على مدار الساعة

"محكمة العشرية".. ردود المحامي فضيلي ولد الرايس

20 نوفمبر, 2023 - 23:16

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد

 خشية أن تفوت الفرصة، فإنني أراني ملزما، من باب النزاهة الفكرية، أن أنوه بما التمست في المحكمة من سعة صدر وصبر وترفع وكفاءة علمية وإنني على يقين تام أن هذه الخصال الحميدة ستؤدي لا محالة إلي الحكم العادل والمناسب في قضيتنا المنشورة أمامنا من أجل إحقاق الحق وإزهاق الباطل. 

 

كيف لا ونحن عصبة من هل الحقوق والقانون ولا تأخذنا في الحق لومة لائم. ومما يمكن أن أصرح به اليوم أمامكم هو أن موكلي مهتم بعدم ظلم المتهمين وعدم ظلم الدولة على حد المساواة وتخلى منذ البداية، عن أي تدخل مباشر أو غير مباشر في هذه القضية ويحملنا، قضاة ومحامين، كامل المسؤولية أمام الله ورسوله والتاريخ وشعوب العالم، عكس ما يقول المرجفون في المدينة من تعد وكذب وباطل لا دليل لهم في ذلك إلا ما قذف الشيطان والهوى في قلوبهم من حقد وظن وعدول عن الحق.

 

 وانني بالمناسبة أرجو من الله العلي القدير أن يلهمنا كلمة الحق في الغضب والرضا ويسدد خطى أفراد محكمتنا إلى الصواب والإنصاف لأنهم في آخر المطاف هم وحدهم من سيقومون أمام الله، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ويسألون على رؤوس الأشهاد عما قضوا به في نازلتهم هذه. وإنني أرجو من الله العلي القدير أن ينصرهم وينصر بهم ولا ينصر عليهم أحدا والله ولي التوفق. 

 

وأذكر هنا بقوله تعالى: " وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم، واحذرهم أن يفتنونك عن بعض ما أنزل ألله إليك، فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون، أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقفون." صدق الله العلي العظيم وبلغ رسوله الكريم ونحن على ما قال ربنا من الشاهدين. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي القدير. 

 

 

السيد الرئيس السادة أعضاء المحكمة 
التحقت بمهنة المحاماة كما تعلمون بعد تقاعدي من مهنة القضاء ولم أزل أبحث عن الوسائل التي تمكنني من غسل دماغ القاضي حتى ألائم أو أحاكي على الأقل المميزين من معشر المحامين. كونت لأقول الحق بين الخصوم بما يستوجب ذلك من حياد تام وقراءة وفهم وتأويل للقانون بصفة شاملة ومحيطة بكافة أبعاد كل نازلة صغيرة كانت أم كبيرة، مهمة أم غير مهمة لأن العدل لا ينصرف، ثابت في أصله والخصومات كالأيام تدور.

 

يبدو في منظور المحاماة، كما يحلو لعمدائنا، أن الأمر ليس كما علمت وأن المحامي المقتدر هو الذي لا يقرأ ولا يفهم ولا يؤول القانون إلا من الزاوية التي تمكن موكله من الفوز بالخصومة. ومن واجباته وأدبياته المهنية أيضا أن يكتم ما أنزل من القوانين التي لا تصب في هذا المجري. 
إن مثل هذا الاستعداد الذهني والتفكير النمطي يجعلني غريبا وأحيانا خارج السرب ومحرجا لزملائي. ولحسن الحظ وجدت في القانون الجديد للمحاماة مخرجا لأزمتي. ففي ظل هذا التعديل الهام، والذي لم تفهم بعد تجلياته، لم يعد المحامي مجرد عون للقضاء بل أصبح شريكا فيه بما يمكنه أن يساعد في الاستشارة القانونية الصادقة والدقيقة. وعليه فإنني سأتمسك بنص وروح هذا التعديل في ردي هذا على مرافعات دفاع المتهمين. 

