على مدار الساعة

رسائل الخامس عشر من يوليو

16 يوليو, 2017 - 17:36
محمد الأمين ولد الفاضل - elvadel@gmail.com

نظمت المعارضة الموريتانية مساء السبت الخامس عشر من يوليو ثلاث مسيرات رافضة للاستفتاء المتوقع تنظيمه في الخامس من شهر أغسطس القادم، ولقد تجمعت هذه المسيرات الثلاث عند ملتقى "مدريد" في مسيرة واحدة، اتجهت إلى ساحة ابن عباس لتختتم من بعد ذلك بمهرجان خطابي.

 

مشاركتي في هذه المسيرة مكنتني من تسجيل ملاحظات عديدة يمكن اعتبار بعضها بمثابة رسائل تم توجيهها عبر البريد السريع والمضمون إلى الجهات المعنية، ومن بين تلك الملاحظات والرسائل:

 

جمهور نوعي

لا خلاف على أن المسيرة كانت كبيرة من حيث العدد، وهناك من قال بأنها لم تكن مسبوقة، ولكني شخصيا لم تستوقفني هذه المسيرة في حجمها ولا في عدد المشاركين فيها، فكل مسيرات المعارضة في السنوات الأخيرة كانت حاشدة مع استثناءات محدودة جدا. إن الذي استوقفني في هذه المسيرة هو أن جمهورها كان جمهورا نوعيا من حيث التنوع أولا، ومن حيث المستوى العمري ثانيا، ويمكن القول بأن كل المشاركين في مسيرة الخامس عشر من يوليو كانوا من الناخبين الذين يحق لهم التصويت، وفي ذلك رسالة بالغة الأهمية إلى السلطة الحاكمة التي قررت أن تنظم استفاءً شعبيا في الخامس من أغسطس القادم.

 

إن مسيرة الخامس عشر من يوليو والتي غاب عنها الأطفال يمكن اعتبارها مسيرة من الناخبين فقط، وأنها قد أسقطت الاستفتاء حتى من قبل تنظيمه، وإذا ما فصلنا في طبيعة الناخبين، فيمكن أن نقول بأن حضور الناخبين الشباب كان هو الأقوى، ولم يكن حضور النساء الناخبات بذلك المستوى.

 

ومن المخاطر ما يجمع الخصوم

تميزت هذه المسيرة بأنها جمعت في ميدان واحد جماهير أحزاب وحركات لم يكن من المتخيل أن تجتمع على صعيد واحد. لقد شاهدنا على منصة القاعة وفي الساحة الخاصة بالجماهير منكب القومي العربي بمنكب القومي الزنجي، وساقه بساقه، وسمعنا في هذه المسيرة الإيراوي وهو يتحدث بلغة جديدة لم نعهدها من قبل.

 

إن التقاء القومي العربي "المتطرف" بالقومي الزنجي "المتطرف" بالإيراوي "المتطرف" على صعيد واحد، وفي تجمع نضالي واحد، ليبعث برسالة قوية إلى النظام تقول بلغة سياسية فصيحة وصريحة بأنه يمكن للمعارضة الموريتانية أن تظل في خلاف شديد وفي صراع دائم بين مكوناتها، ويمكن للنظام أن يستفيد من ذلك، ولكن المعارضة بإمكانها أيضا أن تتجاوز خلافاتها عندما تبلغ المخاطر المحدقة بالبلاد أعلى الدرجات في مقياس المخاطر، كما هو حاصل الآن. إن هذا الاستفتاء الذي سيعبث بالدستور، والذي قد يؤدي إلى تغيير العلم، وإلى تمديد المأموريات هو من تلك المخاطر التي ستجعل المعارضين يتجاوزون خلافاتهم ويقبلون بالتنسيق في حلف واحد من أجل مواجهة تلك الأخطار.

 

الحضور الشبابي اللافت

يلاحظ في مسيرة الخامس عشر من يوليو بأن حضور الشباب كان لافتا، ولم يكن ذلك الحضور على مستوى الجماهير فقط، بل إنه ظهر كذلك من خلال ميلاد مبادرات وحركات شبابية رافضة للعبث بالدستور. ولعل المثال الأبرز هو حراك "محال تغيير الدستور" الذي نظم عدة أنشطة رافضة لتغيير العلم ولتمديد المأموريات، والذي أصبح اليوم أحد القوى الثمانية المشكلة لأوسع حلف معارض للتعديلات الدستورية. ويمكننا أن نذكر أيضا تيار "موريتانيا الغد" الذي أسسه أحد شبابنا المغتربين، ولقد قاد هذا التيار حملة دعائية قوية على مواقع التواصل الاجتماعي ضد التعديلات الدستورية والاستفتاء. ويمكننا أن نذكر في الأخير حملة "#ماني_زارك" التي لم تكمل أسبوعها الثاني، والتي كانت قد افتتحت أنشطتها الرافضة للتعديلات الدستورية بإطلاق وسم لاقى قبولا واسعا.

