على مدار الساعة

قطاع الإسكان: صفقات بالمليارات في اجتماع واحد وبتوقيع مسافر

17 فبراير, 2023 - 10:21

الأخبار (نواكشوط) – كشفت وثائق ومحاضر ومقارنات أجرتها وكالة الأخبار المستقلة أن اللجنة الداخلية للمشتريات بوزارة الإسكان منحت عشرات الصفقات خلال أيام قليلة بقيمة تجاوزت 10 مليار أوقية، ومن بينها محاضر 19 صفقة تجاوزت 2.8 مليار أوقية قديمة، ومنحت خلال اجتماع واحد، و«وقع عليها» أحد مسؤولي الوزارة رغم وجوده خارج البلاد.

 

وحصلت وكالة الأخبار على وثيقة ضمت 47 شركة مشاركة في 19 صفقة أقرتها اللجنة الداخلية للمشتريات بالوزارة في يوم 30 أغسطس 2022، بينما لم تذكر المحاضر رقما ضريبيا لبعض هذه الشركات رغم اشتراطه للمشاركة، كما فاز بعضها دون منافسة، وحصلت أخرى على أكثر من صفقة.

 

وحملت جميع محاضر هذه الصفقات توقيع مدير المباني والتجهيزات العمومية إبراهيم ولد اسغير، الذي كان وقت تاريخ التوقيع خارج البلاد، رفقة وفد من القطاع، وفي مأمورية سفر استمر من 18 أغسطس، وحتى 04 سبتمبر.

 

وتأكدت وكالة الأخبار المستقلة من مصادر في الوزارة من تحايل طال التواريخ الفعلية لجلسة معالجة ملفات التنافس على الصفقات المذكورة حتى تتمكن من تمريرها، غير أن "التاريخ الجديد" الذي اختير بديلا عن التاريخ الحقيقي، صادف مهمة سفر خارجية للمدير ولد السغر، ورغم ذلك ظهر توقيعه على المحاضر.

 

معالجة في 5 دقائق

وشملت شكلية المعالجة المصحوبة بالمحضر 8 خانات تُملأ وفق المعطيات التي تتضمنها وثائق ملف كل متنافس على حدة، وهو ما يعني 24 خانة للمتنافسين الثلاثة على الأقل في كل صفقة من الصفقات التي تبلغ العشرات.

 

وتكشف المقارنة بين محاضر اللجنة أن أغلب الصفقات لم يتجاوز الوقت المخصص لمعالجتها 5 دقائق فقط، وهو ما يتضح من توقيت بدء معالجة إحدى الصفقات الذي تتضمنه مقدمة كل محضر، وتوقيت بدء معالجة الصفقة الموالية الموجود في مقدمة محضرها.

 

ويتطلب البت في الصفقات عادة؛ التحقق من ملفات المتنافسين، والاطلاع على مستوى الخبرة والتجربة لديهم، ومدى توفرهم على الشروط القانونية والتجارية التي تخول المشاركة في الصفقات العمومية.

 

كما تتطلب معالجة ملفات المتنافسين على الصفقات دراسة الأسعار الواردة في العروض مقابل تفاصيل الخدمات المُتعهد بتنفيذها، ومدى قدرتها على الوفاء بشروط دفتر الالتزامات، إضافة لمقارنة اختلاف الأسعار، وتنوع الخدمات.

 

تنافس خارج الاختصاص

وكشف تتبع أجرته الأخبار لقائمة الشركات المتنافسة أن العديد منها مسجل لدى السلطات الحكومية المختصة في مجالات تجارية وخدمية لا علاقة لها بالبناء والإنشاءات، وهو ما يجعلها غير مؤهلة لخوض المنافسة في الصفقات المذكورة، والتي منحت لها بالفعل منذ أغسطس الماضي.

