على مدار الساعة

الطيور في موريتانيا.. تغريد خارج السرب!

18 يوليو, 2017 - 01:10
 عيسى ولد سيد ولد أعليتْ

من عجيب صنع الله في مخلوقاته أن سخر لكل صنف منها لغة تفاهم وتواصل تميزه دون غيره من المخلوقات ويستطيع التفاعل عن طريقها مع أقرانه في نظام محكم وبديع عز نظيره..

 

تعجبني من تلك  اللغات لغة الطيور،  تلك اللغة الراقية والجميلة التى تختلف مفاهيمها بإختلاف الرسائل التي ترغب الطيور بتداولها بين بعضها، وتنقسم هذه اللغة إلى مجموعتين رئيسيتين : نداءات  وأغاني ، ويعتمد الإختلاف بينهما على مدى تعقيد الصوت الصادر وطوله، فغالبا ماتكون الأغاني أعقد وأطول من النداءات، وتستعمل كلغة غزل بين الطيور ، أما النداءات فهي لغة التنبيه بخطر قادم.

 

لَكأن الطيور بهذا الأسلوب من التعبير تتحدى الإنسان الذي غالبا ما يلجأ إلى الثرثرة والخروج عن الموضوع عند عجزه عن إيصال أفكاره و التعبير عن قناعاته، وهو الذي إبتكر آليات  من قبيل الشروح والشُّراح، وفهم المقاصد،   وسوء الفهم وسوء التفاهم وغيرها من الأساليب التي تنم عن عجز في الكلام وضعف في التعبير والتوصيل..

 

 وأنت تمر بالوادي تستمع لزقزقة الطيور وهديل الحمام ، وتطرب لشدو البلابل دون أن تعلم أن الوادي يضج بالأحاديث والحوارات الجانبية الرائعة والجميلة في جو من التناغم التام والنظام البديع  و في رمزية لا تستطيع فك شفراتها..

 

دون أن تشعر  تدار الكؤوس من فوق رأسك،  ويتناغى الحمام ويتنادى من فوقك  في حوار غزلي من أروع مايكون لا تشوبه شوائب  الفيسبوك و الوات  ساب وأسناب وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي التي عبثت بعبقرية الإنسان وقدرته على التصور والتفكير ودمرت فنيات الخطاب و أساليب الكلام و أفقدت النكتة عامل الطرافة وقوة الأداء..

 

تهاجر الطيور من مكان إلى آخر  وفق دستور  بديع بحثاً عن نظام بيئي وأماكن جغرافية أكثر ملائمة للحصول على الغذاء، والتزاوج، وبناء الأعشاس، ورعاية الصغار حتى يكبروا ويصبحوا قادرين على الطيران...

 

لكن الغريب في الأمر أن الطيور عندنا  في موريتانيا تهاجر  عكس قانون الهجرة الفطري وعكس دستور الطيور الذي دأبت عليه في تحركها، فموسم الهجرة عندها يتبع لنزوات ورغبات قائد السرب  الذي يصدر نداءه بتلعثم شديد وبلغة غريبة تحتاج مفسرين و وسائل إيضاح..

 

و في كل مرة شعر فيها بإقتراب سلطانه من الأفول،  يأمر بالتحرك  فينطلق السرب في اتجاهات مختلفة وفي فوضوية تامة عكس النظام المعهود، حتى أن  الطيور تصطدم ببعضها قبل أن تعرف وجهتها و الهدف الذي تساق إليه،  فتسير في كل الاتجاهات وتسقط في كل الوديان في محاولة لإرضاء القائد وخوفاً من بطشه ومضايقاته ، فعيونه تصل كل مكان وآذانه تسترق السمع بعضها بعضا حتى في عز الطيران ورغم الرياح العاتية..

 

يقسم القائد السرب إلى مجموعات تطير إلى كل مكان وفي كل مرة تتفاجأ الطيور وتسأل نفسها عن سبب الهجرة ، فالمكان جدب يابس  لا ماء فيه ولا غذاء و لا شجر تستظل بظله وتبني فيه أعشاش صغارها التي مازالت تحتاج الرعاية والحنان..

 

وفي رمضاء الصحراء  يبدأ قائد كلّ مجموعة بإيعازٍ من قائد السرب العام في شرح دواعي الهجرة وتعديل دستور الطيور بلغة رديئة أقرب إلى الغناء والتغني بقائد السرب منها للنداء ورسائل التنبيه التي إعتادت الطيور أن تفهمها بسرعة دون اللجوء إلى وسائل إيضاح وشروح،  عندما كانت تثق في بعضها البعض وعندما كانت الهجرة نحو الماء والغذاء  وعندما كان قائد الطيور أميناً على بقاءها و وجودها..

 

والغريب في كل هذا أن الطيور لاتحتاج لتغيير دستورها بقدر ما تحتاج لبيئة هادئة ومريحة تعيش فيها بسلام ، وقائد يوفر لها الدفء والظل والغذاء ويضمن لها البقاء في مناخ يعيش تقلبات بيئية خطيرة تهدد كيان الطيور و بقاءها..

فهل من مغيث  للطيور من الإنقراض والضياع في الصحراء؟
وهل من هدهدٍ يأتيها من سبإٍ بنبإٍ يقين؟..