 

إن ميلاد هذه الحركات الشبابية، وإن تنوع أسالبيها النضالية ليبعث برسالة قوية مفادها أن إصرار النظام على تنظيم الاستفتاء وتكرر الدعوات لتمديد المأموريات سيدفع بانخراط المزيد من الشباب في العمل النضالي والسياسي مع ابتداع أساليب نضالية جديدة ذات فعالية أكبر، وإن في ذلك لخطرا كبيرا على النظام القائم.

 

موالون يطرقون أبواب المعارضة

لقد أظهرت مسيرة الخامس عشر من يوليو بأن هناك موالين للنظام من رافضي التعديلات الدستورية قد أصبحوا أكثر جرأة على طرق أبواب المعارضة نهارا جهارا. ففي هذه المسيرة ظهر ولأول مرة بعض الشيوخ الموالين على المنصة في نشاط جماهيري معارض. كما أنه في هذه المسيرة ظهر بعض الذين يحسبون على الموالاة بين صفوف الجماهير التي شاركت في المسيرة، وإن الرسالة التي يبعثها ذلك الحضور اللافت لبعض المحسوبين على الموالاة لتقول بأن الإصرار على تنظيم الاستفتاء والتمادي في الدعوة إلى مأمورية ثالثة سيدفعان بالمزيد من الموالين الرافضين للاستفتاء إلى صفوف المعارضة، ومنهم من سيزداد جرأة على تعمد الظهور في أنشطة المعارضة.

 

تغيير خجول

يوجد في المعارضة الكثير من المثبطين الذين تجدهم ينتقدون التشكيلات المعارضة بقوة إن هي أصدرت بيانا أو نظمت مؤتمرا صحفيا، ويقولون لتبرير انتقادهم ذلك بأنه على المعارضة أن تنزل إلى الميادين بدلا من إصدار البيانات أو تنظيم المؤتمرات الصحفية في الفنادق. وإن نزلت المعارضة إلى الميادين فنظمت مسيرة أو مهرجانا سارعوا إلى القول بعدم أهمية هذه المسيرات والمهرجانات، في بلد يحكمه نظام لا يلقي بالا برأي الجماهير. هذا النوع من المثبطين لا يستحق أي رد، ولكن هناك طائفة أخرى من المعارضين التي لا تقلل من أهمية إصدار البيانات وتنظيم المؤتمرات الصحفية، ولا تقلل من أهمية حشد الجماهير في مسيرات أو مهرجانات، ولكنها في المقابل تطالب بتغيير بعض الأساليب حتى تكون لهذه المسيرات والمهرجانات فعالية أكثر. مثل هؤلاء يستحقون ردا من القيادات المعارضة، ولقد جاءهم رد من خلال مسيرة الخامس عشر من يوليو، وكان مضمون الرد بأن هناك تغييرا في أساليب النضال، ولكنه لا يزال حتى الآن تغييرا خجولا، بل وشكليا في بعض الأحيان.

 

في مسيرة الخامس عشر من يوليو اختلفت الانطلاقة عن انطلاقات المسيرات السابقة، من الناحية الشكلية على الأقل، لقد تشكلت الانطلاقة من ثلاث مسيرات صبت في واحدة، كما أن مسار مسيرة الخامس عشر من يوليو قد تغير عن مسار المسيرات السابقة، فًأصبح من مدريد إلى ساحة ابن عباس بدلا من المسار المعهود. تغيرت نقطة الانطلاق، وتغير المسار، ولكن نقطة الوصول الخالدة لم تتغير.

 

في الخلاصة يمكن القول بأن تغيير الأساليب في مسيرة الخامس عشر من يوليو كان شكليا وخجولا، ولكن نأمل في أن هذا التحالف المعارض الجديد الذي لم يجتمع تحت لواء واحد من قبل، وأن هذا التفكير في إشراك الجاليات، والعمل على تحريك بعض الولايات في الداخل في وقت متزامن، نأمل أن يكون كل ذلك بداية لتغيير جدي في أساليب العمل المعارض، وهو تغيير أصبح لا بد منه في مثل هذه الظرفية الحرجة والحاسمة التي تمر بها بلادنا.

 

حفظ الله موريتانيا..