 

 

السيد الرئيس السادة أعضاء المحكمة 
عندما أبلغت بأسماء لفيف الدفاع عن المتهم الرئيسي تيقنت أن هذا الأخير سينصرف أمره إلي مسارات ومتاهات لا تزيده إلا وحلا ولا تبقي له أي حميم ولا شفيع يطاع:

 

1- أن أول وقيعة دبروها له وأقنعوه بها هي قولهم بعدم دستورية لجنة التحقيق البرلماني وحتى إن كبيرهم أكد أمام محكمتكم، دون خجل ولا وجل، في مرافعته أن اللجنة البرلمانية ما أنزل الله بها من سلطان. متى كان كبيرهم ومن معه فقهاء في القانون البرلماني؟ هل درسوه أصلا؟ هل تدربوا يوما في أروقة البرلمان الموريتاني أو أي برلمان خارجي؟.

 

وللتوضيح كان القانون البرلماني جزءا بسيطا من القانون الدستوري يدرس في الجامعات على عجالة ودون تركيز يذكر وفي الثمانينات من القرن المنصرم أخذ استقلاله وأصبح مادة منفصلة لها فقهها وسوابقها ولا يجرؤ عليها إلا أهل التمكين من أهل الاختصاص. وفي هذا الصدد أشير إلي أنني شخصيا عملت في دوائر البرلمان منذ نشأته لأمضي ثماني عشرة سنة من عمري أدرسه وأشارك في هيئات عالمية من أجل تأصيله وتصور آفاقه المستقبلية. وترأست الكثير من فرق الخبراء حتى مكنا مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية من الأنظمة الحديثة لتساير كافة الديمقراطية العالمية. 

 

وبخصوص دستورية لجنة التحقيق البرلماني ألفت الانتباه إلي ما يلي:
 أ) جاء في الفقرة الأولى من المادة 86 من الدستور ما نصه: "تقدم للمجلس الدستوري القوانين النظامية قبل إصدارها، والنظام الداخلي للجمعية الوطنية قبل تنفيذه، وذلك للبت في مطابقته مع الدستور".
كما جاء في المادة 158 من النظام الداخلي للجمعية الوطنية ما نصه: "يتم العمل بهذا النظام الداخلي بعد إعلان المجلس الدستوري مطابقته مع الدستور".

 

 وتجدر الإشارة هنا إلى أنه جاء في القرار رقم: 2 الصادر عن المجلس الدستوري في جلساته يومي: 17 و22 يونيو 1992: "لقد تم إبلاغ المجلس الدستوري يوم: 6 يونيو 1992 من طرف رئيس الجمعية الوطنية بمداولة تتضمن الموافقة بالإجماع على النظام الداخلي للجمعية الوطنية وبعد النظر في الموضوع فإن المجلس الدستوري يعلن مطابقة ترتيبات هذا النظام الداخلي مع الدستور".  

 

استقر النظام الداخلي للجمعية الوطنية الصادر في سنة 1992 دون أي تعديل في ترتيباته إلي سنة 2019 حيث وجه رئيس الجمعية الوطنية الرسالة رقم: 034 بتاريخ: 3 يوليو والرامية الي إحالة النظام الداخلي للجمعية الوطنية المعدل من أجل البت في مدى مطابقته للدستور. وبعد الدراسة المعمقة والاستماع إلى مقرر المجلس الدستوري أصدر المجلس قراره رقم: 013/ 2019 القاضي بأن النظام الداخلي للجمعية الوطنية الذي عرض عليه مطابق للدستور. كان ذلك يوم الثلاثاء 9 يوليو 2019.

 

وسواء تعلق الأمر بالنسخة القديمة أو الجديدة من النظام الداخلي للجمعية الوطنية ظلت لجنة التحقيق البرلماني إحدى الوسائل القانونية التي يمارس البرلمان من خلالها رقابته على الحكومة كما نصت على ذلك المادة 40 من النظام الداخلي للجمعية الوطنية حيث تقول: "للجمعية الوطنية أن تشكل لجانا بالمناسبة من أجل دراسة:
-     قضايا متعلقة بالحصانة البرلمانية 
-     نظام الجمعية الوطنية 
-     التحقيقات البرلمانية 
ينتهي وجود اللجنة المشكلة بالمناسبة فور بت الجمعية الوطنية في القضية التي أنشئت من أجلها".

 

وقد خصص النظام الداخلي للجمعية الوطنية فصلا منه لإنشاء لجنة التحقيق والإجراءات المتبعة أمامها وداخلها وكيفية انتهاء أعمالها كما نصت على ذلك المواد: 123 و124 من نفس النظام الداخلي. 

