على مدار الساعة

ولد ميني: الفن يجمع ويقطع الطريق أمام انتشار الجريمة (مقابلة)

21 أغسطس, 2023 - 12:56

الأخبار (نواكشوط) ـ شدد رئيس نقابة المهن التمثيلية باب ولد ميني على أن الفن وحده الذي يجمع ولا يفرق الموريتانيين، مشيرا إلى أنه يقطع الطريق أمام دعاة التفرقة والعنصرية ويمني الوحدة الاجتماعية ويعزز السلم الأهلي.

 

وأشار ولد ميني في مقابلة مع الأخبار إلى ما اعتبره إهمالا للمهن التمثيلية في البلاد، حيث "لا يوجد في العاصمة نواكشوط مكان للتدريب! حتى العروض المشاركة في مسابقة رئيس الجمهورية يتدرب أصحابها في الشارع".

 

وأضاف أنه "لا بد أن تكون هناك استراتيجية لدعم الممثلين لكي يخرجوا من دائرة الإمتاع والإضحاك التي ليست لها قيمة إلى دائرة المشاركة في التوعية والتنمية القاعدية".

 

كما دعا إلى إيجاد عروض فنية في جميع المقاطعات بدعم من وزارة الثقافة لانتشال الشباب من "الفراغ الذي هو طريق نحو الجريمة"، مطالبا بتولي الوزارة شراء العروض من الفرق الفنية وتوزيعها.

 

وأضاف: "ستكون بذلك قد رسخت لثقافة مشاهدة الأعمال الفنية، وقتلت عصفورين بحجر واحد، دعمت الفنانين وشجعت مشاهدة العروض". 

 

نص المقابلة:

بكلمة واحدة كيف تصفون واقع المهن التمثيلية في موريتانيا؟ 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، شكرا لك أخي الكريم، وشكرا لوكالة الأخبار المستقلة على هذه الفرصة التي أعطتها لنا لكي نتحدث عن هذه الواقع المر.

 

الواقع يا أخي هو بكل أسف: لم تستطع الدولة الموريتانية أن تخرج الممثلين الموريتانيين من دائرة الارتجال والإمتاع والإضحاك إلى دائرة المشاركة الفعلية في التنمية البشرية ببساطة.

 

-  ما أبرز التحديات التي يواجهها المجال؟

- أبرز التحديات التي يواجهها فن التمثيل بشكل عام سواء أكان في السينما أم في المسرح أم الدراما التلفزيونية هو عدم الاهتمام الرسمي، بكل أسف هذا القطاع المسمى قطاع الثقافة الذي ينبغي أن يكون حارس البوابة لهذا المجال، وأن يكون المظلة التي تظل الجميع وتوجهه، بكل أسف ليس لديه الاهتمام، ولا يملك دائرة متخصصة بإمكانها طرح التصورات وتنفيذها.

 

بكل أسف وزارة الثقافة ليس لديها مدير ولا مستشار مختص في السينما والمسرح، ومن الغريب أنه منذ تأسيس الدولة لم ترسل وزارة التعليم الموريتانية طالبا واحدا يدرس المسرح أو السينما، وكأن هذا المجتمع لا يعطي اهتماما لهذه الفنون، مع العلم أن الدراسات الحديثة تقول إن هذا الفن هو مرآة المجتمع التي من خلالها يقاس مستوى وعيه، فإذا أردت أن تعرف مدى الوعي الثقافي والاجتماعي لأي مجتمع فما عليك إلا أن تشاهد فنون هذا المجتمع، وعندها ستعرف كل تفاصيل الحياة فيه، ويقول الفنان بيكاسو: إن أي أمة لا تعطي اهتماما للفن هي أمة سائرة نحو الزوال، ونحن نخشى أن نذهب إلى الزوال.

 

