أخيرا، أعلن في وقت متأخر من مساء أول أمس عن الحكومة المعينة التي انتظرها الجميع منذ تنصيب رئيس الجمهورية خصوصا، وعلى الرغم من أنه ما زال من المبكر جدا إصدار حكم حول ما إذا كانت حكومة 6 أغشت ستتمكن من أن تكون حكومة المرحلة أم لا، فإنني لا أجد غضاضة في محاولة تقديم بعض الملاحظات الأولية حول تلك الحكومة، وهذه الملاحظات هي على الشكل التالي:
1. الحكومة التي أعلن عنها قبل أقل من يومين ليست حكومة تكنوقراط وفي الوقت ذاته ليست حكومة سياسية، بمعنى أنه إذا كان من الصحيح أن جميع من فيها تقريبا هم من المشاركين في الحياة السياسية والمنخرطين فيها بشكل أو بآخر، فإنه من الصحيح أيضا أن أغلبيتها الساحقة لم يتم تعيين أهلها وزراء لأنهم منخرطون في السياسة فقط، وإنما لاعتبارات أخرى أغلبها يتعلق بكفاءة وزرائها ومعرفتهم بالقطاعات التي أسندت إليهم.
2. كان حجم التغيير الذي جاءت به الحكومة من حيث الأسماء والحقائب كبيرا جدا وواسعا، فباستثناء ست وزرات تقريبا هي الداخلية والدفاع والعدل والخارجية والشؤون الاجتماعية والزراعة فإن كل الوزارات الباقية عرفت تغييرات في الوزراء الذين يسيرونها إما بمغادرتهم وحلول وزراء آخرين محلهم، أو تحويلهم إلى قطاعات أخرى.
3. على الرغم من وجود العديد من جزر القرار في الحكومة ممثلين في بعض الوزراء النافذين جدا والمقربين جدا من الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مثل وزراء الداخلية والدفاع والعدل والخارجية مع ما يعنيه ذلك من إمكانية حصول اختلافات قوية في الرأي تعصف بالتضامن الحكومي الذي يعد ضروريا لأي حكومة فإنه في ظل التفاني الكبير في تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية الذي من المتوقع أن يظهره الجميع ووجود وزير أول يجيد تدبير الخلافات ويتمتع بالكثير من الانفتاح مثل المختار ولد اجاي فإنه من المتوقع أن تحافظ الحكومة على تماسكها وتضامنها خاصة في ظل تنوع و كثرة التحديات التي ستواجهها خلال الأيام الأشهر القادمة والتي ليس أقلها اختبار الحصول على الثقة من البرلمان الذي سيواجهها خلال أقل من شهر من الآن.
4. على الرغم من أنه يمكن القول وفقا للمعطيات المتمثلة في طبيعة الشخصيات التي تم تعيينها في الحكومة والتي هي في عمومها شخصيات تستحق التعيين فيها بشكل أو بآخر وفقا للأدوار السياسية التي لعبتها خلال المرحلة الماضية أو لتمتعها بالكفاءة اللازمة لإدارة تلك القطاعات أو لهما معا فإن ما كان ينقص هذه الحكومة لتكون حكومة المرحلة هو دخول ثلاث شخصيات وازنة هي كل من:
- الرئيس جميل منصور رئيس حزب جبهة المواطنة والعدالة "قيد الترخيص"، وهو إضافة إلى كونه شخصية وازنة تمتع بالكثير من الكفاءة والخبرة في إدارة الشؤون الفكرية والسياسية والحصافة في تدبير الشأن العام وبعلاقات واسعة وطنية وإقليمية ودولية، فإنه قد لعب دورا مهما جدا في نجاح رئيس الجمهورية في الانتخابات الأخيرة سواء من خلال بصماته التي لا تخطئها العين في صياغة برنامجه الانتخابي، أو في خرجاته الإعلامية الكثيرة التي نجح من خلالها عبر استثمار مهاراته الخطابية البلاغية المميزة والعالية من التعريف بكل جوانب ذلك البرنامج أو من خلال بذله جهودا هائلة في الحشد والتعبئة للتصويت لرئيس الجمهورية، أو من خلال الآراء الاستشارية العديدة التي قدمها لرئيس الجمهورية قبل الحملة وبعدها، وإذا كان الرئيس جميل لم يخسر شيئا بعدم انضمامه للحكومة، فإن الحكومة قد خسرت الكثير بعدم وجود شخصية بألق وكاريزما جميل وقدراته على الإقناع.
- أما ثاني الشخصيات التي لم يكن من المفترض أن يتم تغييبها فهي الوزيرة الناهة منت مكناس التي علاوة عن تجربتها الكبيرة والممتدة في الشأن العام فإنها رئيسة أكبر حزب سياسي من حيث التمثيل البرلماني ويتعلق الأمر بحزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم الحاصل في آخر انتخابات على 12 مقعدا برلمانيا علاوة عن عشرات العمد والمستشارين وإقصاء الرئيسة الناهة قطعا هو قرار غير موفق لا سيما وأنها قد عرفت بنظافة اليد والابتعاد عن أكل و اختلاس المال العام رغم كثرة المناصب المهمة التي سبق وتقلدتها كما أنه عرف عنها عدم الدخول في أي صراعات وانسجامها مع خيارات الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وبالتالي فإنه لا توجد أي مبررات لعدم تعيينها في الحكومة باستثناء بعض الانتقادات التي طالتها من بعض المدونين.
