12:45
الأستاذ محمدو بن البار

من المعلوم عند القراء الكرام أن هذا المقال الخاص من الحلقة كتب تحت عنوان قوله صلي الله عليه وسلم {لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وباعا بباع حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه}.

 

وقبل أن ادخل في موضوع اليوم: أود أن أذكر الاخوة المسلمين بما يلي:

أولا: شدة عذاب الآخرة يقول تعالى: {وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه}.

 

ثانيا: الوقوع في هذه الشدة والنجاة منها يقع عند الموت مباشرة يقول تعالى {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم الى ربكم ترجعون} والموت يعرف الجميع أن حضوره قريب من كل إنسان.

 

ثالثا: يتيقن المسلم أنه لا يدري مصيره بعد موته إلا الله جل جلاله، وأن من يقول غير هذا هو خلاف ما في القرآن من حجب ذلك عن الإنسان في حياته، وعليه فإنني أود أن ألفت نظر ثلاثة أنواع من المسلمين عندنا من الالتباس في قول أو عمل أهل الدنيا في ثلاثة أشياء، فأهلها في نظري يحتاجون هنا إلى النظر في فحوى الآيات القرآنية والوقوف عند ذلك أسلم.

 

أولا: السلفيون المتشددون الذين يزعمون أنهم يبحثون عن مقام الشهداء بتفجير أنفسهم في الأسواق لقتل الأبرياء مسلمين أو غير مسلمين والله يقول لهم إنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا.

 

ثانيا: الصوفية الذين يدعون أنهم يعرفون وهم في حياتهم مصيرهم أو مصير أي غير معصوم في الآخرة والله يقول لهم: {وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت}. ويقول {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله}.

 

ثالثا: كل من يشمله ما يسمي الآن بالتشريع سواء كان نوابا عن الدولة بشقيه وظيفة أو بأجرة خاصة أو محاميا أو قضاة رؤساء أو مستشارين.

 

فالجميع يستمع إلى قوله تعالى: {هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون} وما ينطق به القرآن هنا هو قوله تعالى: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا}. ويقول {إن الحكم إلا لله}.

 

ونظرا لما كتبت أعلاه وتتبعا لما يجري في هذه المحاكمة الكبيرة الحالية نأخذ مثالا حيا على ما قلنا أعلاه من تفريط المسلمين التشريعيين في مستقبل حياتهم الأبدية بعد الموت.

 

فالله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا} فهؤلاء المسلمون تنظر إليهم يقطعون مجريات المحاكمة لصلاة الظهر ولا شك أنهم سألوا الله فيها أن يهديهم إلى سلوك الصراط المستقيم، وقد بين لهم الله أن الصراط المستقيم هو صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين، وأنه هو الذي أشار إليه النبي صلي الله عليه وسلم بأوامر الله له بذلك في قوله تعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني}، ومعروف أن الاتباع لا يكون إلا في الدنيا أما الآخرة فلا يغني فيها مولى عن مولى شيئا ولا تغني كذلك نفس عن نفس شيئا.

 

أما هؤلاء بعد رجوعهم من الصلاة للمحاكمة فلا تسمع إلا المراجع المكتوبة باليد في حقوق المسلمين ليتحاكموا إليها وهي مكتوبة بالأيدي من الإنسان، وهذه المراجع تارة تكون من دساتير فرنسا بجميع تعديلاتها تاريخيا وتارة تكون مكتوبة بأيدي المسلمين ولكنها مستوحاة من جميع التشريعات إلا تشريع القرآن وما بلغه النبي صلي الله عليه وسلم عندما قال له ربه: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} بعد قوله تعالى: {ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين}.

 

فهل يعقل أن يكون داخلا في هذا التبيين فحوى المادة: 93 من الدستور المرجع الأعلى دون القرآن للأمة الموريتانية المسلمة والمادة مكتوبة عكس نصوص القرآن، فالقرآن يقول: {من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا} والمادة تقول إن الرئيس وهو مسلم لا يكون مسؤولا عن فعله أثناء عمله إلا في حالة ارتكابه للخيانة العظمى، وأي خيانة أكبر من مخالفة أوامر الله في أمانة الأمة علي كل ما ينفعها أو يضرها والله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم}.

 

فمن استمع للمحاكمة فسيسمع من أطراف المدافعين عن الدولة أو المتهمين يستشهدون بالآيات والأحاديث ولكن لا للحكم بها ولكن للموعظة للحكم بغير ما أنزل الله: مع أن حكم الله في كل شيء قريب ومبسط ومفهوم وهو المؤاخذة في كل شيء نهى الله عن فعله حتى في فعل الإنسان في نفسه أو فعله في ضرر الناس في أرواحهم أو ممتلكاتهم أو أعراضهم، والحكم في الجميع في الدنيا يكون في الإسلام جميعا تبعا للإقرار أو الشهود أو اليمين، وكل نوع من هذا مفصلا في التشريع الإسلامي، إما في القرآن أو الحديث أو قياس العلماء على مظنة ضوئهما.

 

أما الانسلاخ من كل هذا من حكم المسلم علي المسلم واتباع غير ما أنزل الله في الحكم والله يقول لنبيه أن يبلغنا قوله: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} إلى آخر الآية.

 

والعجب كل العجب أيضا من تعايش قلب أي مسلم سواء كانوا قضاة أو محامين أو رؤساء سينفذون الأحكام بين المسلمين – مع مرافعتهم هذه – وهم يتلون الكتاب في قوله تعالى على لسان أبينا إبراهيم عليه وعلى نبينا أتم صلاة وتسليم وأوفاهما: {ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}.

 

فهل من سمع المحاكمة وما يدور فيها من مدافعة المسلمين وغير المسلمين بأنواع المواد القانونية بغير حكم الله سيطمئن على سلامة قلوب هؤلاء المسلمين عند الحضور إلى الله ولات حين مناص.

 

والعجب كل العجب كذلك أن الدولة والشعب كلهما مليء من الدعاة في سبيل الله ولا يتطرقون جميعا إلى التعليق على أكبر ما يخافه المسلم عند لقاء الله بعد قوله تعالي للجميع: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول (أي تنازع بين الشعب والسلطة أو الشعب فيما بينه فردوا حكمه إلى الله والرسول) إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}، إلى آخر الآيات الموالية.