 

فمن بين الشركات المتنافسة مختصة في الإيراد والتصدير (كشركة SGW SARL) وأخرى في التجارة العامة (كشركتي Ets Imdad pour le commerce général، Ets dakhla) إضافة إلى أخرى تجمع بين التجارة العامة والأشغال العمومية (كشركة STPTCG SARL)، ومختصة في التوريد والخدمات ومختصة في التجارة العامة وتقديم الخدمات المتنوعة (كشركات Business leaders، و Teyssir for général supply and services TGSS، و B3 vision BTP SARL)، وغيرها.

 

وكان من اللافت أن اللجنة منحت بعض الصفقات رغم أن جل المتنافسين فيها لا يملكون الوثائق اللازمة للمشاركة في الصفقات العمومية، وبعضها يمتلك وثائق غير مكتملة، إضافة إلى تمرير صفقات بوجود منافس وحيد وأخرى دون وجود أي متنافسين من الأساس.

 

ومن بين الشركات الفائزة ببعض الصفقات ثلاث تم تسجيلها في اليوم ذاته 19 يوليو 2022 لدى إدارة الضرائب وهي: (El tatwir BTP SARL - B3 vision BTP SARL -  El taamir plus sarl)، وهو ما يعني حصولها على صفقة بأكثر من 130 مليون أوقية قديمة، بمناسبة "أربعينيتها"، حيث تصل الفترة الفاصلة بين الحصول على الصفقة والترخيص لدى السلطات المختصة 40 يوما فقط.

 

توقيع مدير مسافر

ورغم وجوده في سفر خارجي استمر لنحو نصف شهر تقريبا، فقد وقع مدير المباني والتجهيزات العمومية إبراهيم ولد اسغير جميع محاضر هذه الصفقات، والتي حملت تاريخ 30 أغسطس 2022، فيما وقعها إلى جانبه رئيس لجنة الصفقات القطاعية بوزارة الإسكان موسى غي، وعضو اللجنة مامه الشيخ سيديا.

 

وتم التوقيع في هذا التاريخ، رغم أن ولد اسغير كان قد غادر نواكشوط يوم 18 أغسطس 2022 ضمن وفد من الوزارة يقوده الأمين العام سيد أحمد ولد بنان، في جولة شملت المملكة المغربية، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والنيجر، وذلك بهدف الاطلاع على أشغال بناء سفارات ومقرات لسكن السفير.

 

واستمرت مهمة هذا الوفد الذي يضم ولد اسغير حتى ما بعد نهاية أغسطس، حيث كان حاضرا لاستلام موقع بناء السفارة الموريتانية بالمملكة العربية السعودية وموقع بناء مقر سكن السفير في الرياض يوم 31 أغسطس 2022، أي في اليوم الموالي للتاريخ الظاهر في المحاضر أنه تاريخ توقيع هذه الصفقات.

 

كما وثق المدير مهامه عبر هذه، والمحطات التي زارها عبر تدوينات على صفحته في فيسبوك، وكان من آخر ما نشره حول مهمة السفر صورا من زيارته للسفارة الموريتانية في النيجر قيد الإنشاء في 02 سبتمبر.

 

ووفق مصادر وكالة الأخبار المستقلة، فإن وزارة الإسكان قررت توقيع هذه المحاضر بتاريخ سابق للتاريخ الفعلي لمعالجة الملفات، وذلك للتحايل على مقرر من الوزير الأول يقضي بتقليص مبلغ الصفقات التي يمكن تمريرها عن طريق اللجان الداخلية بالقطاعات الحكومية دون الحاجة إلى لجنة الصفقات العمومية.

 

مقرر لإلغاء مرسوم

ووقع الوزير الأول محمد ولد بلال يوم 17 أغسطس مقررا خفض سقف النفقات المسوح بها للجان الصفقات الداخلية في القطاعات دون اللجوء للجان الصفقات العمومية، لكن هذا المقرر كان يتعلق بمضامين وردت في مرسوم، وهو أعلى منه رتبة في تراتبية القوانين.