ولكن - هنا استدراك - في السنوات الأخيرة، السنوات الأربع أو الثلاث الأخيرة، أنشئ معهد للفنون، وأنشئت جائزة لرئيس الجمهورية وفرحنا بذلك، وخرجنا عن بكرة أبينا إلى الشوارع نحتفل كما يفعل أهل الكرة عندما يسجلون هدفا، فقد حققنا هدفا في مجلس الوزراء لأول مرة منذ سبعين سنة، وذلك بصدور مرسوم يقضي بإنشاء معهد للفنون الجميلة ليحتضن هذا الكم الهائل من الناس، كما أن جائزة رئيس الجمهورية تشكل فرصة ومحفزا للفنانين لكي ينتجوا ويتنافسوا في الميدان بشرف، ولكن بكل أسف فقد أفسد المعهد، فلم يبرح مكانه منذ ثلاث سنوات، لم يقدم شيئا، لماذا؟ لأن الخبز لا يصنعه إلا الخبازون، وللأسف كل المشرفين على المعهد لا يملك أي منهم شهادة عليا لا في المسرح ولا في السينما ولا في أي مجال من مجالات الفنون، كما أن المسابقة عليها مآخذ، فلجنتها العليا فيها بعض المديرين المنتمين لوزارة الثقافة، يملك كل واحد منهم مؤسسة ضعيفة متهالكة عاجزة عن أي فعل مهني، ومع ذلك تذهب إليها جائزة رئيس الجمهورية للفنون وهم لا ناقة لهم في الفن ولا جمل في الثقافة.

 

ما رؤيتكم لتلافي الملاحظات والمآخذ التي لديكم على هذين المشروعين (معهد الفنون، وجائزة رئيس الجمهورية)؟

- نرى أنه عندما التزم رئيس الجمهورية بدعم الفنون وتطوير السينما والمسرح في موريتانيا وأنجز ووفى بما عاهد عليه، فلماذا عندما يؤسس معهد للفنون الجميلة لم تعط الفرصة لأصحاب الشهادات وأصحاب الرؤى لكي يأخذوا زمام المبادرة لكي ينشطوا المجال، ونحن في حاجة إلى هذا المعهد فمنذ سبعين سنة لا وجود لكلية أو معهد أو لمدرسة تدرس الفنون، رغم أنه في كل دول العالم هناك معاهد متخصصة في هذا المجال، لأن الفن التمثيلي سواء أكان مسرحا أو سينما أصبح علما يدرس وله مناهجه.

 

إذن عندما قرر رئيس الجمهورية أن ينشئ معهدا للفنون الجميلة كان على القائمين على الشأن الثقافي أن يعطوا الفرصة فيه للفنانين فهو مجالهم ولا يمكن أن يفيدوا في غيره فهم ليسوا مزارعين مثلا.

 

أنا مثلا أحمل شهادة ماستر حصلت عليها من الخارج، وقد درست المسرح في زمن كان المسرح في منظور المجتمع رجسا من عمل الشيطان، وكان منبوذا وغير مرغوب فيه، ولكنني تحديت المجتمع إيمانا مني بأن المسرح والسينما أداتان من أكبر أدوات التعبير، وأن من يريد المساهمة في توعية المجتمع وترسيخ المبادئ والقيم الأخلاقية ومعالجة كل الأمراض فعليه أن يتعلم المسرح والسينما.
زميلي التقي ولد عبد الحي لديه شهادة الأستاذية من معهد الفنون الجميلة في تونس،  الدكتور أحمد حبيب أيضا...

 

بلد بأسره فيه ثلاثة أشخاص أو أربعة فقط يحملون شهادات في مجال وتخصصوا فيه في ظروف معروفة..

 

وزارة الثقافة لا يوجد فيها مستشار متخصص لا في السينما ولا في المسرح، فلماذا مثلا لا يعين رجل من أهل الاختصاص على مشروع مهم مثل جائزة رئيس الجمهورية، وتكون لجنتها العليا من المتخصصين حتى تكون لديهم القدرة على وضع استراتيجية في المجال، فهذه جائزة رئيس الجمهورية وهي إطار مهم، ومهمة جدا بالنسبة لنا، وقد اعتبرناها عناية رسمية وجزاه الله خيرا على إنشائها، ولكن بكل أسف هذه الجائزة ما زالت بعيدة عن الدور المراد منها، فهي فاسدة ولم تقدم أي شيء حتى الآن.

 

ونحن نرى أن جائزة رئيس الجمهورية يجب أن تكون لديها لجنة للتكوين وتطوير المجال حتى تخرج كل سنة جيلا جديدا لديه رؤية في مهن التمثيل: الاخراج والتمثيل... ولا بد أن يكون العمل الفائز بهذه الجائزة عملا جبارا قابلا للتسويق عالميا في المهرجانات العربية والإفريقية والدولية، ولكن للأسف لا أحد من القائمين على الشأن الثقافي يرى هذه الرؤية، والسبب أن الإستراتيجية الثقافية السنوية - رغم أنني لا أرى أن لدينا إسترتيجية ثقافية - ليس فيها أي شيء يعني المسرح ولا تطوير المسرح، لماذا؟ لأنه لا وجود لمستشار ولا إدارة تعنى بهذا الشأن.