 

إن القول بعدم دستورية لجنة التحقيق البرلماني أمر غريب ويدعو إلى السخرية وينم عن الجهل المركب لصاحبه. بعد مداولات المجلس الدستوري وقرارته المتتالية والقاضية بمطابقة النظام الداخلي للجمعية الوطنية هل يجوز لأي عقل قانوني سليم إنكار ذلك؟  وعلي الجميع أن يفهم أن الدستور ليس بداية ونهاية لكونه يحيل ويرجع إلى بعض القوانين النظامية والعادية أحيانا من أجل تكميل مقتضياته.

 

ومن المدهش أن البعض منا يدعي أن النظام الداخلي للجمعية الوطنية ليس بنظام عضوي أو تنظيمي. وردا على هذا الادعاء فإني أقول: 

 

حول الدستور الموريتاني القانون العضوي من مجرد مفهوم قانون عادي إلى وسيلة من الوسائل الإنشائية للقواعد القانونية ومن هذه الزاوية سمي قانونا عضويا لالتصاقه بالدستور فالدستور هو الذي يفسح له المجال ويجعله ضمن نصوص الوحدة الدستورية.
فالقانون العضوي هو القانون الذي يتدخل لتنظيم مؤسسات الدولة وينظم مجالات يراها المؤسس هامة واستراتيجية فهو إذا امتداد للدستور ولذا جاء في المادة 57 من الدستور بعد سرده لمجال القانون ما نصه: "وللقانون النظامي أن يوضح ويكمل أحكام هذه المادة".
وبالإضافة إلي المجالات المخصصة للقوانين العضوية بموجب الدستور يشرع البرلمان بقوانين عضوية في المجالات التالية:
o    تنظيم السلطات العمومية وعملها بما فيه نظام الجمعية الوطنية الداخلي 
o    نظام الانتخابات 
o    القانون الأساسي للقضاة والتنظيم القضائي 
o    القانون المتعلق بالإعلام 
o    القانون المتعلق بالمالية 
ويخضع القانون العضوي قبل إصداره لمراقبة مطابقته للدستور من طرف المجلس الدستوري. 

 

وجاء في المادة 67 من الدستور ما يلي: "القوانين التي يضفي عليها الدستور صفة القوانين النظامية يصوت عليها وتعدل طبقا للشروط التالية: 
- لا يقدم المشروع او الاقتراح إلى مداولة أو تصويت إلا بعد انقضاء 15 يوما بعد إيداعه. 
- لا تصدر القوانين النظامية إلا بعد أن يعلن المجلس الدستوري عن دستوريتها".  
وجاء تحديدا في المادة 86 من الدستور ما نصه: "تقدم للمجلس الدستوري القوانين النظامية قبل إصدارها والنظم الداخلية للجمعية الوطنية قبل تنفيذها وذلك للبت في مطابقتها للدستور."

 

أما قول بعضهم إن النظام الداخلي للجمعية الوطنية لا ينشر في الجريدة الرسمية فهو قول مردود على صاحبه لأن هذا القانون النظامي وحده هو من ينشر مرتين في الجريدة الرسمية على أساس المواد: 67 و51 في فقرتها قبل الأخير حيث تقول: "جلسات الجمعية الوطنية عمومية وينشر محضر مداولاتها في الجريدة الرسمية".

 

وأهم جزء من محضر المداولات هو القانون المصوت عليه. ويحظى بالإصدار ككافة قوانين الدولة من طرف رئيس الجمهورية. 

 

وفي الختام أرى ان ما ذهب إليه بعض الزملاء من إنكار لدستورية اللجنة البرلمانية وعدم نشر النظام الداخلي في الجريدة الرسمية والتشكيك في عضويته هو مجرد نقص في العلم المحصل.

