على مدار الساعة

كيف ننتفع بتدبر القرآن عند قراءته في شهر رمضان (الحلقة الأولى)

26 مارس, 2023 - 15:48
الأستاذ محمدو بن البار

لا يخفى على أي مسلم أن موضوع القرآن كله هو الإنسان، ولكن ليس معنى ذلك أن جميع الإنسان يدرك هذه الحقيقة بمعنى أنه جاء في القرآن كثير من الآيات تبين للإنسان أن القرآن أنزله الله إما لهداية من اختاره لها ولإقامة الحجة على من حرم هذه الهداية يقول تعالى {فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة}.

 

 ويقول تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء}، ويقول في آية أخرى في شأن هؤلاء المحرومين من الهداية: {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا به إلا أن يشاء الله}. وهذا تأويل قوله تعالى {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس} إلى آخر الآية.

 

وذرأنا هنا معناها خلقنا، ولا ينفع في ذلك تعاطف إنساني أو إدارة حقوق الإنسان إلى غير ذلك من الكلام خارج القرآن.

 

وعليه فعلينا نحن المسلمين الذين هدانا الله وعلمنا أن كل ما جاء من عند ربنا هو الحق – أن يكون لنا شكر خاص لخالقنا كما قال المؤمنون قبلنا {الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق}.

 

ويقول تعالى هنا أيضا: {أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى} وهذا يعني أن على كل من وفقه الله لقراءة هذا القرآن في شهره الذي أنزله فيه لهداية البشر أن يفعل فيه ما طلبه ربه منه عند قراءته يقول تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم علي قلوب أقفالها} وفي آية أخرى {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} وفي ثالثة: {أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يات آباءهم الأولين}.

 

وعلى كل حال فإن تدبر القرآن عند تلاوته يتميز به أجناس الإنسان الذي يؤمن بالله واليوم الآخر أي يتبين أشكالها الموجود توضيحها في القرآن، ولكن قبل تفصيل أشكال وضعية المؤمنين بالله وكلماته في القرآن علينا أن نعود إلى تفصيل العموميات التي يتفق عليها جميع المؤمنين بالله واليوم الآخر.

 

ومن هذه العموميات المتفق عليها هي هذه الظواهر التي نحن موضوعها، ومع ذلك لا قدرة على تغييرها لا نبي مرسل ولا ملك مقرب فضلا عن أدعياء زعامة الدنيا بجميع أشكالهم يستطيع تغييرها.

 

الأول: من هذه الظواهر هو وجودنا في هذه الحياة على شكلنا الحالي وتدرج حياتنا داخل هذا الكون الذي وجدناه أمامنا وجودا لا دخل لنا أبدا في خلقه ولا دوام وجوده ولا تسييره، مع أنه يظهر أنه خلق كله لمصلحتنا: لأنه ما من مرئي في هذا الكون إلا وذكر القرآن علاقة انتفاعنا بوجوده من غير قدرة على التصرف فيه، يقول تعالى {وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه}.

 

ثانيا: كيف تدرج شكل حياتنا في أنفسنا: {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة} وهذا الشكل خاص بالتطور المعمول به في أجسامنا من غير استطاعتنا أي تغيير فيه مع تفاضل تمتعنا بحالات أجسامنا هذه، ولكن لا قدرة علي تغيير ذلك التفصيل في حياتنا، ونفس الشيء في تطور خلقنا وفي تطور اختلاف هذا الخلق يقول الله تعالى: {لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور}.

 

فالتوافق في كيفية خلقنا مفروضة علينا وكذلك الاختلاف بين خلق جنسنا مفروض علينا أيضا، فلا نملك أن نغير فيها لا عند تكوينها ولا بعد خلقها، ونحن جميعا نتيقن أن أي واحد منا لا يمكنه أن يغير كيف خلق ولا من أي شيء خلق ولا علاقة له باختيار ما خلق منه فقوله تعالى: {هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل}، فهذا يعني أن أي إنسان مهما كانت عظمته عند نفسه لا يمكنه أن يدعي أنه خلق من معدن غير معدن الطين، ولا أن تصوره في الأرحام كان على شكل خاص به، ولا أنه هو الذي عين والديه ليكونا هما أصله، كل هذا وما سيأتي يتفق الجميع على أن الانسان لا حيلة له في تغييره.

 

ومن المتفق عليه أيضا قضية مدة وجود الحياة ووحدة الانتقال منها، فلا يستطيع شخص أن يضيف سنة ولا أياما علي عمره، حتى لا يستطيع مهما كانت قدرته الدنيوية أن يغيرها عن ما شاهده مصورا في القرآن في الآيات المتقدمة ومصور في الواقع مفروضا على الإنسان.

 

ومن هنا نصل إلى خصوصيتنا نحن المؤمنين بالله مع اختلاف حالنا ساعة قدومنا على الله.

 

فكان من المعقول أنه ما دام الله أنعم على الجميع بالإيمان به وباليوم الآخر وما سيجري في الآخرة ومعرفتنا أن العيش في الآخرة نوعين بسبب عملنا في الدنيا، فبعضنا في حياة لا صبر عنها، وبعضنا في حياة لا صبر عليها، وهذه هي حتمية مصيرنا لا ينفع فيه تفكيرنا نحن خارج القرآن، ولا تصورنا تبعا لأي نص خارج نصوص القرآن.

 

وعند بحثنا عن السبب الذي جعلنا نتفق على وجود تطور واختلاف حياتنا في الآخرة، فلماذا لم نكن اتفقنا على العمل على توحيد حياتنا في الآخرة ما دمنا تيقنا أن بعضها لا صبر عنه والأخر لا صبر عليه، والجواب عن السبب وظهور هذا السبب في الدنيا كما ذكر القران هو إرادة الله فى خلق كائنا آخر يقال له الشيطان خلقه الله لامتحاننا به كما صرح الشيطان نفسه بذلك بوحي من الله فبعضنا جعل الله للشيطان عليه سبيلا وبعضنا لم للشيطان عليه سلطانا، يقول تعالى: {وقال الشيطان لما قضى الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم}.

 

ووعد الله الحق هذا ووعد الشيطان المخلوف بعد الموت مباشرة سيكون موضوع الحلقة القادمة من هذا العنوان بإذن الله تعالى.