 

نحن نطالب رئيس الجمهورية أن يوجه وزارة الثقافة لكي تعطي أهمية لهؤلاء المتخصصين في المسرح والسينما، فهم جنود لهذا الوطن ويؤمنون بالجمهورية، وهم بذلك لا يقلون في الأهمية عن الجنود، وهذا ما أقوله دائما: إن الفنان الواعي ليس أقل في الأهية وليس دوره دون دور الجندي العسكري؛ فالجنود يتخرجون من الكلية العسكرية وهم يحملون فكرة الجمهورية ويدافعون عنها، ونحن أيضا كفنانين نؤمن بالجمهورية وقادرون على الدفاع عنها، فالجندي يحمي الحدود، أما نحن فنحمي العقول. هذه العقول المظلمة خطابها الكراهية والعنصرية والجهوية، وغيرها من الأفكار الظلامية كالمخدرات... نحن وحدنا القادرون على مواجهتها بأعمال فنية ناضجة قادرة على أن تكون موجهة، ولكن إن لم نجد الفرصة لذلك فسنبقى على الهامش وتبقى إمكانيات وزارة الثقافة هدرا بسبب الارتجال، فالثقافة والفن لا يقبلان الارتجال، والفن لا يمكن أن يقوم به إلا الفنانون كما أن الخبز لا يصنعه إلا الخبازون، وعلى أصحاب الشأن أن يدركوا ذلك.

 

نحن نطالب برفع الظلم عنا، فقد تخصصنا في السينما، فلماذا لا توجد سينما موريتانية قادرة على المشاركة وأن تكون جزءا من دبلوماسية موريتانية ناعمة؟ لماذا لا يوجد مسرح وطني؟ لماذا توجد دور للعرض؟ لما لا تبني وزارة الثقافة فضاء ثقافيا أو مسرحا مكشوفا يكون مكانا للتدريب بدل توزيع المبالغ على المنتجين: هذا عشرين مليون وذاك عشرة ملايين، وذلك سبعة.... انواكشوط الآن لا يوجد فيه مكان للتدريب، حتى العروض المشاركة في مسابقة رئيس الجمهورية تدرب في الشارع.

 

إذن نحن نطالب بتنمية وتطوير هذه الفنون، وليتأكد الجميع أن أي أمة لا يمكنها الاستغناء عنها، فهي تزيل التوتر وترسم البسمة وتعالج الأمراض وهي التي تضيء الطريق، والفن هو وحده في هذه الأرض الذي يجمع ولا يفرق، السياسة تفرق، الاقتصاد يفرق، البراكماتية والمطامع تفرق، الفن وحده هو القادر على استنطاق المشترك في هذا المجتمع، وإذا وجد فن واع، ووجدت إدارة فنية قادرة على وضع التصورات السليمة وتنفذها فإننا متأكدون من أنه سيكون لدينا جسر يتحرك عليه كل الموريتانيين يحمل كل المشترك بين مكونات المجتمع الموريتاني، وبذلك نتجاوز الكراهية والعنصرية ونقطع الطريق على دعاة التفرقة والعنصرية وننمي وحدتنا وسلمنا الأهلي ووحدتنا الاجتماعية.

 

ـ  ماهي أبرز مطالب نقابة المهن التمثيلية؟ 

المهن التمثيلية بالنسبة لنا من تأسيس الدولة الموريتانية من الكيكطية إلى عصر شف وكوص ليست هناك نقابة ولا جمعية تنظم هذا المجال يأتي جيل وتنقطع المسافة معه ويأتي جيل آخر، أردنا بعد 70 سنة أن تكون هناك على الأقل نقابة تجمع كل الفنانين الموريتانيين ونادينا للجميع، الانتساب على مستوى نوكشوط وانتسبت فيه لليوم الأول 600 شخص كل واحد منهم يرأس فرقة وجمعت جميع الفرق الناطقين بالولفية والبولارية والسونكية والولفية جميع الفرق التي كانت تعمل من الستينيات والسبعينيات أشركناهم في نقابة المهن التمثيلية، طالبنا الوزارة أن تتجاوز مرحلة الارتجال ومخاطبة كل فرد بوحده وتعطي الثقة لهذه النقابة وهدفها واضح هو ترقية هذا المجال وتنظيمه والدفاع عن حقوق الممثلين الذين استطاعوا منذ تأسيس الدولة الموريتانية إدخال السرور على قلوب الموريتانيين وإضحاكهم في الشارع وفي التلفزة الموريتانية بدون مقابل، فمهمتنا الدفاع عن هذه المجموعة.