 

 2- إن ثاني وقيعة دبروها للمتهم الرئيسي هي إجباره على التمسك المنتظم والمضطرد بالمادة 93 من الدستور لكونها طوق نجاة وحيد له. تأملت الأمر فوجدت أنه يقوم على صعيد تكتيكي فريد ينم عن التناقض والارتباك الحاصل في عقول أصحابه. وحقيقة الأمر أنهم كمن يلوذ بالفرار من الموت المحتمل إلى الموت المؤكد. 
كيف يطالبون بمحاكمة المتهم الرئيسي من طرف محكمة العدل السامية بتهمة الخيانة العظمي؟.
 هل يدركون المعاني المنتظمة والمنطوية تحت هذه العبارات؟
*  ما هي الخيانة العظمي: لم يحدد الدستور الموريتاني تعريفا للخيانة العظمي في حين نجد ان القانون الجزائي قد نص على جريمة أخرى تحت مسمى الخيانة بحيث حدد مضمونها والعقوبة الواجبة تطبيقها في حالة ارتكابها. غير أن مفهوم ومضمون هذه الأخيرة يختلف عن الخيانة العظمي التي خصها برئيس الجمهورية دون غيره لارتباطها بمهامه الرسمية لتكون الخيانة العظمي جريمة دستورية وليست جريمة عادية.

وقد استقر الفقه الدستوري والسوابق القضائية لمعظم الدول الديمقراطية أن الخيانة العظمي هي تلك الأفعال التي يقوم بها رئيس الجمهورية بسوء نية والمؤدية إلي الإخلال الجسيم بواجباته الدستورية والتي من شأنها اعتراض السير العادي والمنتظم للمؤسسات الدستورية والإضرار بالمصالح العليا للدولة. 

 

ومهما يكن من أمر فإن الآثار المباشرة للاتهام والمتابعة بالخيانة العظمي تحدث نتيجتين هما العزل من المنصب والعقوبة الجزائية وفق السلطة التقديرية لأعضاء المحكمة السامية مما يجعل الخيانة العظمي جريمة استثنائية وسياسة بامتياز تخل بالمبدئ الدستوري المعروف: لا جريمة ولا عقوبة الا بنص قانوني مسبق.

 

ومن الواضح والبديهي أن المتابعة بجريمة الخيانة العظمى لا تجوز إلا في حق رئيس للجمهورية ما زال يمارس وظائفه ولا تعني بأي حال من الأحوال رئيسا سابقا للجمهورية. 

 

* ولضرورة القراءة والفهم الصحيحين للمادة 93 من الدستور وتأسيسا على نظرية النص الواضح التي تحول دون تأويل النص القانوني إذا كان قطعي الدلالة فإنني أرى من الضروري تفكيك العبارات شبه الغامضة لهذه المادة. 
جاء في نص المادة 93:
 "لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولا عن أفعاله أثناء ممارسة سلطاته الا في حالة الخيانة العظمي.  لا يتهم رئيس الجمهورية إلا من طرف الجمعية الوطنية عن طريق الاقتراع العلني والأغلبية لأعضائها. وتحاكمه في هذه الحالة محكمة العدل السامية."
من العبارات التي ينبغي تفسيرها مفهوم الخيانة العظمي وقد سبق توضيحها وينبغي توضيح العبارات التالية:
-  ما المقصود بعبارة رئيس للجمهورية؟ هل تدل هذه العبارة نصا أو روحا علي رئيس سابق للجمهورية؟ يقصد برئيس الجمهورية من هو داخل في الظرف الزمني لعهدته الانتخابية والمحددة قانونا من يوم بدايتها إلي يوم نهايتها وأما عبارة رئيس الجمهورية السابق فتدل على كل من تقاعد عن وظيفته الأصلية مثل وظيفة طباخ سابق أو معلم سابق أو جندي سابق أو وزير سابق أو مدرب كرة قدم سابق.
- وعبارة "أثناء ممارسة سلطاته" الواردة في نص المادة دالة هي الأخرى على الظرف الزمني المقصود بالعهدة، مما يعني أن الأفعال متصلة في اتجاهين هما العهدة والممارسة الفعلية والآنية للسلطات.
ومهما يكن من أمر فإن مبدأ وحدة النص الدستوري يجعل أي تأويل إيجابي للمادة 93 موقوفا على قراءة المواد الدستورية المتشاكلة معها والرامية إلى الأغراض المتصلة أو شبه المتصلة بها.  وفي هذا الإطار تنص المادة الأولي من الدستور في فقرتها الثانية على ما يلي: "تضمن الجمهورية لكافة المواطنين المساواة أمام القانون دون تمييز في الأصل والعرق والجنس والمكانة الاجتماعية".
كما نصت المادة الرابعة من الدستور على أن: " القانون هو التعبير الأعلى عن إرادة الشعب ويجب أن يخضع له الجميع".

