لا يختلف المهتمون بالشأن التربوي والممارسون للتربية في هذه البلاد حول الاختلالات الكبيرة التي تعاني منها منظومتنا التربوية والحاجة الماسة لإصلاح جديد يشمل البرامج وطرق التدريس ووسائل التقويم وآليات الإشهاد.
وقد اتخذت الدولة ممثلة في وزارة التهذيب خطوات هامة في سبيل حل بعض تلك المشاكل العالقة، فأقامت أياما تشاورية نتج عنها الخروج ببرنامج إصلاح جديد كان حصر المدرسة الابتدائية في التعليم العمومي وتدريس المواد العلمية باللغة العربية في هذه المرحلة من أبرز ملا محه، ثم تغيير في برنامج التعليم الإعدادي والثانوي من حيث عدد السنوات في التعليم الإعدادي وإدراج مادتي المعلوماتية والتكنولوجيا وتغيير في الشعب والتخصصات في المرحلة الثانوية.
هذه النقاط مهمة وتطبيقها على الشكل الأمثل سيكون له أثر طيب في إصلاح هذه المنظومة.
ولكن هل اتخذت الوزارة التدابير الكافية للتطبيق الأمثل لهذا البرنامج؟ وما الوسائل التي يتطلبها تطبيق هذا لبرنامج وما الآليات الضرورية لتحقيقه؟
أولا: إن أبرز هذه النقاط هي حصر التعليم الابتدائي في المدارس العمومية، وهو أمر يتطلب بناء مؤسسات جديدة تضاعف تلك الموجودة واكتتاب طاقم يعادل عدد المعلمين الموجدين الآن في الميدان، وهو ما لم يتحقق بعد ولم تسلك الوزارة فيه مسلكا جادا فما زالت المدارس الابتدائية في أبرز بلديات ومقاطعات البلاد هي هي لم تزدد بعد، وهو ما يعني مضاعفة المشكل الذي كانت تعاني منه تلك المؤسسات؛ الاكتظاظ والنقص الحاد في المعلمين، وبالتالي ضعف التكوين والتدريب الذي يحصل عليه التلميذ في هذه المدارس، فينبغي التركيز على حل هذين المشكلين فلا تعليم ممكن في جو كهذا.
ثانيا: سينتقل التلاميذ في المرحلة الإعدادية إلى تعلم العلوم باللغة الفرنسية وإضافة مادتين جديدتين عليهما، وهذا ما سيكون له أثر سيئ على المتعلمين في هذه المرحلة، وسيزيد من صعوبتها، وقد كانت المرحلة الإعدادية وما زالت هي أكثر المراحل التي يترك فيها التلاميذ المدرسة وزيادة الصعوبات في هذه المرحلة سيكون أشبه بدعوة جماعية لهجرة المدارس من قبل التلاميذ، فأقترح على الوزارة أن تؤجل الانتقال في لغة التدريس إلى المرحلة الثانوية أو حتى الجامعية.
ثالثا: ونحن على بعد أيام فقط من الافتتاح لم تكتتب الوزارة أساتذة لمادتي المعلوماتية والتكنولوجيا، وما زال المديرون في مؤسسات التعليم الثانوي في حيرة من أمرهم حول من سيسند إليه تدريس تلك المواد، مما يعني أن الوزارة ستعتمد سياسة الترقيع بإسنادها لمن يملك معلومات عامة حول هذه المواد وهو أمر لن تكون نتائجه محمودة، وكنت أظن أن الوزارة في السنة الأولى من الإصلاح ستكتتب أساتذة لهذه المواد وترسلهم إلى مؤسسات التعليم الثانوي في هذه السنة ولكن يبدو أن هناك قصورا في التنسيق أو عدم اهتمام بالتطبيق الأمثل لبرنامج الإصلاح.
وفي الأخير هذه النقاط أمثلة فقط من مشاكل كثيرة يعاني منها نظامنا التعليمي، وأرى أن المشكل الكبير والذي بدونه لن يكون للإصلاح وجود، هو تحسين الوضع المادي للعاملين في القطاع التربوي وخاصة الميدانيين فهم الأداة الأولى للإصلاح وقلبه النابض وما دامت ظروفهم تلك التي نعلم فلا الإصلاح موجود ولا مال الدولة باق في خزائنها وسيذهب ويبقى أثرا بعد عين.
أخيرا أتمنى من معالي الوزيرة أن تدرك أن لديها فرصة أن تترك أثرا طيبا وذكرا حسنا يذكره الموريتانيون بعدها، مثل سلفها طيبة الذكر في وزارة التعليم العالي أعني آمال بنت الشيخ عبد الله وطيبة الذكر نبقوها منت حابة، أو أن تسلك طريق مئات الوزراء الذين إذا ذكروا أمسك عنهم السامع إن لم يتبع ذكرهم بسوء أو اتهام.