 

هذه النقابة الآن عضو في اتحاد الفنانين العرب وعضو في اتحاد النقابات العربية وعضو هنا في الفيدرالية الوطنية في الاتحادات الموريتانية، لديها مقر الآن جزى الله خيرا وزير الثقافة السابق محمد ولد اسويدات عندما جلس معه مكتبنا التنفيذي أعطى أوامر بإعطاء مقر للنقابة ودعمنا، استبشرنا حينا لكن بكل أسف تلاشت تلك الصلة لم نرها، تقدمت نرجو من الوزير الجديد أن يستمر في المسار الذي ترك له الوزير السابق ويترك العلاقة التي ترك ولد اسويدات بينه وبين النقابة، لأن النقابة تأتي بمجموعة من الممثلين لهم الحق أن يكون لهم دعم من الدولة كما دعمت الفنانين الموسيقيين والشعراء والشعر بشقيه الفصيح والحساني، وهنيئا لهم بهذا الدعم لكن صانعي الصورة يجب أن يدعموا خصوصا أن الوزارة المعنية لديها ميزانية كل سنة تقول لنا: نحن لدينا دعم للجمعيات، للأسف هذه الاتحادات الفاعلة لم تر دعما من الوزارة وعندما يسمعون أن هذا الدعم خرج نسأل ولا نجد أحدا من زملائنا استفاد من هذا الدعم في الحقيقة لا نعلم أين ذهبت هذه الميزانية المخصصة لنا.

 
-  وما رؤية النقابة لتجاوز هذا التحدي؟

هذا المجال الذي يسمى مجال الفنون والتمثيل منه بالذات بكل أسف لم تعط لأهله أهمية ولا دعم، ورؤيتنا لكي نتجاوز هذا لا بد أن تكون هناك إستراتيجية لدعم الممثلين لكي يخرجوا كما ذكرت آنفا من دائرة الإمتاع والإضحاك التي ليست لها قيمة إلى دائرة المشاركة في التوعية والتنمية القاعدية، وإذا نجحنا في ذلك سنخلق نوعا من الإنتاج، فسبب القتل والجريمة هو هذا الفراغ الموجود في صفوف الشباب ويجب أن تكون هناك عروض في جميع المقاطعات بدعم من الوزارة لانتشال الشباب من هذا الواقع. 

 

هذه العروض تقدم في الدول لأهميتها وإذا كان المجتمع لم يصل إلى درجة من الوعي لشراء تذاكر العروض على الوزارة أن تتولى عنه شراء التذاكر وتوزعها على الجمهور، وحتى على موظفي الدولة، تكون بذلك رسخت لثقافة مشاهدة الأعمال الفنية، وقتلت عصفورين بحجر واحد، دعمت الفنانين وشجعت المشاهدة للعروض، هذا بكل أسف ليس موجودا، التلفزة الموريتانية ليست لديها ميزانية للدراما تقتطعها من ميزانية رمضان بضرورة تخصيص القليل منها والقليل أيضا لا يكفي لكي ينتج منه مسلسل للدراما، ومع ذلك ينتج بطريقة ارتجالية من 10 سنوات أو 5 ونحن نعيد نفس الكرة نفس الوجوه نفس السيناريو... 

 

