على مدار الساعة

الموقف الرسمي والشعبي من العدوان الإسرائيلي على غزة يعكس استقلالية القرار السيادي للبلاد

2 نوفمبر, 2023 - 15:17
بقلم د. محمد الراظي بن صدفن

لقد عرفت فلسطين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أحداثًا مؤلمة خصوصًا في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية التي أدت في النهاية إلى تقسيم فلسطين وقيام العدو الصهيوني في تشرين الثاني نوفمبر 1947 م بتطبيق سياسة تطهير عرقي استهدفت كل الفلسطينيين الذين طردوا من أراضيهم وترحيلهم قسرًا وسيطرة اليهود الوافدين علي كامل المنطقة وإعلان الدولة الإسرائيلية المغتصبة في 14مايو من سنة 1948 م.

 

ومع انتهاء الحرب سنة 1949 م فقد تم الاتفاق وقتها على إبقاء إدارة مصرية لقطاع غزة وإدارة أردنية للضفة الغربية، وذلك حتى تاريخ حزيران يونيو من سنة 1967 م عندما احتلت إسرائيل معظم الأراضي المتبقية خلال حرب الأيام الستة.

 

والظاهر أن القضية الفلسطينية كانت حاضرة وبقوة في وجدان كل الشعب الموريتاني ونخبه السياسية والفكرية والدينية، وقد تم التعاطي معها بكل ما تستحقه من مركزية وأهمية باعتبارها القضية الأولى بالنسبة للعرب والمسلمين على حد سواء.

 

فقبل استقلال البلاد عن المستعمر الفرنسي، قام مندوب موريتانيا في الجمعية الفرنسية السيد أحمدو بن حرمة بابانا رحمه الله بمغادرة مجموعته الحزبية الاشتراكية في البرلمان الفرنسي احتجاجا منه ورفضا لتقسيم فلسطين وقيام دولة إسرائيل سنة 1948 م.

 

كما لم تألوا حكومة الاستقلال برئاسة الرئيس الراحل المرحوم المختار بن داداه أي جهد في الدفاع عن الحق الفلسطيني الثابت في تحرير أرضه وقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريفة ذلك في مختلف المحافل الإقليمية والدولية. ويحسب للرئيس المختار استخدام نفوذه وعلاقات الصداقة المميزة التي ربطته مع العديد من الرؤساء الأفارقة وزعماء العالم لجرهم لمناصرة القضية الفلسطينية في منابر الأمم المتحدة.

 

اليوم، للتأكيد على تنصلها من جميع القرارات والمواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الشعب الفلسطيني وتجاهلها لاتفاقية السلام العربية المعروضة عليها منذ العام 2002 م، تقوم سلطات الاحتلال بالتوسع في الضفة الغربية وتهويد القدس ومحاصرة غزة وقصفها جوا وبرا وبحرا في خطوة غير مسبوقة لإبادة جماعية لسكانها ومن ثم تصفية القضية الفلسطينية وتحقيق مخططات الاحتلال.

 

في هذا السياق، فإننا نثمن عاليا الموقف الرسمي للجمهورية الإسلامية الموريتانية الذي عبر عنه فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في القمة العربية الأخيرة الذي أكد خلالها رفض موريتانيا القاطع ووقوفها الصارم ضد ما يتعرض له الأشقاء في غزة من تدمير وحصار وجرائم صارخة ضد الإنسانية مشددا في نفس الوقت على أنه آن الأوان أن يقتنع الجميع أنه لن ينعم أحد في هذه المنطقة بسلام أو أمن مستديم إلا بقدر ما ينعم به الآخرون.

 

وعلى الرغم من تناغم هذا الموقف الرسمي مع ما تقوم به مختلف الفعاليات السياسية والنقابية والفكرية والإعلامية وهيئات المجتمع المدني من دعم ومساندة لسكان غزة في هذه المحنة العصيبة، فإننا نعتبر موقف الرئيس موقفا جريئا وتاريخيا بامتياز، لأنه أعاد الاعتبار لدور الديبلوماسية الموريتانية ولقرار البلاد السيادي في وقت يشكو فيه العمل العربي المشترك ضعفًا لافتا وعدم انسجام معظم الدول العربية بخصوص معالجة العديد من الملفات المطروحة، وهي ميزة حسنة تنضاف إلى سجل الرجل في إدارته لشؤون الحكم.