على مدار الساعة

تصدير البطيخ الموريتاني... بين الحقيقة والوهم

27 مارس, 2023 - 16:11
المهندس: الهيبة سيد الخير

تستورد موريتانيا أغلب احتياجاتها من الخضروات من أوروبا (البصل والبطاطا)، والمغرب (الطماطم والفلفل الحلو والجزر)، والسنغال ومالي (البطاطا الحلوة وخضار أخرى متنوعة)، في حين يقال إن البلاد تملك نصف مليون هكتار من الأراضي الزراعية، هذا فضلا عن الموارد المائية الكبيرة، ووجود حكومة تعطي عناية خاصة للزراعة وشباب يعاني أغلبه من البطالة.

 

لا شك أن الرأي العام الوطني اليوم مشوش الذهن، فالمعطيات السابقة لا تتقاطع مع الأخبار التي تقول بوجود منتجات خضار موريتانية على رفوف متاجر التجزئة في أوروبا، ولا مع صور لشحنات معبأة بالخضروات، ولا مع الانخفاض الحالي لسعر البطيخ في الأسواق المحلية، خصوصا عندما يقال إن مصدر هذا المنتج هي مزارع داخل البلاد، ويأتي هذا المقال كمحاولة للإجابة على كل الأسئلة التي تدور في أذهاننا جميعا.

 

إشكالية توفر الخضروات في موريتانيا

تعد زراعة الخضروات من الأنماط الزراعية الدخيلة، حيث لم تكن تمارس ولم تزرع في بلادنا بشكل مهم نسبيا، إلا في النصف الثاني من القرن العشرين، لكنها أصبحت اليوم ركيزة أساسية في نظامنا الغذائي نظرا للوعي بأهميتها وفوائدها الصحية العديدة.

 

يمكن تقسيم الخضروات إلى فيئتين أساسيتين: الأولي هي خضروات المناطق الباردة أو المعتدلة (الطماطم، الجزر، البصل، البطاطا، بوافرون، نافة.. إلخ) أما الفئة الثانية فتضم خضار المناطق الحارة (البطيخ الأحمر، والبطيخ الأصفر، وجقتن، والبطاطا الحلوة.. إلخ)، تضم الفئة الأولى أهم الخضروات التي يُقبل عليها الموريتانيون، وهنا تكمن المشكلة، فالمستهلك يطلبها علي مدار العام، لكن زراعتها بشكل حقلي تكون مجدية فقط في فصل الشتاء، ونظرا لقصر هذا الموسم يكون حصادها متزامنا، مما يؤدي غالبا إلي انهيار سعرها نظرا لغياب منشآت الحفظ والتحويل، وضعف منظومة التسويق، وهذا ما يؤدي إلى عزوف المزارعين عن التوسع في زراعتها، بينما تعد  الفئة الثانية أفضل حالا نظرا لطول موسم زراعتها، مما يسمح بحصادها على فترات أطول، كما أنها مرغوبة  بشدة في أوروبا نظرا لصعوبة زراعتها هنالك.

 

هل يمكن أن تحقق موريتانيا الاكتفاء الذاتي من الخضروات، وأن تصبح مصدرا لها؟

يصعب تحقيق هدف الاكتفاء الذاتي لمنتجات الفئة الأولى في المستقبل المنظور، بينما لا يحتاج الأمر لكبير عناء بالنسبة للفئة الثانية، لكن بالمقابل تستطيع البلاد خلال سنوات قليلة أن تحققا فائضا في ميزانها التجاري من زراعة الخضروات، وذلك عن طريق تصدير منتجات الفئة الأولي خلال فصل الشتاء إلى أوروبا وشمال إفريقيا ففي تلك الفترة تكون منتجاتنا منافسة لأنها مزروعة حقليا وتملك ميزة القرب من الأسواق، أما الفئة الثانية فيمكن أن تكون البلاد أحد المصدرين الرئيسيين لها وخلال أغلب فترات العام.

 

هل صدرت موريتانيا فعلا منتجات خضار؟

بدأ تصدير الخضروات (منتجات  الفئة الثانية حصرا) إلى أوروبا خلال عقد التسعينات من القرن الماضي، بدعم من المشروع المندمج تطوير الزراعة المروية ومن مبادرات أخرى، وكان التسويق مباشرا وغير مباشر أي عن طري السنغال، ولعل تجربة شركة "الميادين الكبرى لموريتانيا" أهم التجارب في ذلك المضمار ،نظرا للنهاية المأسوية لتلك التجربة الرائدة، فالمستثمر الفرنسي المالك للشركة اضطر لنقل استثماره إلى الجارة السنغال، بعد تعرضه للمضايقات الطاردة للاستثمار المعروفة، وأتيحت لي زيارة الشركة في السنغال، حيث كانت توظف حينها 2400 عاملا وتصدر الخضار إلى أوروبا.