وأطلب هنا من مدير التلفزة الموريتانية السيد المدير والإعلامي المحترم والزميل المتميز إنشاء إدارة للدراما التلفزيونية لكي يتجاوز هو أيضا مرحلة الارتجال التي تمر بالتلفزة قبل 5 أيام أو 15 يوما تقول نحن سنقدم مسلسلا ويأتيها أحد لديه سيناريو لم تقرأه ولم تعرف أهميته فتدعمه مباشرة فيبدأ في هذه الفترة القليلة قبل رمضان بإنتاج مسلسل فإذا به مهزوز، السيناريو غير محبوك، الممثلين ليسوا قادرين على تجسيد الشخصيات، الإضاءة والمونتاج... ما هو السبب في ذلك؟ السبب في ذلك أنه لا توجد إدارة للدراما، لا بد من وجود إدارة للدراما في التلفزة الموريتانية كما هو الحال في كل دول العالم، في الإمارات في تونس في المغرب... تقوم هذه الإدارة قبل شهر رمضان بستة أشهر أو سبعة بإصدار إعلان تطلب فيه من كتاب السيناريو والمخرجين والممثلين وتبرم معهم عقودا ذات مردودية عليهم، ويجب التخلص مما درجت عليه التلفزة من التعامل مع المنتجين وإعطائهم التمويلات: سبعة ملايين وست ملايين، يوزع المنتج مبالغ زهيدة منها على الممثلين لا تتجاوز عشرة آلاف وخمسة آلاف على كل ممثل، هذا ليس عدلا، وإن من مهام نقابتنا السعي لتنظيم هذا المجال، وسننادي دائما ونصرخ بأعلى أصواتنا بأن ما يجري في ادراما التلفزيونية ليس عدلا، لا بد – كما هو الحال في كل دول العالم – عند نهاية رمضان كل عام من التفكير في وضع خطة للإنتاج لرمضان المقبل، يحضر السناريو على مهل ويدرس، ثم يعلن عن مسابقة لاختيار السناريوهات، ثم يشترى أفضلها، ويستدعى الممثلون لتجارب الأداء والكاستينج، ستة أشهر أو سبعة قبل رمضان، يستلمهم المخرج فيدربهم، وقبل رمضان بأربعة أشهر يصبح العمل في طور المونتاج، وهكذا نخرج بعمل محبوك جميل من حيث المناظر ومن كل النواحي، وبذلك يجد المخرج الفرصة للجلوس مع فريقه الفني ويختار أماكن التصوير، ويرى المشاهد الخارجية والمشاهد الداخلية والمشاهد الليلية والمشاهد النهارية، وبذلك يصبح العمل غير مرتجل، يسير على نمط موحد معد على عجل لا يحتوي على لقطات تفصيلية، حتى أن الممثلين غير قادرين على الخروج من شخصياتهم الواقعية لتجسد الشخصية الدرامية، وهذا هو الموجود الآن بكل أسف.

 

ـ هناك وعود سابقة من وزارة الثقافة بتحويل محطات بارزة من التاريخ الموريتاني إلى أعمال درامية، أين وصلت هذه الوعود؟

ـ تناهت إلينا تلك الوعود، وجاءت على لسان المستشار الدكتور الشيخ سيدي عبد الله ـ أحييه من هنا ـ خلال حفل الإعلان عن النقابة، أن الوزارة لديها مشروع لتحويل بعض المحطات المضيئة من التاريخ الوطني إلى أعمال درامية، واستبشرنا بذلك، ولكن بكل أسف لم نجد أي شيء عنه بعد ذلك.

 

وتحويل التاريخ الوطني إلى عمل درامي شيء مهم وجميل جدا، لأننا نعيش عصر الصورة، والتاريخ المكتوب لن يطلع عليه الشباب الذي يعيش في الشارع ويعيش على المخدرات ويعيش حياة "جينكات" على أرصفة "كلينك" وفي أزقة نقطة ساخنة، ولكن أي تاريخ مضيء حول إلى عمل مصور فبكل تأكيد سيشاهده الموريتانيون بكل فئاتهم، ولكن لا بد قبل ذلك، وحتى لا نقع في نفس المطب، أن ندعم الفنانين، وننظم دورات تكوينية، ونفعل المعهد حتى يخرج مهنيي تمثيل مؤهلين في التمثيل، والسناريو والإخراج والإضاءة، وفي السينوغرافيا، والإكسسوار والصوت والديكور... حتى إذا ما أردنا تنفيذ مشروع بهذه الأهمية وجدنا كوادر شبابية ذات كفاءة في هذه المهن، وإلا فإننا سنكون أمام خيارين: أن يكون العمل ضعيفا لا يحمل المستوى اللائق من الجدية، وهذا غير مقبول في التاريخ، ولا في مشروع بهذه الأهمية. الأمر الثاني: أن تستجلب خبراء من الخارج من كل المهن حتى الممثلين ستضطر لاستجلابهم، وهذا مكلف.

 

