على مدار الساعة

انقذوا هذه البلاد بالتخفيف من الجرعات السياسية الزائدة

2 أغسطس, 2017 - 11:42
عبد الرحمن سيدينا

للفقيه أن يجتهد  و لا أحد ينكر ذلك
و للفقيه أن يرجح قولا على قول من داخل مذهبه و أن يختار قولا خارج إطار المذهب و لا ينكر أحد ذلك عليه و إن أنكر فلا عبرة بنكرانه إن لم يكن نكران ذي علم و ذي حجة و منطق و بيان .
اليوم  وبعد ما أصدرت مجموعة من العلماء بيانا يثمن تعديل الدستور حسب رأيهم و اعتقادهم  قامت قيامة أصوات الاسلام السياسي و غيرهم من أصوات الطيف السياسي المعارض ناكرين و مستنكرين وكأن احداث الدنيا و مصالح العباد و البلاد ضبطت على مزاجهم فما وافق مزاجهم منها يؤخذ و ما خالفه منها يرد و هو احتكار للرأي و استبداد به.
للعالم و الفقيه الحق في أن يقولا  رأيهما و أن يعضداه بثقافتهما الدينية دون أن يكون ذلك فتوى فرأي الطبيب في مسألة ليس وصفة طبية.
للعالم و الفقيه أن يبديا رأيهما في تعديل الدستور سواء كان بالسلب أو بالإيجاب و من أراد أن يجعل الفقيه كتابا على رف، أو خطوطا على ورق فقد سلبه حريته و انتزع منه حرية الرأي و التعبير بل اكثر من ذلك أصبح علمانيا في ثوب إسلامي، فالاسلام السياسي مع تدخل العالم في السياسة حين يكون التدخل لمصلحته و يعتبر وقتها الاسلام دين و سياسة، و حين تجري رياح الفقه و رأي العالم بما لا تشتهي سفن الاسلام السياسي يصبح ذوي النزعة السياسية الاسلامية اكثر تطرفا في اقحام الدين في السياسة من عتاة العلمانيين الذين ينادون بفصل الدين عن الدولة مطلقا.

مأساة السياسة أنها فن وليست علما،و مأساتنا أن لا نتذوق الفنون و لا نعرف بالْمَلَكَةِ هل هذا فن أم تِبْنٌ.

السياسة حالة يمكن أن يتلبس بها الجميع إذ أنها لم توضع لها قوانين و نظريات تجعلها في برج عاجي بعيد عن متناول الهواة و الفاشلين و الثرثارين و الفضوليين الذين لهم أصبع في كل فطيرة و رأي في كل قضية و موقف في كل مسألة.

بداهة السياسة عند بعضنا و اختزالها عند بعضنا الآخر في النشاط النضالي و الانخراط في الشأن العام جعل تعريفها و بيانها مَيْدانِيًّا  اكثر مما هو فكريٌّ و علمي فأصبح كل مدون يكتب "لا" للدستور هو سياسي و أصبح كل مراهق يجد في الشغب تعبيرا عن ذاته المشتتة  ناشطا و مناضلا سياسيا لا لشيء سوى أنه رمى وزيرا او رئيسا بالبيض و النعل و البندورة  فأصبح المنبر السياسي في بلادنا حلبة للمراهقين و الهواة و الثرثارين  ،يردون رأي العالم العابد الذي راكمَ كَمًّا معرفيا يخول له الخوض في غمار الحياة بالرأي و البينة و الحجة الدامغة  لأنه لا يسير وفق بوصلتهم و يقبلون رأي آخر أقل علما و فقها لانه نطق بهواهم و ترجم وجدانهم و تطلعاتهم.

إن هؤلاء المناضلين و السياسيين العدميين  هم مأساة هذه البلاد  التي تعاني من تضخم السياسة في ضميرها الجمعي فالسياسة هي خبز الجميع و ماؤهم و مرعاهم.

حين أراد المصريون أن يفشلو الاتحاد الاشتراكي  انخرطوا فيه جميعا فافرغوه من مضمونه حيث ان الأشياء تأخذ قيمتها و تعريفها بوجود ضدها و نقيضها و نحن انخرطنا جميعا في السياسة فأصبحت شيئا آخر كل شيء يمكن أن يقال عنه إلا أنه سياسة.

نحن بحاجة للمجتمع المدني اكثر من حاجاتنا للساسة 
نحن بحاجة لجمعيات و نوادي تصقل المواهب و تثمن الملكات و تنشر الثقافة و الفن و العلم.

حين تتكثف السياسة بانخراط الجميع فيها تؤسس لحالة من العمى لا تبصر  فيها زرقاء اليمامة و حالة  تتشابك فيها الأراء لا ليخرج الصواب بل لتتجسد الشحناء و البغضاء  فانقذوا هذه البلاد  بالتخفيف من الجرعات السياسية الزائدة.