على مدار الساعة

أصوات العلماء ومواقفهم غالية

3 أغسطس, 2017 - 12:05
محمد يسلم ولد محفوظ ـ إمام وداعية

أصوات العلماء ومواقفهم ليست كأصوات ولا مواقف غيرهم لما لها من صبغة دينية وشرعية فالنفوس مجبولة على التدين ولو كان منحرفا لذلك حرص السلاطين في مختلف العصور على كسب مواقف العلماء إلى جانبهم ليضمنوا ولاء الجاهلين والغافلين وهم الأكثر بحكم فطرتهم إذ لا يمكن لسلطة أيا كانت أن تقوم دون الإستناد إلى ركن الدين الذي يبرر وجودها وتصرفاتها.

وإذا كان من أهداف السلطان كسب ولاء السلطة الدينية ليقوي ركنه ويقنع شعبه فإنه بلا شك سيبذل عنصري الترغيب والترهيب في سبيل ذلك.

بالإضافة إلى عنصر التهويل والدعاية حتى يخيل إلى الناس أن الأمن والاستقرار والحياة منوطة بولائهم له وتشبثهم برأيه وقراره مهما كان معوجا وفاسدا وجائرا وظالما فيصدق الناس ذلك تشبثا منهم بقيمة الأمن.

وقد قال إبراهيم عليه السلام في رده على هذه الشبهة (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ).

لقد انقسم العلماء بعد الخلافة الراشدة إلى:
1- موال ومبرر للسلطان مهما وقع فيه من ظلم الناس ومهما فعل من المحرمات والمنكرات 
فأولوا النصوص ووضعوا الأحاديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم تبربرا وتحسينا لأفعالهم.

2- معارض للباطل وواقف ضده متمثلا قول النبي صلى الله عليه وسلم (وأن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم) ومتشبث بسيرة صلحاء الأمة.

كان عبد الله بن المبارك ينفق على خمسة من العلماء قائمين لله بالحق لا يملي عليهم السلطان مواقفهم ففي سيرة ابن المبارك .

 

كما رواه الذهبي في سير أعلام النبلاء: (أن ابن المبارك كان يتجر ويقول: لولا خمسة ما اتجرت، السفيانان، وفضَيْل بن عياض، وابن السمَّاك، وابن عُلية؛ فيصلهم).

ولما تولى ابن علية القضاء هجره وأرسل له أبياتا يقول فيها:
يا جاعل العلم له بازياً ... يصطاد أموال المساكين
احتلت للدنيا ولذاتها ... بحيلة تذهب بالدين
فصرت مجنوناً بها بعدما ... كنت دواء للمجانين
أين رواياتك في سردها ... لترك أبواب السلاطين
أين رواياتك فيما مضى ... عن ابن عوف وابن سيرين
إن قلت أكرهت فذا باطل ... زل حمار العلم في الطين.

فلما سمع ابن علية الأبيات ذهب إلى الرشيد فاستعفاه من القضاء فأعفاه منه.

وقد تلقى العلماء في مواقفهم ابتلاءات عظيمة فصبروا ولم يتأولوا حتى فرج الله بسببهم عن الأمة ولم يعتبروا ذلك فتنة ولا خروجا.

إن الفتنة في منظور الشرع هي الخروج عن طاعة الله تعلى وظلم الناس ولم يعرف في الشرع أن إنكار المنكر والوقوف في وجه الباطل يعتبر فتنة بل هو وقاية من الفتنة يعصم الله تعالى به الأمة ويحفظها من الهلاك والمحن بما فيها صاحب الظلم وشواهد ذلك كثيرة.

 

إن على العلماء في مجتمعنا اليوم أن يتذكروا سنة 2003 وما بعدها وما جرى من مواقف حسنة أو قبيحة أصبحت اليوم من التاريخ.

إن عليكم أيها العلماء إذا أنكرتم منكرات الناس أن تنكروا منكرات السلطان وإذا ذكرتم معروفه فاذكروا منكره وإذا ذكرتم ما يجب له فاذكروا ما يجب عليه وإذا ذكرتم ما نجح فيه فاذكروا ما قصر فيه فهذا هو العدل "فلا خير فيكم إذا لم تقولها ولا خير فيهم إذا لم يسمعوها".

إن حقوق العباد ليست بالهينة عند الله تعالى لذلك أوجب العدل وحرم الظلم وحرمت مناصرة الظالمين، فلنراقب الله تعالى.

 

رحم الله السلف بداه والعز ومالك ... والموضوع لا يكفيه مجرد تدوينة