 

إن مبدأ التأويل الإيجابي للنص الدستوري يفرض الموازنة الدقيقة بين المواد: 1و4 و93 دون أن تكون متعارضة وبحيث تفضي كل مادة إلى الغرض الذي من شأنه وضعت أصلا. وفي كل الأحوال فإن رئيس الجمهورية ليس إلا مواطنا مثل أي مواطن يساءل كما يساءل كل مواطن بحكم المساواة، لكنه يقوم بوظيفة هامة وخطيرة تستوجب الحماية، وهذه الحماية المرتبطة بالوطفة ولا تتعلق بشخصه المحترم ومكانته الاجتماعية والسياسة ولا تجعله فوق القانون. 

 

وعليه واستنتاجا فإن المادة 93 من الدستور لا يمكن أن تشكل في حقه سببا للإباحة ويجب تأويلها بحكم التقييد لا الإطلاق المفرط والمتعارض مع المواد: 1 و 4 من الدستور. ومما لا جدال فيه أن العهدة الرئاسية توقف مدة تحريك الدعوي العمومية. وعند انتهاء العهدة يجب تحريك الدعوي العمومية ضد الرئيس السابق بموجب الأفعال الخارجة عن سلطاته والتي تشكل جرائم كما تفتح للطرف المدني المتضرر فرصة لتفعيل دعواه الرامية الي جبر الأضرار الناجمة عن هذه الأفعال الإجرامية. وفور انتهاء العهدة الانتخابية للرئيس السابق تكون المحاكم القضائية العادية هي صاحبة الاختصاص ولا يتمتع الرئيس السابق بأي تمييز قضائي. 

 

وقد أجمع عموم الفقهاء المختصين على هذا المسار، الأمر الذي جعل أغلبية الدول تبادر بتعديل دساتيرها لرفع الغموض الذي قد يحصل عن سوء الفهم ورداءة التأويل في هذا الموضوع. 
والسؤال الذي يجب طرحه هو ماهي سلطات رئس الجمهورية؟

 

تعتبر مؤسسة رئيس الجمهورية من بين أهم المؤسسات الدستورية المخول لها مهمة حماية الدستور وعدم ارتكاب أي فعل من شأنه الإخلال بقواعده باعتبار أن رئيس الجمهورية صاحب أعلى مركز في الدولة وممثلا ساميا لها بما يتمتع به من سلطات واختصاصات واسعة طبقا للدستور. 
وقد خصص الدستور الباب الثاني منه لهذه السلطات، ليكون رئيس الجمهورية هو:
-    رئيس الدولة 
-    حامي الدستور وهو الذي يجسد الدولة ويضمن، بوصفه حكما، السير المضطرد والمنتظم للسلطات العمومية وهو الضامن للاستقلال الوطني ولحوزة الأراضي 
-    يمارس رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية ويترأس مجلس الوزراء 
-    يحدد رئيس الجمهورية السياسة الخارجية للأمة وسياستها الدفاعية والأمنية ويسهر على تطبيقها 
-    يعين الوزير الأول وينهي وظائفه
-    يعين الوزراء باقتراح من الوزير الأول ويمكنه أن يفوض بعض سلطاته لهم بمرسوم وينهي وظائفهم بعد استشارة الوزير الأول
-    الوزير الأول والوزراء مسؤولون أمامه 
-    لرئيس الجمهورية، بعد استشارة الوزير الأول ورئيس الجمعية الوطنية أن يحل الجمعية الوطنية 
-    يصدر رئيس الجمهورية القوانين ويتمتع بالسلطة التنظيمية ويمكنه أن يفوض جزءا منها أو كلها للوزير الأول                           
-    يعين في الوظائف المدنية والعسكرية 
-    رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ويترأس المجالس واللجان العليا للدفاع الوطني
-     يعتمد رئيس الجمهورية السفراء والمبعوثين فوق العادة إلى الدول الأجنبية ويعتمد لديه السفراء والمبعوثون فوق العادة
-     يمضي رئيس الجمهورية المعاهدات ويصدقها 
-    يمارس رئيس الجمهورية حق العفو وحق تخفيض العقوبات او استبدالها.