- أما الشخصية الثالثة الوازنة التي غابت عن هذه الحكومة وكان غيابها عنها غريبا للغاية فهو الوزير سيد أحمد ولد محمد الذي كان أنجح وزير على الإطلاق في كل الحكومات السابقة التي توالت خلال مأمورية الرئيس ولد الغزواني الأولى تشهد بذلك كل المنجزات التي عرفتها القطاعات الوزارية التي أدارها بالكثير من الكفاءة، بحيث شكل خلال المأمورية الماضية ورقة الرئيس الرابحة وجوكر الحكومة بحيث تنقل بين القطاعات الحكومية كلما استعدت الحاجة انتشال واحد من تلك القطاعات من التردي أو القيام بإصلاحات جذرية فيه، وقد جعلته تلك الوضعية في حالة اشتباك دائم مع لوبيات الفساد في تلك الناشطة في تلك القطاعات وهي اشتباكات خرج منه منتصرا أحيانا وتعرض فيها للهزيمة أحيانا أخرى وتم إبعاده نتيجة لذلك عن هذا القطاع الوزاري أو ذاك.
5. تولى الوزير الأول المعين المختار ولد اجاي في الماضي مهمات جسيمة عديدة وواجه تحديات كبيرة، ودخل معرك عديدة خرج منها في الغالب منتصرا رغم بعض الجراح والندوب التي أصابته خلال خوضه لتلك المعارك وقيامه بتلك المهام، فتولى إدارة الضرائب خلال الأربع سنوات الأخيرة من المأمورية الأولى من حكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز واستمر فيها خلال السنة الأولى من مأموريته الأخيرة وقام فيها بالعديد من الإصلاحات التي تتطلب الكثير من الجرأة والحزم، وتولى إدارة حقيبة المالية خلال المأمورية الثانية من حكم الرئيس ذاته وتحديدا مع مطلع العام 2015 التي أضيفت إليها حقيبة الاقتصاد لاحقا. وتحديدا مع مطلع العام 2016، بالحزم والجرأة والكفاءة ذاتها، ثم تولى إدارة قلب الاقتصاد الوطني النابض شركة "سنيم" التي قام فيها أيضا بالعديد من الإصلاحات، وبعد ذلك كان عليه أن يخوض ابتلاء وامتحان التحقيق البرلماني حول ملف العشرية التي كان واحدا من أبرز وأهم رجالاتها، وهو الملف الذي تحول لاحقا إلى ملف قضائي وعلى الرغم من أنه واجهته العديد من التهم مثله مثل باقي المشمولين بالملف إلا أنه تمكن من أن يسل نفسه من تلك التهم مثلما تسل الشعرة من العجين - على رأي إخوتنا المصريين - فتمت تبرئته ليعود إلى واجهة الشأن العام بل ليكون من ضمن مجموعة قليلة من الثقات الذين عهد إليهم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بملف غاية في الأهمية ويتعلق إعادة هيكلة الحزب الحاكم، هذا علاوة عن إدارته للعديد من الحملات والمعارك الانتخابية التي حقق فيها جميعا انتصارات ساحقة، لكن التحدي هذه المرة لا يشبه أبدا ما مر من تحديات فهو يتعلق بتنسيق عمل حكومة يراهن عليها الجميع في ظرف محلي وإقليمي صعب يتطلب القيام بعدد كبير من الإصلاحات العاجلة التي لم تعد تحتمل التأخير وسط محيط سياسي غير مضياف في غالبه، فليس سرا أن خصومه الكثر سيكونون له ولفريقه الذي يفتقر في أغلبه إلى الخبرة رغم امتلاك جله للكفاءة اللازمة بالمرصاد وسيتربصون به الدوائر ويكيدون له المكائد هذا علاوة عن معوق آخر لا يقل عن المعوق السابق وهو كون ثلث الحومة تقريبا التي تعمل تحت إمرته لا سلطان ولا نفوذ له عليهم من الناحية العملية، وهي تحديات لن يمكنه أن يواجهها جميعا إلا بصياغة خطة عمل محكمة وواقعية بالتعاون مع باقي وزرائه وفقا لبرنامج رئيس الجمهورية مع تحصين نفسه برضا ودعم الشعب والذي لن يتم إلا بمراكمة الانجازات العاجلة في مختلف القطاعات الخدمية والقرب من المواطنين وحل مشكلاتهم اليومية مع المرافق العمومية، إضافة إلى الانفتاح على الجميع والتحلي بالكثير من الصبر والإيجابية في المواقف تجاه المخالفين وتدبير خلافاته معهم بشكل بناء عبر الحوار معهم وتبني الصحيح من وجهات نظرهم.