 

توجد حاليا عدة استثمارات أجنبية ومختلطة ووطنية تصدر الخضار وتركز كلها على منتجات الفئة الثانية نظرا لملاءمة ظروفنا المناخية لزراعتها هذا فضلا عن توفر الماء واليد العاملة الرخصة والقرب من الأسواق الهامة.

 

لقد زرت إحدى تلك الشركات وهي مختلطة بين مستثمرين وطنيين وأسبان، وتتخصص في زراعة البطيخ بغرض التسويق إلى أسبانيا، كانت المزرعة خلية نحل، لكن ذلك النشاط والحماس لم يستطع إخفاء حجم الإحباط من منغصات مثل غلاء التزود بالكهرباء، وارتفاع سعرها، وضعف شبكة الاتصالات، ووعورة الطريق، وعدم إمكانية التزود بالمدخلات من موريتانيا حتى المادة العضوية تستورد بالرغم من توفر مخلفات الأبقار والأغنام والدجاج، تم ذكر منغصات أخرى كثيرة توجها الشاب الموريتاني بعبارة ممزوجة بالحسرة "كل تفصيل هنا يدفعك للرحيل".

 

ساهم نقص الأمطار خلال السنوات الماضية في دفع بعض المزارعين المغاربة إلى كراء بعض المزارع في منطقة الضفة، لزراعة البطيخ بغرض التسويق للخارج، ويمكن أن تساعد خبراتهم في إحداث ثورة في هذا المجال، علما أن العديد من المزارعين في الضفة كانوا قد توجهوا قبل سنوات لتلك الزراعة وحققوا مكاسب كبيرة لكن لم يجدوا البذور والتقنيات الحديثة.

 

هل تشكل زراعة البطيخ خطرا على مواردنا المائية؟

يجب التفريق بين السياقات المتباينة، في السياق الموريتاني لا توجد مشكلة في استخدام الموارد المائية السطحية لأغراض الإنتاج الزراعي، نظرا لأن تلك المياه تهدر، وهي متجددة، لكن بالمقابل يجب الحذر الشديد من أي نشاط زراعي يعتمد على المياه الجوفية ويجب أن يقتصر على الساكنة المحلية وبشروط استغلال متوافق عليها.

 

كيف يمكن أن يحقق البلد نهضة في مجال زراعة الخضروات؟

ربما لا يعرف الكثير منا أننا نملك موارد مائية هائلة غير مستغلة يسيل لها لعاب الكثيرين وأن أغلب تلك الموارد يتبخر دون أن تتم الاستفادة منه وباستغلال جزء يسير منه فقط قد نحدث ثورة، ولن تتحقق تلك الثورة دون تشجيع المستثمرين مما سيساعد في توفير الخبرة ورأس المال، ويمكن تلخيص المحفزات في النقاط التالية:

- إنشاء خلية لمواكبة جهود التصدير وجهاز لمراقبة احترام اشتراطات التصدير؛

- سحب رخص الاستغلال غير المفعلة للمناطق الزراعية حول قناة لمصيدي ووضعها تحت تصرف المستثمرين بالصيغ الملائمة، نظرا لكون تلك المنطقة في مجال الواجهة البحرية وبالتالي تعد منطقة زراعة خضروات بامتياز، وهي الآن معطلة الآن، فملاك تلك الرخص لا لصلة لهم بالزراعة وينتظرون فرصة لبيعها بأسعار خيالية؛

- إجراء اصلاح عقاري يضمن سهولة الولوج والتداول للأراضي الزراعية؛

- كهربة مناطق الإنتاج وفك العزلة عنها؛

- تشجيع اقتناء معدات اللوجستيك الخاصة بالنقل والحفظ؛

- ضمان توفير الحماية للمستثمرين من الممارسات المعيقة للاستثمار؛

- توفير نظام قرض زراعي فعال؛

- إنشاء شركة مختلطة لتسويق وحفظ وتحويل منتجات الخضر.

 

إن انفتاح البلاد على الاستثمار يعد حجر الزاوية في مجال تطوير زراعة الخضروات، حيث سيمكن من توفير الخبرة ورأس المال، مما سيسمح بالتثمين المناسب للأراضي الزراعية والموارد المائية واليد العاملة الرخيصة والقرب من الأسواق الهامة.

 

تعد زراعة الخضروات من القطاعات كثيفة الاستخدام لليد العاملة، ويمكن أن تساهم في حل مشكلة بطالة الشباب، لذلك يجب على صناع القرار إعطاءها العانية التي تستحق.