 

وكما يلاحظ فإن هذه السلطات جد سامية وأعطيت لرئيس الجمهورية، من خلال مجلس الوزراء، أداة فعالة تأتمر بمجرد الإشارة منه حتى لا يعاين الممارسة الإدارية اليومية فتتلطخ يداه ويكون عرضة للشك والاتهام. 

 

وفي المنظور الديمقراطي ومما أنتجه الفكر الليبرالي توجد أربعة مرتكزات عقدية تقوم على أساسها المؤسسات الدستورية وهي بعجالة:
-    الثقة المطلقة في الفرد: مما يعني أن تعطي للمواطن جميع الحريات الفردية والجماعية حتى يكون مصدرا للمسؤولية والمبادرة                            
-    الإيمان بفضيلة الحوار: ويعني هذا المرتكز أن الحقيقة والمصلحة العامة تمران حتما عن طريق تلاقح الأفكار والحوار الجاد. وعلى هذا الأساس يقوم مبدأ فصل السلطات. 
-    التطلع إلى التنظيم المعقلن ويعني بالإضافة إلى فصل السلطات احترام قواعد الاختصاص لكل مركبة داخل الدولة دستورية كانت أو وظيفية أو إدارية، احترزا من التداخل والنزاع في الاختصاص. 
-     الصفة الفاضلة المفترضة في القائمين على مراكز الدولة ومؤسساتها. فلا حياة لأي ديمقراطية في ظل قيادات بشرية فاسدة. وقد أظهرت هذه المحاكمة مدى جهل وجشع وخفة وانفعال ودونية من كان يحكم مؤسساتنا من أنواع المسؤولين. ومن المؤكد أن مرضنا المزمن هو أن قادتنا لا يرفعون ولا يعينون إلا من كان جاهلا أو سافلا أو متمصلحا أو منافقا وما لأهل العلم والنزاهة والورع والتجربة السالفة من مكانة عندهم.

 

وقد أعطيت لرئيس الجمهورية كل هذه السلطات السامية، التي سبق ذكرها، حتى يكون بدوره ساميا يتميز بالزهد والتقوى والعلم والدين والأخلاق الحسنة والترفع عن الشبهات والرذائل وتتميز أفعاله بالصواب والسداد والعدالة والعفة والمنفعة العامة وحب الخير للجميع لا لنفسه وأولاده وأصهاره وأصحابه وأفراد عشيرته فقط.

 

وبالرجوع إلي سلطات رئيس الجمهورية السامية فكيف يمكننا أن نعتبر أن تسخير ممتلكات شركة اسنيم لبناء منتجع خاص للرئيس السابق في مقاطعة بنشاب يعتبر حماية للدستور أو تجسيدا للدولة أو تحكيما للسير المضطرد والمنتظم للسلطات العمومية أو ضمانا للاستقلال الوطني أو الحوزة الترابية؟.                                                       
وكيف يمكننا أن نعتبر أن المتاجرة بالعملات الصعبة والاحتفاظ بها خارج الدورة الاقتصادية للبلد هو كذلك نوع من تحديد السياسة الخارجية للأمة وسياستها الداخلية والأمنية؟.                                    
وكيف يمكن القول بأن إصدار الأوامر للمدير العام السابق لشركة اسنيم بتوظيف صهر الرئيس السابق خارج الضوابط القانونية المرعية هو إمضاء أو تصديق للمعاهدات الدولية أو قيادة القوات المسلحة أو رئاسة اللجان العليا للدفاع الوطني؟.                                      
وكيف يمكن القول بأن تأسيس وإدارة ورعاية هيئة الرحمة من أجل تبييض الأموال هو ممارسة لحق العفو أو حق تخفيض العقوبات أو استبدالها؟.                                             
وكيف يمكن القول بأن إلزام خيرة اسنيم بشراء الأعلاف الفاسدة هو نوع من ضمان استقلال القضاء؟.
وكيف يمكن القول بأن إيداع المبالغ المالية الضخمة لدي التجار كفائض من الحملات الانتخابية لم تراعا فيها القوانين والنظم المرعية هو نوع من إمضاء المعاهدات وتصديقها؟.

 

والجواب على كافة هذه التساؤلات متروك لصمت مداولات المحكمة ومن بعد هذا الصمت الحكم بما أمر الله سبحانه وتعالي.