 

وخشية خروج هذه الصفقات من عهدة اللجنة الداخلية، سابقت لجنة صفقات وزارة الإسكان الزمن، وغيرت التاريخ إلى 30 أغسطس، استباقا لنفاذ المقرر الذي اتضح لاحقا أنه لا يمكن أن يلغي مضامين المرسوم، ليصدر الوزير الأول مرسوما آخر في سبتمبر.

 

وكان المقرر الموقع من طرف الوزير الأول قد غير مرسوما صدر في يونيو 2021، حيث خفض هذا المقرر سقف النفقات المسموح بها في ميزانية التسيير إلى 6 ملايين أوقية فقط، كما ألغى الاستثناء الذي كان حاصلا في مجال الصحة والتعليم الذي كان المبلغ المسموح به لها يتراوح ما بين 15 و40 مليون أوقية.

 

 

توضيحات وزارة الإسكان

وكالة الأخبار تواصلت مع وزارة الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي للحصول على توضيحات حول هذه النقاط، حيث تولى الرد عليها رئيس اللجنة الداخلية للمشتريات دون العتبة المحددة – CIAIS سابقا موسى غي.

 

واعتبر رئيس اللجنة أن الأسئلة التي وجهت لهم توضح أن "هذه الوثائق أخرجت من السياق الإداري والقانوني الناظم لها".

 

وأوضح رئيس اللجنة أن المبلغ المالي، وهو 3.8 مليار أوقية قديمة يتعلق بما لا يتجاوز نحو 25 ملفا، وقد عولجت ضمن الملفات الأخرى في فترة زمنية لا تقل عن أسبوعين.

 

وعن موضوع الشركات التي منحت صفقات خارج اختصاصها، اعتبر غي أن "هناك معايير فنية معينة وملزمة، وجميع الشركات المتقدمة استظهرت بوثائق حول تجربتها وسجلها الفني".

 

وفي موضوع توقيع مسؤول للمحاضر خلال وجوده الموثق خارج البلاد، قال رئيس اللجنة، إن التاريخ الموجود على الوثائق هو "تاريخ إرجاع العروض، وهو الذي يكتب على المحاضر عادة، لكن جميع الموقعين على الوثيقة وقعوا أواخر شهر سبتمبر 2022، بعد صدور موافقة سلطة تنظيم الصفقات العمومية، المشار إليها، وكان جميعهم موجودون لتقييم العروض والتقرير بشأنها".

 

وحول سباقهم مع نفاذ مقرر الوزير الأول، والذي يخرج هذه الصفقات من اختصاصهم، قال موسى غي إن لجنته كانت "قد استدعت جميع المؤسسات، التي تقدمت للمشاركة في بناء مدارس مبرمجة ودعيت لتقديم عروضها أيام 30 و31 أغسطس و1 سبتمبر 2022".

 

وأردف أنهم بعد صدور المقرر المشار إليه – والذي صدر المرسوم مطبقا لإجراءاته في 21 سبتمبر 2022 - أوقفوا جميع إجراءات المنح، وراسلوا سلطة تنظيم الصفقات العمومية، "بخصوص الإجراءات التي دخلنا فيها شهر أغسطس 2022؛ وطلبنا على وجه التحديد رأيها حول استمرار الإجراء الذي بدأ أو إلغائه كليا أو إحالته إلى لجنة الصفقات القطاعية، فجاء الرد في 26 من سبتمبر 2022، باستمرار ما بدأ من إجراءات قبل صدور المقرر. وخاصة ما يتعلق منها بالمنشآت التعليمية نظرا لطبيعتها الاستعجالية، وهو ما التزمنا به حرفيا".

 

وتجاهلت الوزارة في توضيحها عدة نقاط طلبت وكالة الأخبار توضيحات حولها، كتفويت هذه المليارات من الأوقية دون منافسة حقيقية، وكمعالجة الملفات المتعددة في دقائق محدودة، وتوزيع هذه المبالغ بمليارات الأوقية على شركات لا تملك الوثائق القانونية اللازمة، ومن بينها شركات تعمل في اختصاصات أخرى، إضافة لتوقيع مسؤول خارج البلاد وقت التوقيع.