ولتسهيل هذه الأمر ينبغي أن تنشئ وزارة الثقافة دائرة تسمى دائرة الثقافة والفنون، أو إدارة على الأقل للمسرح والسينما تضم متخصصين وتبدأ العمل من الآن على إعداد المشروع، وتقوم أيضا بتفعيل المعهد حتى يخرج على الأقل بعد سنتين أو ثلاث سنوات مجموعات من الشباب الممثلين، وعندما أقول ممثلين فإني أقصد ممثلين قادرين على تطبيق تصوير الشخصية كما يقول سام سنافسكي، نحن الآن ليس لدينا ممثلين، لدينا مجموعة من المقلدين، والمقلد ليس ممثلا، الممثل هو الذي يملك القدرة على الخروج من شخصيته ليجسد شخصية الدور، فأنا مثلا عندما أمثل شخصية بكار ولد اسويد احمد أو أحمد ولد الديد أو ممدو لامين، أو أي شخصية تاريخية ويطلب مني تجسيد هذه الشخصية فإنني سأفشل في تجسيدها إذا لم أكن مؤهلا وعند ذلك سأقوم بتقليدها وهو جريمة، لأنك لن تقنع الجمهور، وسيقولك: ما هكذا يلتفت بكار مثلا ولا هكذا يتكلم، لأن التمثيل أصبح علما لا بد من دراسته وتدريسه، وعلى الممثل أن يدرك أنه لا بد له من أخذ دروس في "السترسانسك" لإعداد الممثل، وأن يتعلم تطبيق تصوير الشخصية وتجسيد الأدوار، وأن تكون لديه قوة الملاحظة والتركيز، وأن يخرج عن طور التقليد لأن المقلد لا يمكن أن يجسد إلا ما شاهده، أما أن يقلد شخصا لم يشاهده فلن يستطيع، وتكون أنت بذلك ارتكبت جريمة لأن بعض ممثلينا لا يمكن أن يخرج عن شخصيته الحقيقية، تراه يتكلم بنفس الطريقة التي يتكلم بها ويتحرك بنفس الطريقة التي يتحرك بها، نحن نريد ممثلين بإمكانهم تطبيق تصوير الشخصية، عبد الله غيث ممثل مصري لكنه في فيلم الرسالة استطاع أن يقنع الجمهور العربي كله بأنه حمزة، فكيف استطاع ذلك؟ لأنه استطاع أن يخرج من شخصية عبد الله غيث الممثل المصري، إلى شخصية الصحبي الجليل حمزة وطبق تصوير الشخصية بكل أبعادها وجسدها حتى أصيب بعدواها، لا يمكن لأي ممثل أن يجسد الشخصيات ما لم يصب بعدوى هذه الشخصيات، لأن لكل شخصية في الدور المسرحي عدوى إذا لم تصب الممثل فلن يستطيع تجسيدها.

 ـ سؤال ختامي: خلقت وسائل التواصل الاجتماعي حراكا وسع جمهور الصورة، فهل ترون أن هذه الوسائط أضافت روافد جديدة لمجالكم أم أنها في المقابل خلقت تحديات من نوع آخر، مثل السرعة والفوضى؟

ـ كلا الأمرين حدث، هذه الوسائل مهمة بلا شك، ونحن نعول عليها على الأقل أن تنشر ثقافة الفن غير المنتشرة في هذا الوطن، وأن تساهم في جعل أي عمل مهم في هذا المجال حاضرا وأن يقدم كما هو، ولكن هذا بكل أسف لم يحدث بعد، ولا أدري السبب وراء ذلك، هل في تسارع هذه الوسائل، وكذلك طغيان الحدث السياسي والاجتماعي عليها، وضعف المساحة الممنوحة للتعليم بالصورة وتثقيف الجمهور من خلالها لأن طبيعة هذه الوسائل أسرع من ذلك.

 

نحن نحتاج طبعا لكل الوسائط الإعلامي سواء تقليدية أم حديثة، حتى تساهم في انتشار هذه الفنون، حتى نفهم أن الفنون تشكل دبلوماسية ناعمة، كما أنها يمكن أن تلعب دورا مهما في ترسيخ القيم الأخلاقية والثقافية في هذا المجتمع، وهي مهمة بالنسبة لهذا المجتمع، فأنت عندما تخرج للشارع متسلحا بقوة الملاحظة والتركيز فستصاب بالدوار نتيجة لما تشاهده من تصدع كبير جدا في الأخلاق في الشباب في العلاقات، والسبب في ذلك هو تراجع دور المدرسة وفشلها، والإعلام لم يقم بدوره ولا توجد قنوات أخرى تثقيفية وتوعية للشباب، وهنا أطالب بتفعيل أو إنشاء إدارة للإنعاش والفن في وزارة الثقافة بإمكانها النزول للشوارع والساحات العامة في المقاطعات وتقوم ببعض الأعمال التحسيسية والترفيهية للشباب، فإن وجود فرقة مسرحية أو فضاء ثقافي يقوم بتوفير مستوى من الإنعاش في مكان ما، كفيل بالقضاء على الجريمة وتجفيف منابع الجريمة والمخدرات والسرقة والكراهية والعنصرية في ذلك المكان.